كان الناس فيما مضى يهرولون خلف بهلول و يرمونه بالحصى بقصد مضايقته و هم يهتفون يا معتوه ؟ فكان يرد عليهم و هو يجري( لو كان هذا عقلكم فهنيئاً لي بجنوني) اليس كلامه صحيحاً؟ وكما اوقف البعض في المدينة (ابو جوالق) و سألوه استهزاء به( يا ابا جوالق من شجك هذه الشجة) و هم يقصدون معنى دنيئا فرد عليهم بهدوء( شجني اياها من شج أمهاتكم اثنتين) و هذا عين العقل. و كما ظل سعدون المجنون ينام في قبر حفره في بيته و عند الصبح يردد الآية الكريمة(قل ربي ارجعون لعلي أعمل صالحا) ثم يمضي لعمله و الذي هو (الجن الكلكي) ذاتو! على ان المدهش هو قصة مجنون بني عامر قيس بن الملوح و الذي ظن أهله ان ليلى العامرية قد (كتبته) او عملت ليهو (عمل) أصابه بالجنون وضعف الشبكة و دعاهم هذا لعرضه على احد الدجالين و المشعوذين، و ما اكثرهم لدينا في هذه الايام النحسات، و الذي استعان بآخر كنوع من تبادل الخبرات، و عمل كونسرتو، و قال في ذلك: جعلت لعراف اليمامة حكمة وعراف نجد ان هما شفياني فقالا نعم نشفي من الداء كله و قاما مع العواد يبتدراني فما تركا من تميمة و لا رقية الا بها رقياني فقالا و الله يا فتى مالنا بما ضمت منك الضلوع يدان وإنا نراك بالغرام لمولع وإنا نراك عندهن لفاني يعني ان الموضوع كان ريدة و لم يكن جناً! و يا ليت النيسابوري كان بيننا الان ليرى من هم العقلاء و من هم المجانين حقا؟ و ليقم بجولة في الاستوبات و الكوش و الصواني ليرى حالة العقل عندنا؟ و لينظر للنيل قربنا و نحن نموت عطشا و الارض البكر ممتدة للافق و نحن نستورد الدقيق و ها هو مزارعنا بقرب بقرته و لكنه يشرب الحليب المجفف؟ و ننصحه بأن لا يستمع او يشاهد التلفزيون الرسمي ماذا و الا فانه سيلحق امات طه و لن يجد صينية ليقف عليها و لا مستشفى ليدخلها و لا حتى كوشة للظهيرة و المساء فكل الاماكن مشغولة حالياً. و لن نخبره ان مليون ميل مربع كاملة لم تكفي ثلاثين مليونا فقط من المواطنين ليعيشوا فيها سويا، فتم الانفصال و وقعت الحرب، و هل هنالك جنون اكثر من هذا. و يا ليت الناس يحيطوا من يكتبون التاريخ ان شعبا كان في ما قبل التاريخ في اوج حضارته و بني بيوتا من الطوب و الصخر و المواد الثابته، قبل ان يرجع القهقري في تاريخه الحديث و يسكن و يعيش و يدرس نصف سكانه و لربما اكثر في بيوت الطين و القش و القماش، و يتحدثون بعد ذاك عن النخب و الافندية و الخريجين و المثقفاتية و غيرها من الفرمالات و التابوهات التي تنؤ بحملها بلاد الفشل و الحمقي و الفاشلين.
هل لا زلنا نعتقد بان تاريخنا المزور، الذي بين ايدينا هو عين الحقيقة؟ هل من العقل ان يقود الطائفيون ثوراتنا ليعودوا بنا لزمن الظلام و انصاف الالهة و الرجعية، و نحن نصفق و نهتف، بل و نغني و نطرب : و ما طربي لما رايتك بدعة لقد كنت ارجو ان اراك فاطرب. و في طل واقعنا المعاش و ازماتنا المتكررة و الفشل المتوالي، فقد ان الاوان لاعادة تعريف الحمق و العوارة و الجنون، و اعادة فرز الكيمان و معرفة من ضيع السودان في ماضيه و من سيطيح ايضا بمستقبله، و نتلو عليكم بعدها بعضا من اخبارهم، اليس كذلك يا عقلاء و حكماء السودان؟ [email protected]