إعجاب أحرار العالم بثورة ديسمبر ووقوفهم بجانب الشعب السوداني لكي يحقق التحول الديمقراطي دليل قاطع على أن مسألة موعدنا مع التاريخ مسألة قد حان زمنها وتحتاج لأفكار تجسر الهوة ما بيننا وطريق المسير نحو المجتمعات الحديثة التي تؤسس لدولة حديثة وبالتالي تأكد بأن ساعة موعدنا مع الحضارات قد أزفت. مسألة التحول الى حيز مجتمع حديث ليست بالسهولة وخاصة بأن مجتمعنا تقليدي للغاية وبهياكل وتركيبات إجتماعية هشة يصعب تحريكها بعد زحزحتها وخلخلتها من أجل دفعها الى الامام باتجاة الحداثة والتقدم وخاصة بأن النخب السودانية مصنفة بأنها يندر وجود ريادات وطنية واعية من بين صفوفها ولذلك يمكننا أن نجد بين نخب العالم المتقدم من يشخّص الحالة المرضية لمجتمعاتنا أكثر من نخبنا التي لا ترى مكمن الداء في عجزها الباين في عدم مقدرتها على تكوين مراكز بحوث يخرج منها علماء اجتماع وفلاسفة واقتصاديين ومؤرخيين لهم قدرة على تقديم حلول الى حالة الكساد الاقتصادي والفكري أي أن يكون هناك محاولات فكرية تفتح على إزدهار اقتصادي يعكس تقدم وإزدهار المجتمع. مثلا نجد أن هناك فلاسفة وعلماء اجتماع غربيين قد صنّفوا علاقة العالم العربي والاسلامي بأنها ذات علاقة عكسية مع التاريخ إلا أن علاقة العالم العربي والاسلامي ورغم مشاكسة النخب غير الواعية في وضع العراقيل لإندماج العالم العربي والاسلامي في حيز الحداثة نجد أن هناك مؤشرات قوية تدل على سير العالم العربي والاسلامي باتجاه موعده مع الحضارة وبالتالي موعده مع التاريخ ونجدها تتمثل في ارتفاع نسبة الذين يجيدون القراءة والكتابة أي انخفاض نسبة الأمية. وكذلك انخفاض نسبة الخصوبة حيث أصبحت وبفضل ارتفاع نسبة التعليم بأن أصبحت المراءة وبفضل التعليم أم لكل طفلين وهذا على المدى البعيد لا يصب في صالح الخطاب الديني الذي ترتكز عليه الحركة الاسلامية السودانية وأحزاب الطائفية والسلفيين وأصحاب العقول التي تنادي بعودة الادارة الأهلية والطرق الصوفية وهم يمثلون وحل الفكر الديني. وكذلك نجد بأن التقدم التكنولوجي وخاصة فيما يتعلق بالاتصلالات قد ساهمت في ارتفاع نسبة الوعي وقد أصبحت مجتمعاتنا مجتمعات غير معزولة كالجزر المعزولة بل تتفاعل مع العالم وقد رأينا كيف كانت نسبة الوعي بفضل ثورة الاتصالات في جيل ثورة ديسمبر حيث تفاجأت حكومة الانقاذ بوعي منقطع النظير لشباب ثورة ديسمبر. المضحك نجد بأن علاقة العالم العربي والاسلامي تؤكد بأنه قد أدرك علاقته بالعالم المتقدم والمتحضر بفضل التقدم التكنولوجي بل قد أصبح ينشد بان يخرج من حيزه أي حيز المجتمعات التقليدية ويلحق بركب التقدم وفي حالتنا السودانية نجد بأن المجتمع يريد تأسيس دولة حديثة تستطيع أن تقود التحول الاجتماعي والتحول الديمقراطي والغريب بان من يقاوم هذا التحول هم النخب والريادات غير الواعية الآتية من أحزاب ما زالت غائصة في وحل الفكر الدين وقد رأينا كيف كان تهافت أتباع الطائفية على المحاصصة وقد أضاعوا ثورة ديسمبرالى حين استردادها من قبل الشعب من عسكر يمثلون آخر غيوم خريف النخب الفاشلة. وبالمناسبة ما حصل في السودان قد حصل في تونس حيث نجد بأن الشعب ينشد تقدم وإزدهار مادي تقف أمامه النهضة التونسية وقد رسمت عشرية الفشل الغنوشية في محاولاته ومراوقاته كما يفعل أتباع أحزاب وحل الفكر الديني عندنا في السودان في مقاومتهم لأفكار الحداثة وفكر عقل الأنوار وقد أحرج أتباع الحضارات التقليدية وبالطبع الحضارة العربية الاسلامية من ضمن المحرجيين بسبب أفكار الحداثة وأفكار عقل الأنوار حيث نجدها قد انتصرت للفرد والعقل والحرية. ولهذا نقول للنخب السودانية لا يمكنكم الدخول للحداثة بأحزاب المرشد والامام ومولانا والاستاذ كما يحلو لأتباع النسخة المتخشبة للشيوعية السودانية وقد نسبوا حزبهم ولا يمكنكم الدخول لأفكار الحداثة وعقل الأنوار بمشاركة العسكر و إتاحة الفرصة للطرق الصوفية ولا محادثة أتباع الادارة الأهلية ولا حميدتي بمليشياته ومرتزقته وعبرهم يتوهم بأنه قادر على تغيير مسار الشعب السوداني كشعب عريق وأمثاله عابرين على هوامش تاريخه الممتد لآلاف السنين ولا يستطيع عابر كحميدتي أن يغير تاريخ السودان . واضح بأن من يقف في وجه تقدم المجتمع في العالم العربي والاسلامي وخاصة وقد رأينا بأن الشعوب تريد أن تلحق بمواكب البشرية وقد أنجزت التقدم والازدهار المادي ومن يقف في طريق مسير المجتمعات العربية والاسلامية هم الريادات الوطنية غير الواعية ونجدها في بحوثهم التي قد عكست كساد فكري على مدى قرن من الزمن مثلا ما زالت النخب السودانية تحاول في تلفيقها وتوفيقها الكاذب الحديث عن الحداثة والأصالة ولهذا نجد ان المثقف السوداني لا يتحرج أن ينتسب الى الحركة الاسلامية السودانية وأحزاب الطائفية والسلفيين. وكذلك نجد أن أغلب بحوث ودراسات المؤرخيين السودانيين أمثال يوسف فضل وتلاميذه ومحمد ابراهيم أبوسليم وعلي صالح كرار يتحدثون عن فكرة صحيح الدين في تماهي مع خطاب أحزاب وحل الفكر الديني وكله بسبب التوفيق الكاذب والتخفي في عدم مقدرتهم على مجابهة أفكار عقل الأنوار التي تتحدث عن زوال سحر العالم حيث لم يعد للدين أي دور بنيوي فيما يتعلق بالسياسة والاجتماع والاقتصاد . وعليه يجب أن تستبدل النخب السودانيين حالة الإدراك التي كرسها المؤرخيين السودانيين بفكر جديد يبحث عن تاريخ الذهنيات وتاريخ الخوف الذي يجعل النخب السودانية غير قادرة على إعمال القطيعة مع التراث وفتح باب عبره يمكننا أن ندخل على أفكار عقل الأنوار وحينها يختفي العابرين أمثال حميدتي كبدوي طائش لم يصل بعد لمستوى المجتمعات التقليدية وتختفي أحزاب وحل الفكر الديني مثل الحركة الاسلامية السودانية وأحزاب الطائفية وفي مقدمتها حزب الامة وحزب مولانا والسلفية التي تعكس الى أي مدى يمكن أن تتكلس العقول وتتجمد في فكر لا ينتصر للحياة بل يمثل أتباعه أعداء الاشراق والوضوح لأنهم ما زالت يتاجر بفكرة الخلاص الأخروي كآخر غيوم أفكار متبقية من أفكار القرون الوسطى. حال السودان الآن كحال أوروبا عشية انتهاء الحرب العالمية الأولى أي أن بيننا ومواكب الفكر التي يشعل روح المجتمعات المتقدمة أكثر من قرن حيث نجد بعد نهاية الحرب العالمية الاولى ظهور أفكار ماكث فيبر كعالم اجتماع يتحدث عن العقلانية والاخلاق وفي حديثة عن العقلانية فنجده قد استمدها من دراسته العميقة لتاريخ الفكر الاقتصادي وأدبيات النظريات الاقتصادية وعبرها قد تحدث عن فكرة الاقتصاد والمجتمع وعبرها قد قدم نقد للشيوعية في اعتمادها على فكرة البنى التحتية وإهمالها للبنى الثقافية وعليه نجده قد تجاوز أفكار دوركهايم وقد أصبحت أفكار ماكث فيبر الأساس الذي بنى عليه ريموند أرون فكره في نقده للماركسية وكيفية انتصاره للفكر الليبرالي فيما يتعلق بأن المجتمع صاحب القرار والاختيار وان ظواهر المجتمع قد سارت على إختيار الفكر الليبرالي الذي تفسره مسألة الظواهر الاجتماعية وليست فكرة الصراع الطبقي كما يتوهم الشيوعيين السودانيين. ونجد أن أفكار ريموند أرون وقد جاءت بأفكار توكفيل وقد انتصر بها على ماركسية ماركس فقد احتاجت اوروبا لما يقارب الثلاثة عقود حتى تتضح الرؤية لأفكار ماكس فيبر وأفكار مدرسة الحوليات وأفكار ريموند ارون وبالتالي قد ظهرت في دينامية الكينزية وقد ساقت أرووبا للخروج من دمار الحرب العالمية الثانية ولأسباب كثيرة قد جاءت بعد الكينزية أفكار النيوليبرالية وبالمناسبة ان فردريك هايك مصنف بأنه كان ماركس اليميني وقد فتحت أفكار النيوليبرالية على الازمة الاقتصادية الراهنة. العالم الآن يتجه الى مسألة الحماية الاقتصادية على مدى الثلاثة عقود القادمة وهي من صميم الفكر الليبرالي وعليه ننبه النخب السودانية بان العالم الآن يتخلق ليولد من جديد ولا يكون بغير انزال فكر ليبرالي يدرس الظواهر الاجتماعية ويعمل على انتاج تقارب طبقي وتضامن طبقي يفتح على المصالحة الطبقية بعيدا عن فكرة انتهاء الصراع الطبقي ونهاية التاريخ. بالمناسبة وجود حمدوك في الحكومة الانتقالية كانت سوف تكون بداية موفقة وخاصة بأن حمدوك كان أقتصادي وكان يسير في الطريق الصحيح بفكر ينزل فكر ليبرالي وما فكرة ثمرات إلا فكرة لزرع فكرة الضمان الاجتماعي وهي نفس فكرة المقطع الرأسي في معادلة فكرة التدخل الحكومي التي تحدث عنها كينز إلا أن حمدوك كان على صعيد الفكر السياسي أخرس لا يستطيع لعب دور الشخصية التاريخية مثلما لعب روزفلت دور مهم في العبور بامريكا فترة الكساد الاقتصادي العظيم. وعليه ننبه النخب من جديد من الاحسن للشعب السوداني أن يكون رئيس الوزراء اقتصادي يؤمن بالفكر الليبرالي لكي يستطيع ادخال الشعب السوداني الى حيز المجتمعات الحية ولكن يجب أن يختلف عن حمدوك فكان اقتصادي بلا لسان أي أخرس كما وصف اوليفيه روا الحضارة الاسلامية اليوم كحضارة تقليدية محرجة بفعل عقل الانوار بأنها قد أصبحت حضارة بلا لسان وعليه نقول بان حمدوك كان لطيف في جانبه الاقتصادي ولكنه كثيف في عدم مقدرته على التعبير السياسي فكان بدلا من أن يكون دليلا لنخب خالية الوفاض قبل بأن تكونوا حاضنة له وقد فشلته لأنه كان كاقتصادي ناجح جدا ولكنه كسياسي فاشل للغاية في وقت كانت مرحلة الحكومة الانتقالية تحتاج لمن يدرك بأن السياسة هي لطافة التعبير الاقتصادي والاقتصاد هو كثافة التعبير السياسي وهذا ما فات على حمدوك ولكنه يحسب له في الجانب الايجابي بأنه أول مثقف سوداني قد تجاوز أوهام اليسار السوداني الرث المنحبس في شعار لن يحكمنا البنك الدولي وهو الشعار الذي قد أدمنه كل من أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية وأتباع الحركة الاسلامية كذروة لوحل الفكر الديني وعليه ننبه النخب ونذكرها من جديد أن روح ثورة ديسمبر لا يحققها غير الفكر الليبرالي بشقيه السياسي والاقتصادي.