* حين أشِرتُ في مقال سابق إلى ياسر عرمان ب(من كان مناضلاً)، إنبرى المصابون ب(متلازمة استوكهولم) الذين يدافعون عن من أساء إليهم، وهم لا يعلمون إلا القليل القليل، ويتوهمون أنهم محيطون بالموضوع كامل الإحاطة .. * المناضل الحقيقي عندي هو الذي يتمسك بمبادئه ولا يتلَوَّن تحت أي طارئة من الطوارئ .. لكن متى تلوَّن وضعتُ نضاله في خبر كان، بعد التيقن من أن ذاك محل نضاله من الإعراب .. * ويتحدث البعض عن خلافات متَوَهمة بين رفيقي نضالٍ (كان)، عقار وعرمان، خلافات ربما تكون حقيقية وربما تكون غير ذلك .. لكن الذي أعرفه أن الاثنين اجتمعا في أبو ظبي بتاريخ 19 ابريل 2019، مع مسئولين إماراتيين ومع العقيد محمد دحلان ومت الفريق أمن : طه عثمان الحسين.. وكتبت حول ذلك الاجتماع مقالاً في حينها تحت عنوان (السواهي وراء الدواهي…).. ومقالاً آخر في 6 مارس 2020 تحت عنوان (الاستخبارات الإماراتية داخل تشكيل المجلس التشريعي ولجان المقاومة خارجه!) . ثم مقالاً ثالثاً بعنوان (الثورة في حالة خطر، غيبوبة شبه كاملة .. لكنها لن تموت!) بتاريخ 17 يوليو 2021.. وقلتُ في المقال الأخير ما يلي:- * الثورة مريضة جداً.. والطابور الخامس يتبجح بثوريته التي يعلم الشعب أنها (ثورية) ضاعت أمام عتبات مكاتب الاستخبارات الاماراتية .. والإمارات تريد السيطرة على السودان كله.. والطابور يريد الجلوس على كراسي السلطة في السودان الذي تريد الإمارات السيطرة عليه بمن فيه وما فيه .. * وقد نجحت الإمارات في مسعاها هوناً ما .. لكن الجبهة الثورية تتعثر، نوعاً ما، وهي في طريقها لنيل مبتغاها، لأن طموحها أكبر من حجمها بمراحل..! . * رشح في الأنباء، قبل يومين، أن اجتماعاً (برعاية إماراتية) تم بين الفريق أول البرهان ونائبه الفريق أول حميدتي، بحضور شخصية ثالثة (رفيعة)- للتداول حول تحديات الفترة الانتقالية- ونتج عن الاجتماع حل المشاكل التي كانت قائمة بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع .. كما تم الاتفاق على احتفاظ الحركات المسلحة بقواتها (خارج المنظومة الدفاعية للدولة).. ووالخ.. * يُذَكِّرنا اجتماع البرهان وحميدتي، تحت (رعاية) إماراتية، باجتماع آخر تم بين الإماراتيين ومالك عقار وياسر عرمان بتاريخ 19 أبريل 3019 في أبوظبي، تحت (رعاية) جهاز الامن والمخابرات الوطني الإماراتي .. وتم تسريب مداولاته، ووصلت إلينا أدق تفاصيل المداولات، دون أن نبحث عنها.. فكان وصولها مصداقاً لقول الشاعر طرفة بن العبد:- "ستُبْدي لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهلاً .. ويأتيكَ بالأنباءِ من لم تزوِّدِ ويأتيكَ بالأنباءِ من لم تَبعْ له بَتاتاً ولم تَضْربْ له ظهرَ مَوْعدِ!" * و قد كشفت مداولات ذلك الاجتماع أن الحركة الشعبية- جناح عقار- تَدَجَنت إماراتيا سلفاً .. ومنذ تدجينها توَّلت مهمة تدجين حركات وأحزاب (قوى نداء السودان)، إماراتياً كذلك .. فصارت كتلة نداء السودان كلها حصان طروادة إماراتي في قلب (قوى الحرية والتغيير).. وأحدثت الكتلة من تصدعات في جسد الثورة، ما أبطأ قوة دفع الثورة قُدماً نحو أهدافها المعلنة .. * ويفاخر ياسر عرمان بمتانة العلاقة بين قوى نداء السودان والمجلس العسكري ، أمام الإماراتيين في الإجتماع المذكور، قائلاً:- "لا توجد خلافات بين المجلس العسكري ونداء السودان!".. * كان عرمان مملوءاً ثقةً بأن كتلة نداء السودان تمالئ المجلس العسكري في كل تصرفاته، رغم كونها إحدى الكُتَل المكونة لقوى الحرية والتغيير (قحت)، بينما كان الصراع على أشده بين قحت والمجلس العسكري حينذاك!! . * لن أفسر هذا التناقض أكثر .. وعليك ألا تقصر، أيها القرئ الكريم، فقط عُد بذاكرتك إلى تلك الأيام الكالح سواد أفعال المجلس العسكري فيها ومحاولاته النشطة لإفراغ الثورة من أهدافها .. * وقد نجحت الإمارات في إصدار (تعليماتها) للمجلس العسكري ل(طبخ) الوثيقة الدستورية بالصورة الشائهة التي جعلت كلمة العسكر هي العليا .. وتلت تلك (الطبخة) (طبخات) أخرى حولت (مسار) الثورة السودانية للسلام إلى (مسارات) ملتوية في جوبا والخرطوم، مكتوبٌ في نهاياتها : الطريق مسدود! Deadend! Impasse! * و إليك بعض النقاط المنقولة من محضر اجتماع أبوظبي بين الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال – جناح عقار – والوساطة الإماراتية لعملية السلام المرسوم بعناية:- – مكتوب على ترويسة محضر الاجتماع:- (جهاز الامن والمخابرات الوطني ادارة المخابرات الخارجية) ومكتوب في المتن :- "محضر مداولات اجتماع قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال مع الوساطة الإماراتية لعملية السلام في السودان، المنعقد بمكتب وزير الدولة للشؤون الخارجية بدولة الإمارات العربية المتحدة بتاريخ 19/4/2019" – الحضور :- دكتور : انور محمد قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية لدولة الامارات العربية المتحدة فريق أمن : طه عثمان الحسين مبعوث صاحب السمو الملكي الامير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ومستشار المملكة العربية السعودية للشؤون الافريقية . الفريق : مالك عقار رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال الفريق : ياسر سعيد عرمان نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال العقيد : محمد يوسف شاكر دحلان مستشار الشؤون الامنية لصاحب السمو الشيخ آل نهيان ولي عهد ابوظبي محمد بن زايد آل نهيان * كان قرقاش يعلم ما يطمح إليه مالك عقار وعرمان، وعقار وعرمان يعتقدان أنهما يعلمان ما يريده قرقاش منهما، فصار الجانبان يتبادلان الوعود بتبادل المنافع .. * إستهل انور قرقاش المداولات بنقل سلام وتبريكات محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، وعميق تقديره لشخص عقار وعرمان للإنجازات التي حققتها حركتهما مع شركائهما في قوي اعلان الحرية والتغيير بقيادة الاحتجاجات واسقاط حكم البشير، ما يجعل الحركة الشعبية من الشركاء الأساسيين مع القوات المسلحة والامارات و المملكة السعودية ومصر في دعم قضايا الامن على الساحة الداخلية للسودان.. * وقال قرقاش أن الأمير محمد بن زايد (يطلب) منهما ان (تضع) الحركة الشعبية لتحرير السودان تصورا متكاملاً عن كيفية الخروج من الوضع المعقد في جنوب كردفان والنيل الازرق. وأن قضية المنطقتين مرتبطة بالتدخلات الخارجية لعدة اسباب، منها الصراع علي مياه النيل، مما ادي الي تدخل خبيث من بعض الدول التي تحاول ان يكون لها موطئ قدم في المنطقة … وأن الموارد الطبيعية التي تذخر بها جنوب كردفان والنيل الازرق كافية لسد احتياجات الوطن العربي والسودان … * وقال فرقاش إن الامارات والمملكة العربية ومصر علي استعداد لمساعدة قيادات الحركات المسلحة وتوفير الضمانات والأمن الشخصي لهم للجلوس مع المجلس العسكري واجراء المشاورات والحوار حول مشاركة الحركات المسلحة في السلطة ، ووضعية قواتها وكيفية دمجها وتسريحها .. * وقد ألمح قرقاش، منذ البداية، إلى أن دولة الإمارات والسعودية ومصر شركاء اساسيين في الثورة، مثلهم مثل الحركة الشعبية – جناح عقار … وتحدث حديث المريب الذي بكاد يقول خذوني بإشارته إلى:- "..ارتباط قضية المنطقتين بالتدخلات الخارجية ، اقليمية ودولية لعدة اسباب، منها الصراع علي مياه النيل ، مما ادي الي تدخل خبيث من بعض الدول التي تحاول ان يكون لها موطئ قدم هناك.. وكل دولة تحاول استخدام الجيش الشعبي لتحقيق مكاسب ومصالح سياسية واقتصادية، واصبحت الموارد الطبيعية أداة تستخدم لتبرير حالة الصراع السياسي .. * وما يثير الانتباه إسداء شكر قرقاش لمالك عقار وياسر عرمان لجعلهما لقاء الإماراتيين بحركات دارفور ممكناً! وهذا يعني أن علاقة الحركة الشعبية- جناح عقار بالإمارات سبقت علاقة قوى نداء السودان بها .. * كان قرقاش يتحدث تلميحاً حيناً وتصريحاً أحياناً عن رغبات الامارات والسعودية ومصر وأطماعهم في السودان (العربي الإسلامي) .. وفهم مالك عقار وياسر عرمان الكلام .. فتحدثا، عندما أتى دورهما، عن ارتباط السودان بالاسلام والعروبة، وعن القومي العربي وتأمين احتياجات الدول العربية الغذائية واحتياجات مصر المائية.. * وكل ذلك على حساب السودان الموبوء برزايا المتكالببن على السلطة من بنيه! . * وللمداولات بقية في المقال القادم، ولما تمخض عن الاجتماع من توصيات وقرارات مكان آخر، بإذن الواحد الأحد . [email protected]