مليونية 30 يونيو هي تأكيد كلمة الشعب وإرادته نحو التغيير ، خرج الملايين في كل مكان مطالبين بالحكم المدني وإبعاد العسكر عن المشهد السياسي. مواكب كرري خرجت من عدة نقاط، من الرومي تحرك موكب هادر واتجه شرقا الي شارع النص ثم الي المهداوي فشارع الوادي ليتجه جنوبا، مع زيادة وتدفق مستمر للحشود التي تلتحم بالموكب على طول المسار، وحينما وصلنا إلى كلية التربية جامعة الخرطوم هناك الموكب أصبح بلا حدود ،،حيث التحمت مقدمته بمواكب أمدرمان القديمة، وآخره شمالا على مد البصر . أمام بوابة كلية التربية جامعة الخرطوم وقف أساتذة جامعة الخرطوم يحيون الحشود الهادرة، فتوقف الكثيرون وهتفوا مع الأستاذة الذين رفعوا لافتة مبادرة أستاذة جامعة الخرطوم في مشهد يؤكد الدور الريادي للجامعة في الحركة الوطنية. عندما وصلنا الي قسم الشرطة الشمالي تراص المتظاهرين لعزل الموكب من الاحتكاك مع أفراد القسم الذين هم ايضا يقفون خارجه وعند مرور المواكب بالقسم تتعالي الهتافات بالحكم المدني .. يا عسكر مافي حصانة يا المشنقة يا الزنزانة. . بينما وقف جنود القسم في امكانهم وفي وجوههم تبدو الدهشة من تدفق الحشود الثائرة. وصلنا الي حوش الخريف وحينما توقفنا في انتظار موكب قادم من الغرب في شارع العرضة وكان قد بدأ يقترب رويدا رويدا مما زاد ذلك من حماس الثوار الذين تراصو علي الشارع وفوق صينية محلية أمدرمان وعندما وصلت مقدمة الموكب من أصحاب المواتر، تعالت الهتافات والزغاربد لتظهر لافتات تنسيقية إحياء امبدة والتي لم تنقطع في الانسياب نحو شارع الموردة حتى بعد تحركنا من تلك النقطة. أمام دار حزب الأمة القومي في شارع الموردة كان يتوقف الثوار لشرب المياه الباردة وآخرين دخلو الي داخل الدار لأداء صلاة الظهر فكانت الدار تستقبل الثوار بكل ترحاب، فكان العم الأنصاري (اليسع) يشرف على توزيع المياه للثوار وعندما تزايدت الإصابات تم فتح مستشفي ميداني داخل الدار حيث ساهم في معالجة عدد من الإصابات. أيوب أحد المغتربين أوقف سيارته أمام مستشفي الحوادث واختفي مننا وعندما تأخر ولم نشاهده لاحظت ان ابن خالته صديقي العزيز وزميل الجامعة بشير قد أصابه القلق من غياب أيوب وعندما وصلنا الي جوار المستشفى طلب مني الدخول دون أن يكشف قلقله بأنه يريد البحث عنه داخل الطوارئ لعله يكون ضمن المصابين اذ في تلك الحظة جاء أيوب وهو منهكا يبتسم وقميصة ملطخ بالدماء حيث عرفنا لاحقا انه كان ضمن المشتبكين، فوصل الي الكبري وحكي لنا عن محاولات عبور الكبري لكن كان القمع العنيف منعهم وتراجع هو الخلف ،؛وأكد أيوب سقوط عدد من الثوار أمامه وقام بسحب أحدهم من أمام الحاويات ليتم إنقاذه بالمواتر الي لتلقي الرعاية الطبية. في مستشفي حوادث أمدرمان وصل عدد من الجرجي وقد ابلي الأطباء والمتطوعين من الكوادر الطبية بلاءا حسنا في إسعاف وتقديم العلاج للمصابين بالرغم من شح الامكانيات و الحالة المتردية التي تعيشها المستشفي إلا أن عدد من المصابين تلقوا علي الرعاية الطبية ونقلوا الي عنابر الطوارئ. في مشرحة مستشفي أمدرمان كان المشهد قد غطى عليه السواد والحزن، أصوات النحيب والتهليل والتكبير تتصاعد ثم يعم الصمت المكان برهة، داخل المشرحة كان ترقد جثامين أربعة من الشهداء من بينهم الشهيد نوري الذي اول من خرج جثمانه من المشرحة وأيضا هناك كان يرقد جثمان الشهيد طالب الطب احمد المهدي وشهيد آخر في ذلك الوقت لم يتعرف عليه أحد فطلب مني عضو محامو الطوارئ الأستاذ الثائر والي الدين أبو تسه مشاهدة الجثمان ربما أتعرف عليه، فتحت وجهه المغطي بعلم السودان فلم أتعرف عليه وخرجت من صالة التشريح وقبل الخروج تملكني الشك في معرفته فرجعت مرة أخري وفتحت وجهه، فسالني أحد الشباب هل تعرفه؟ قلته له لا لكن عندما وصلت إلي المنزل سمعت هتافات في حوالي الساعة 11 مساء لا اله الا الشهيد حبيب الله، فاتصلت برئيس لجنة الخدمات والتغيير بالحارة فاروق معاوية مستفسرا عن الضوضاء والهتاف فابلغتي بأن أحد الشباب بالحارة 58 المجاورة قد استشهد للتأكد لي لاحقا أن الشهيد المجهول هو محمد على بخيت ، و هو ذلك الشاب الذي ربما صادفته مرات عدة في المحطة أو المخبز لكن لا تربطني به علاقة شخصية به لكن تربطن علاقة صداقة بخاله زرياب وصهره الرسام الكاركتيري مهد الهاشمي وهم ايضا من منطقة المرابيع ود اللبيح ،،نسأل الله تعالى لهم الرحمة والمغفرة والقبول الحسن وان يتقبلهم شهداء في جناته مع عباده الصالحين. مواكب 30 يونيو استفتاء حقيقي بدون تزوير وتدليس كما حدث في اعتصام الموز الممول بحشد مكري رخيص تم نقلهم من جميع انحاء البلاد، بينما في هذه المليونيات التي تعبر عن إرادة الشعب تخرج بدون أي تأثير وإنما هو خروج عفوي يعبر عن إرادة الشعب ، تخيل أن هناك من قطع المسافات مشيا من الحارة 36 بالثورة ومن سوق صابرين ودار السلام غرب أمدرمان ، ونساء وفتيات سرن مشيا علي الأقدام من محطة الرومي وشقلبان، مما يؤكد عزيمتهم وارادتهم وتطلعاتهم للتغيير والحكم المدني، بينما لم نشاهد أي حشود عفوية تؤيد قرار الانقلاب منذ أن نفذه الجنرال البرهان قبل سبعة اشهر . التحدي والرهان أمامك يا البرهان ورهطه من الحركات أعلنوا عن مليونية مبايعتكم واذا خرجت الملايين كما التي خرجت في 30 يونيو سنترك لكم هذه البلاد لتفعل بها ما تشاء، لكن غير ذلك تبقي الإرادة والقرار هو بيد الأغلبية الساحقة التي خرجت في مليونية 30 يونيو في تأكيد قاطع لإرادة الشعب التي لا تقهر . الرسالة الأخيرة لشرفاء الجيش، الفرصة أمامكم لتسجيل أسماءكم في لوحة شرف التاريخ والمسيرة الناصعة للقوات المسلحة السودانية التي لطخها النظام البائد وواصل في ذات النهج البرهان، عليكم اتخاذ القرار بالانحياز إلى خيار الشعب والضغط على البرهان للتنحي الفوري او عزله حتى لا تدخل البلاد في مزيد من المتاهات. اتخذوا القرار بدون تردد تأخير فحتما سيخرج لكم الشعب بالملايين مناصرا وداعما، أما بقاء البرهان في قيادة الجيش سيزيد من شق التباعد بين الشعب والجيش والشرطة. اتخذوا القرار اليوم قبل غدا حتي لا نتأخر كثيرا في بناء دولة السودان الدميقراطية الفتية بجيش موحد قوي وحكم مدني راسخ يحقق شعارات الثورة حرية سلام وعدالة.