* أحياء وكنابي غير قابلة للسكن والكوارث تحدق بالمنطقة * أيام وليالي بلا طعام والقصور ينذر بكارثة بيئية المناقل: محمد آدم بركة تسعة عشر يوماً من العناء المستمر، حالة مأساوية يعيشها أهالي القرى والكنابي والأحياء المتضررة في منطقة المناقل جراء السيول التي اجتاحت المنطقة، نساء وأطفال يلتحفون الأرض وتغطي السماء أجسادهم، الا من ثياب بالية تخفف عنهم لسعات جيوش البعوض المنتشر، وواقع الحال في (مخيمات الإيواء) يغني عن السؤال، جهود الدولة في مؤسساتها الرسمية لا يزال قاصراً على الشكليات التي تلفت الأنظار وتحرك الرأي العام، فقد كان أوضح ما فعلته حكومة ولاية الجزيرة إصدار قرار قضى بتصنيف (المناقل) منطقة كوارث، والواقع يمضي نحو كارثة بيئية تحدق بالمنطقة. عزلة مستمرة عزلة مريرة يفرضها واقع الحال، كلما زاد منسوب المياه، أو طغى ثقل وزن الآليات الثقيلة والشاحنات المحملة بالبضائع أو المؤن المقدمة للمتأثرين، أو ان عبورها لجسر التصريف التقليدي الذي أقيم بمواصفات غير مطابقة مما يؤدي إلى فصل الطريق الرابط بين محلية المناقل ومدينة ود مدني، في وقت تبذل فيه الجهود الشعبية والرسمية بقدر يسير للمعالجة، حيث ظل انقطاع الطريق في حالة استمرار يصل لأيام وساعات طويلة من فرض العزلة على المنطقة ويؤثر حتى على وصول القوافل للمناطق المتأثرة، حين وصولنا إلى مدخل (عبود) وجدنا انقطاع الطريق وما خلفه من تكدس للشاحنات والمركبات العامة، فلا يمكن المرور الا سيراً على الأقدام لمسافة تقدر بحوالي (300) متراً، بينما يستعصى حمل الأغراض ثقيلة الوزن، وأعمال الصيانة قائمة من خلال نقل الجوالات المعبأة بالتربة لردم فجوات كسر جسر التصريف الذي أنشئ على مواسير تصريف متدنية الخواص بوضعها على أرضية هشة دون صبها لتقليل تأثير الحمولة الثقيلة، فظلت عشرات الشاحنات وبعض القوافل تصطف على جوانب الطريق في انتظار العبور حين المعالجة التي لن تصمد طويلاً دون شك، بينما تترقب مئات الأسر قليل زاد من الخيرين لتسد به رمق جوع يلازمها لأيام، أو (خيام وناموسيات) تقي بها أنفسها من نوم العراء ولسع الباعوض الذي انتشر بكثافة خلال أيام الأزمة التي عاشها مواطنو منطقة المناقل. كارثة بيئية رغم انخاض منسوب المياه الذي طغى ارتفاعه في سابق الأيام بمعدل تجاوز ال(متر والنصف) الا أن تراكم المياه والطمي لا يزال باقياً على سطح أرض المنطقة بشكل مقزز مما أفرز توالد كثيف للبعوض والحشرات الناقلة للأمراض، حيث ينذر المشهد بوضع صحي كارثي إن لم تتسارع السلطات الصحية الرسمية والمنظمات في المجابهة ودرء الكارثة، حيث شكى مواطنون من نقص العناية الصحية وظهور حالات اسهالات قد تتضاعف، وحال السلطة المحلية والمركزية يغني عن السؤال ويكشف عن غياب إمكانياتها وقصورها المجحف منذ أن اجتاحت السيول المنطقة، تقول المواطنة (ر.م) في تصريح ل(الجريدة) ان الوضع الصحي والبيئي ليس بخير، مضيفة بقولها: لدي ستة أبناء ثلاثتهم يعانون من إسهال حاد منذ حوالي أربعة أيام، تهدم المنزل بالكامل جراء السيول التي اجتاحت المنطقة، طفلي الصغير هذا كما ترونه ليس نائماً، بل يعاني من الإسهال وكما ترون الذباب يلتف حول الغطاء، تمضي في الحديث بينما يغالبها النشيج فتنهمر الدموع وتكتفي بأن نوصل حالها وصوتها، فهو حال الكثير من الأسر داخل المدارس التي خصصت للإيواء مع النقص التام للمعينات والغذاء والأوبئة تحدق بهم. أيام بلا طعام نساء وأطفال يلتحفون الأرض وتغطي السماء أجسادهم الا من ثياب بالية تخفف عنهم لسعات جيوش البعوض المنتشر، تكشف سيدة تمضي سنها على أعتاب الأربعين حيث تقول: نعاني في الحصول على الغذاء، لنا يومين لم نجد الطعام، هناك معينات وصلت ولكن يتم توزيعها بإهمال ومحسوبية وفي أواخر الليل، يتم فتح المخزن والتوزيع للبعض وهناك معينات تؤخذ وترحل لخارج (المخيم) و لا نعرف أي جهة مسؤولة عن توزيع المعينات وليس أمامنا خيار دون الصبر وانتظار رحمة الله، يمضي في ذات الاتجاه أحد الشباب في مخيم مدرسة (المجلس الإفريقي) ضمن مخيمات حي المحافظ وسط المدينة، إذ تختلف حالة أسرة عن غيرها في المعاناة وتوافقت الاستطلاعات والإفادات التي أجريناها على وجود فساد في توزيع المعينات التي تصل للمراكز حيث يتم إدراجها في المخازن بينما الأسر تعاني من الجوع ولسع البعوض، رغم الذي شهدناه على أرض الواقع واستمعنا له من سكان مخيمات الإيواء في حي المحافظ (المجلس الأفريقي 1، المجلس الأفريقي 2، الفاروق، صفية) أفادت مسؤولة المعسكرات الأربعة (انتصار عبدالحي خير السيد) حيث تقول: تضم هذه المعسكرات (550) أسرة في هذه المدارس تشمل مربعات (70، 69، 71، 72) وغيرها، بدأت الإعاشة بالخيرين من أبناء المنطقة بالغذاء والدواء بتضافر جهود الغرفة التجارية والجهات الرسمية والتنفيذية وغيرها، ونفت انتصار وجود أي قصور، مؤكدة توفر الناموسيات والغذاء، وتابعت: إن وجد القصور فهو من جانب التوزيع والمدارس أصبحت مزحومة بالمتضررين وغير المتضررين، لدينا طبيب و صيدلية ومعمل لهذه المعسكرات، أغلب الأمراض المرصودة حتى الآن الالتهابات والاسهالات ولكن غير منتشرة. هذا المركز ينقصه كل شيء، هكذا ابتدر إبراهيم عثمان حديث عقب متابعته لحديث مسؤولة المعسكرات، ويضيف بقوله: لنا (16) يوم في بداياتها كان كل شيء متوفر، منذ خمسة أيام لا يوجد أكل ولا علاج ولا اهتمام، كل الذين دعموا أوضحوا بأن الدعم الذي قدم من قبلهم أودع بالمخازن ولا نعرف مصيرها. قصور واحتياجات شكاوى المواطنين في معسكرات الإيواء تتفق حول قصور المشرفين على مواد التموين، واتهامات بالفساد وخروج بعض المعينات من المخازن دون معرفة مصيرها، حيث اتفقت الآراء أن التوزيع يتم في ساعات متأخرة من الليل لبعض الأسر وشحن بعض المعينات على (ركشات) وإخراجها لأماكن غير معلومة، السماني إبراهيم وكيل إحدى المعسكرات بين في حديثه ل(الجريدة) يقول: نحن الوكلاء مهمتنا جلب المواد التموينية للمعسكرات من المخزن، ولدينا ثلاثة أيام لم نتناول الطعام (لا فطور لا غداء) واليوم كان الفطور عبارة عن (دقيق وزيت و ويكة وصلصة وعدس) هي المواد التي جاءت للفطور وليس هناك وجبة غداء، سمعنا بأن هناك خيم وزعت في الأحياء والآن ننام بلا ناموسيات وفرشات، لدينا في هذه المعسكرات حوالي (17) يوم كانت هناك وفرة في المعينات ولكن منذ ثلاثة أيام نشهد معاناة مستمرة خاصة الأطفال ولا أحد يدري بحالنا، فحوجتنا الآن لخيم وناموسيات وفرشات. من جهته بين المدير التنفيذي لمحلية المناقل حافظ عبدالله الجاك في تصريح صحفي ل(الجريدة) أن السيول التي اجتاحت المناقل بدأت منذ أكثر من عشرة أيام، وجاءت من المنطقة الشرقية للمحلية، جزء من منطقة جنوب الجزيرة وآخر من هضبة المناقل ومرتفعات جبال سنار بكميات لا يحتملها العقل، رغم أننا مع الجهات المختصة في الري فرغنا ميجر (الشوال) ليستوعب كميات المياه وفوجئنا بأن السيول تقدر بثلاثة أضعاف (الميجر) ولا تزال المياه مستمرة لأكثرمن (12) يوم، وكل المناطق الزراعية والكنابي والقرى الآن مغمورة بالمياه رغم محاولات تصريف المياه عبر النيل الأبيض في منطقة ربك وغيرها، وكشف الجاك أن المواقع المتضررة التي حصرت وفق البلاغات التي وردت تقدر ب (162) موقع تتمثل في قرى وكنابي وأحياء المدينة و الإنهياز يتمثل في (4519) وهنالك (6467) ضرر جزئي، أيضاً (3768) آيلة للسقوط، بينما غمرت المياه (60) الف فدان في امتداد مشروع الجزيرة مع ازدياد الإحصائية يومياً، مبيناً عن اختلاط مياه المصارف بالسيول ضاعف معاناة الناس. منطقة كوارث بين المدير التنفيذي أن المعينات التي وصلت إليهم غير كافية مقارنة بعدد القرى والأحياء المتضررة، كاشفاً عن عزلة المناقل وانقطاعها من الجهة الغربية والشرقية مما أثر على وصول القوافل الموجهة للمنطقة، الآن في وحدة (الجاموسة) نعمل في توصيل المؤن عبر الإسقاط بالطائرات، قبل ثلاثة أيام ذهبت طائرتين وأمس الأول كذلك طائرتين أوصلت مؤن غذائية لبعض المواطنين، وعبركم نناشد المجتمع المحلي والدولي لنجدة هذا الوضع الكارثي، الإيواء الذي يصل لا يكفي الاحتياجات، الآن نحتاج لأكثرمن 10 الف خيمة ومثلها ناموسيات حتى نستطيع تغطية الحوجة، لا نستطيع حصر الخيم التي وصلت ولكنها لمتغطي نسبة 20% من الاحتياج، ولا توجد حتى الآن بلاغات لوفيات بسبب هذه السيول، كما نفى وجود فعل إنساني قاد لهذه السيول بقوله: كمية المياه تشير لذلك وكنا أيضاً نفكر في هذا الجانب، هناك وفد مختص قام بجولة وأكدوا عدم وجود فعل إنساني قاد لذلك، ولكن إمكانيات الري في التحضير للقنوات والمصارف لم تحدث مما أثر سلبا في انسياب المياه، نحن في المحلية رفعنا أمرنا لأعلى السلطات وهي مجلس السيادة فجاء رئيس المجلس ووجه بتكوين لجنة من ثلاث ولايات لدراسة الحالة وإجراء اللازم حتى لا تتكرر، وقررنا بأن يتم استبدال المساكن الواقعة على مجرى المياه بأن يخصص للمواطنين سكناً بديلاً مع ضرورة التخلي عن السكن القديم هناك حوالي ستة مواقع لم يخرج السكان منها بغير أرواحهم ومناطقهم غير قابلة للسكن منها: ود حلاوي، ود أبهجب، دار السلام الرزيقات، إلى جانب بعض الكنابي.