واهم من يصدق حديث البرهان وحميدتي بتسليم السلطة طوعًا للمدنيين، فالسلطة الانقلابية متورطة في جرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية، سوق تظل متشبثة بها حتى اقتلاعها اقتلاعًا من تربة الوطن، فضلًا عن مصالح طبقية تشدها للتمسك بالسلطة حتى الموت، كما في شركات الجيش والأمن والشرطة والدعم السريع، وشركات الرأسمالية الطفيلية الإسلاموية والجديدة الصاعدة من حركات جوبا وغيرها الداعمة للانقلاب الدموي. أشرنا سابقًا إلى خطاب فولكر أمام مجلس الأمن الذي أعطى معلومة مضللة لمجلس الأمن عندما ذكر أن مشروع الإطار الدستوري الذي عُرض على الآلية الثلاثية ورد من نقابة المحامين، علمًا بأن اللجنة التسييرية لنقابة المحامين لا تمثل مجموع المحامين في إعدادها للإعلان الدستوري، والواقع أن مقترح الإعلان تم فرضه من الخارج في غياب جماهير شعبنا، لتمرير التسوية التي تعيد إنتاج الشراكة مع العسكر تحت اسم مجلس الأمن والدفاع، والاعتراف بالدعم السريع مع حديث في الإعلان الدستوري عن دمجه في الجيش، والإبقاء على اتفاق جوبا الذي تحول لمحاصصات، وفشل في وقف الحرب والعنف القبلي الذي اشتد بعد الاتفاق وبعد انقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي شاركت فيه حركات جوبا. كما جاء في الأخبار زيارة حميدتي للإمارات التي استغرقت (36 ساعة) بعدها عادت الإمارات إلى الآلية الرباعية، بهدف الإسراع في عملية التسوية. بعد ذلك تم اجتماع لحميدتي مع البرهان أقر بتولي المدنيين اختيار رئيس مجلس السيادة والوزراء منهم، والتزم بخروج المؤسسة العسكرية من العمل السياسي والانصراف تمامًا لمهامها المنصوص عليها في الدستور. 2 تزامن مع تلك الخطوات تهديد العقيد الحوري بساعة الصفر لانقلاب عسكري، وفك حسابات (152) لشركات وأفراد من النظام المدحور، وقبلها تم فك حسابات (150) منهم، فضلًا عن عودة نشاط منظمة الدعوة الإسلامية، وإحكام قبضة التمكين في الخدمة المدنية والقضائية والنيابة والعسكرية، كما هو جاري من الإعفاءات الجارية حاليًا في الجيش والخدمة المدنية، وكلها خطوات تصب في الهيمنة على جهاز الدولة ليسهل التزوير في الانتخابات المتوقعة في نهاية الفترة الانتقالية. من الجانب الآخر تتسارع الخطوات لنهب ثروات البلاد في ظل الحكومة الانقلابية غير الشرعية، كما في المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير المالية جبريل إبراهيم الذي أكد على الشراكة مع العسكر لمواصلة القمع والفساد ونهب ثروات البلاد، وأوضح فيه العرض الإماراتي لبناء ميناء على ساحل البحر الأحمر في منطقة أبوعمامة على بعد (230) كلم من ميناء بورتسودان، يضم المشروع: منطقة صناعية ومنطقة سياحية، ومشروع زراعي بمنطقة أبوحمد شمال السودان بمساحة (500 ألف) فدان، وتشييد طريق للربط بين الميناء والمشروع الزراعي. هذا إضافة للوفد الروسي للتنقيب عن الذهب في حلفا شمال برفقة مبارك أردول، وما تم التوصل إليه من اتفاق مع الروس حول التنقيب عن الذهب وغيره في زيارة وزير المعادن الأخير محمد بشير ابونمو مع أردول، كل تلك المشاريع مرفوضة من جماهير شعبنا في الشرق والشمال وغيرهما، في ظل السلطة الانقلابية غير الشرعية التي لا تملك الحق في إبرام اتفاقات كهذه في غياب المؤسسات الشرعية الدستورية، إضافة لزيادة النهم لنهب ثروات البلاد، مع اهتزاز الأرض تحت الانقلاب تحت ضربات المقاومة المستمرة. من جهة أخرى صرح الرئيس الإسرائيلي أنه متفائل بتقدم المفاوضات مع السودان للوصول إلى اتفاق تطبيع كامل، فرغم إعلان الفريق البرهان التوصل لتفاهمات مع إسرائيل في سبتمبر 2020، مقابل رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، فإنه لم يصل حتى الآن إلى اتفاق كامل مع إسرائيل. لتحقيق كل الأهداف أعلاه في تصفية الثورة بالتسوية التي تخلق استقرارا لنهب ثروات البلاد، وقيام الميناء الإماراتي، وهدف إبعاد أمريكاوحلفاؤها العسكر من التقارب مع روسيا والصين في الصراع الدولي المحتدم من أجل نهب ثروات السودان وأفريقيا، ومن أجل تعزيز الوجود العسكري على ساحل البحر الأحمر، واستكمال التطبيع مع الكيان العنصري الصهيوني الذي تقف خلفه الإمارات التي عادت مرة أخرى للرباعية، والإسراع في إنجاز الشراكة على أساس الإعلان الدستوري المقدم من الآلية الثلاثية عبر اللجنة التسييرية لنقابة المحامين الذي فصلته على مقاس التسوية التي تعيد إنتاج الوثيقة الدستورية "المعيبة" التي انقلب عليها العسكر. 3 أما حديث البرهان وحميدتي بتكوين حكومة مدنية ورئيس مجلس سيادة ورئيس وزراء مدني، في ظل الشراكة الجديدة المقترحة في الإعلان الدستوري، فهو يتعارض مع المصالح الطبقية التي ما قام انقلاب اللجنة الأمنية في 11 أبريل وامتداده في 25 أكتوبر 2021، إلا للدفاع عنها، كما رشح عن شروط الانسحاب مثل: أن تكون الاتصالات في يد وزارة الدفاع والخارجية في بنك السودان يد المكون العسكري، مما يعني تجريد الحكومة المدنية من قوتها الاقتصادية الفاعلة، ويجعلها تدور في حلقة مفرغة تحت ظل هيمنة العسكر باسم مجلس الأمن والدفاع. معروف أن مصالح شركات الجيش والجنجويد والرأسمالية الطفيلية الإسلاموية والجديدة، ترتبط بالمحاور الخارجية مثل محور (السعودية- الإمارات- مصر) بتصدير القوات السودانية لحرب اليمن التي تتعارض مع احترام استقلال وسيادة الدول الأخرى، وتصدير تلك الشركات المحاصيل النقدية لمصر والماشية، والذهب القذر الملوث بدماء ضحايا الإبادة الجماعية في مناطق التعدين واستخدام المواد الضار بالبيئة في استخراجه (السيانيد، الزئبق… الخ) إلى الإمارات (على سبيل المثال بلغ صادر الذهب للإمارات العام 2020 حوالي 16 مليار دولار)، كما تدعم الإمارات مليشيات الدعم السريع بالأسلحة لنهب ثروات البلاد وأراضيها لمصلحة استثماراتها مع الدول الخليجية الأخرى، والتي تصل عقودها إلى 99 عامًا، فضلا عن استنزاف المياه الجوفية، وعدم تعمير مناطق الاستثمارات، ونسب عائدها الضئيل للدولة، بالتالي عاد السودان لعهد الاحتلال التركي المصري عام 1821م بهدف الرجال (العبيد) والمال (الذهب) واستنزاف موارد البلاد الزراعية واراضيها وتصدير الأرباح لتلك الدول مع إفقار شعب السودان وحكمه بالحديد والقمع والنار والمزيد من الضرائب والجبايات، وإبادة السكان الأصليين كما يجري في دارفور حاليًا (أحداث جبل مون، منواشي، معسكر كرنديق، جنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق، وغرب كردفان الأخيرة… الخ) بهدف نهب أراضيهم أو حواكيرهم وثرواتهم الحيوانية والاستيلاء على مناطق التعدين كما حدث في جبل عامر، ويحدث حاليًا في جبل مون وغيره الغني بالذهب والمعادن الأخرى. 4 يتم نهب ثروات البلاد في ظروف تعاني منها البلاد من كوارث الفيضانات والسيول، وشبح المجاعة، وارتفاع الأسعار وشح الجازولين وارتفاع أسعاره وتدهور الإنتاج الزراعي والصناعي وخدمات المياه والكهرباء، وتدهور الخدمات الصحية والتعليمية والبيئة… الخ، فيتم تهريب ذهب السودان كما الأمثلة التالية: – في تهريب الذهب كشف وزير المعادن السابق موسى كرامة بأن المنتج من الذهب 250 طنًا سنويًا تُهرب منها 200 طنًا سنويًا (الشرق الأوسط: 11 يناير 2020م)، أي أكثر من 70% من إنتاج الذهب في السودان يتم تهريبه. هذا إضافة لما كشفه تحقيق قناة ال (سي.ان.ان) الأخير عن تهريب الذهب لروسيا الذي بلغ عائده 13 مليار دولار. كما كشفت صحيفة الغارديان البريطانية أن قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي تسيطر على مناجم عدة للذهب في دارفور ومناطق سودانية أخرى، مشيرة إلى دور إماراتي في استيراد هذا الذهب مما يزيد من نفوذ حميدتي وميليشياته (رويترز: 11/ 2/ 2020). وبحسب التحقيق الصحفي، فإن الإمارات هي أكبر مستورد للذهب السوداني في العالم، إذ استوردت 99.2% من الصادرات، وفقًا لبيانات التجارة العالمية لعام 2018. ولفتت الغارديان في هذا السياق إلى تعاقد الإمارات أيضًا مع قوات الدعم السريع للقتال في اليمن وليبيا، حيث قدمت الأموال إلى تلك القوات. ويجدر بالذكر أن رويترز نشرت في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني تقريرًا يكشف عن دور حميدتي وعائلته في السيطرة على الذهب، وقالت إن شركة الجنيد تتجاوز قواعد البنك المركزي لتصدير الذهب وتبيعه للبنك المركزي نفسه بسعر تفضيلي (المصدر غارديان). إضافة لاستمرار انتهاك السيادة الوطنية كما في توقيع الخرطوم والقاهرة بروتوكولًا للتعاون في الصناعات الدفاعية والأمنية (الراكوبة: 2 /12/ 2021) مما يعني كشف أسرار البلاد العسكرية واستباحة البلاد في ظل احتلال مصر لحلايب وشلاتين وابورماد. كما جاء في الأنباء أن البرهان منح الدعم السريع نسبة 30% من منظومة الصناعات الحربية، علمًا بأن الدعم السريع مرتبط كما أشرنا سابقًا بالإمارات والسعودية، مما يعني التفريط في السيادة الوطنية وأسرار الجيش السوداني. 5 تلك هي المصالح الطبقية لتلك الدول للحفاظ على الحكم العسكري في السودان لتأمينها، كما في التدخل لفرض "الوثيقة الدستورية المعيبة" التي كرّست هيمنة العسكر، وقننت الدعم السريع دستوريًا، والإفلات من العقاب بتجاهل مجزرة فض الاعتصام، وتسليم البشير للجنائية، وكانت أيضًا وراء انقلاب 25 أكتوبر، وتحاول تكرار ذلك بالإعلان الدستوري المقدم من اللجنة التسييرية لنقابة المحامين لإعادة إنتاج الشراكة الفاشلة والانقلاب العسكري من جديد، واستمرار هيمنة العسكر علي مفاصل الاقتصاد والأمن والدفاع والعلاقات الخارجية وبنك السودان والاتصالات، والإعلام، مع وجود شكلي لسلطة مدنية لا حول لها ولا قوة، وهذا ما ترفضه قوى الثورة، والتي تمضي قدمًا في المزيد من التنظيم وانتزاع النقابات والتحالفات القاعدية وتوحيد المواثيق، والمذكرات والعرائض، والمقاومة بمختلف الأشكال كما هو جارى الآن في الإضرابات والوقفات الاحتجاجية والاعتصامات والمواكب والمليونيات حتى الانتفاضة الشعبية الشاملة والإضراب السياسي العام والعصيان المدني لإسقاط الانقلاب وانتزاع الحكم المدني الديمقراطي، وحماية ثروات البلاد، والسيادة الوطنية وقيام علاقات خارجية متوازنة مع كل دول العالم بعيدً عن المحاور والأحلاف العسكرية وقيام القواعد العسكرية على أراضي البلاد، وحماية موانئ البلاد. الميدان