في مطلع الالفينات اتسعت رقعة القتال الأهلي في السودان بسب صراعات الاسلاميين وفسادهم لتشمل مناطق أخرى مثل (دارفور) لأول مرة والتي لم تكن جزءا من مسلسلاته لوقت قريب حيث أن هذه الحرب وقعت باكرا في الجنوب قبل انطلاق صافرة إعلان الاستقلال من داخل قبة البرلمان في 19 ديسمبر 1955م وأدت في نهاية المطاف لانفصاله في 9يوليو 2011م ولعل من دواعي الغبطة والسرور رفض جماهير شعبنا لهذه الحروب التي غالبا ما تستفيد منها النخبة الحاكمة وتستغلها زريعة لتكميم الأفواه وهضم الحقوق وإقصاء الآخرين وظهرت عبقرية الجماهير في رفضها لهذه الحروب في هتافاتها في ثورة ديسمبر المجيدة 2018م (يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور) فقد كانت هتافات صادقة موجهة ضد نظام البشير الذى تطلخت أيديهم بسفك دماء الأبرياء وتشوهت سمعته في جميع أنحاء العالم واضحي مطلوبا لدي المحكمة الجنائية الدولية بسبب هذا الصراع وما وقع في دارفور من عنف عرقي يرقى لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ارتكبتها المليشيات العربية الموالية للحكومة المعروفة باسم (الجنجويد) ضد السكان الأصليين فقد فيها الملايين ارواحهم ونزح أضعاف مثلهم تاركين ديارهم وحلالهم وفرقانهم وحواكيرهم هربا من الموت المحقق بحثا عن الأمان والاستقرار . بعد الثورة وفي هذه الحقبة الحرجة من تاريخنا الوطني والتي تجتهد فيها القوي الوطنية في العمل بمختلف مكوناتها علي الحفاظ علي وحدة البلاد وأمنها وسلامها بانتهاج توجهات سياسية وفكرية مغايرة لما كان سائد وإنتاج حلول ناجعة للأزمة السياسية الناتجة من اختلالات إدارة الدولة السودانية باعتماد المواطنة اساس للحقوق في هذا الوقت تصاعدت خطابات الكراهية والجنوح نحو العنصرية والاستنصار بالقبلية والجهوية وازدادت حدة ولغة العداء المفتعلة مدفوعة الثمن والتي يقودها عناصر النظام المباد للوسط والشمال النيلي بصورة مكثفة تحت مزاعم ممارسة التهميش علي بقية الأقاليم وتحميله فشل تجربة الحكم الوطني وحده لا غيره رغم ان كثيرين هم من حذروا من ظاهرة الهجوم العنصري علي الشمال علي رأسهم الدكتور أبوالقاسم حاج حمد ونبهوا لخطورة تناميها حتي قبل سقوط نظام البشير فإن العنصرية تولد عنصرية مضادة لها تكون نتائجها المؤكدة هي ذهاب البلاد نحو التقسيم أو الحروب المستمرة . ورغم اقرارنا بأن هنالك مظالم تاريخية لكثير من الأطراف التي عانت من أزمات مستفحلة متلاحقة ومستحكمة بسب الاستبداد الا ان الحديث عن التهميش تشوبه كثير من المغالطات فالسودانيين في كل أجزاء الوطن كانوا يعيشون حياة طبيعية طيبة فيها كثير من التسامح والمحبة والألفة في روابط اجتماعية قوية وأواصر اخوة متينة اما الافتخار والاعتزاز بالثقافات المحلية كانت سمة من سمات المجتمع الغالبة في كل أطرافه إذاً لا حقيقية ولا وجود للتهميش من منظور ثقافي او اجتماعي فمن اين أذاً أتت مزاعم التهميش؟ . عدم قدرة السلطات القائمة علي إحداث التنمية البشرية الشاملة والاقتصادية المتوازنة ووالعجز في توفير فرص التعليم المناسبة والعمل والمشاركة العادلة والفاعلة في الإدارة والحكم لكل مكونات المجتمع السوداني بالإضافة للأوضاع الاقتصادية الخانقة السيئة التي عاشتها البلاد لعقود من الزمان حرمت معظم أقاليمه من خلق بيئة تنموية زاهرة مما خلق حالة من الغبن والاحتقان في كثير من أجزاء الوطن وليس في الأطراف البعيدة إنما في قلب المركز والمدن الكبيرة . فساد السلطة المركزية القابضة وسوء إدارتها للبلاد وتبنيها لسياسات اقصائية واقتصادية خاضعة لشروط المؤسسات المالية الدولية التي تخدم فئات طبقية محدودة إضافة للحروب التي اتسعت رقعتها علي نحو ماذكرنا أهدرت موارد ضخمة تفوق مئات المليارات من الدولارات كان يمكن تسخيرها لإحداث النهضة التنموية الشاملة والتي كان بموجبها إزالة حالات الغبن والاحساس بالتهميش والذي شمل أجزاء الوطن كلها والذي تتحمل تبعاته النخب السياسية الوطنية (المدنية والعسكرية) التي حكمت وفشلت في تبني مشروع وطني نهضوي يحافظ علي الوحدة الوطنية والاستقلال . ورغم عدم الإيمان بوقوع التهميش من المنظور الثقافي والاجتماعي الا ان وقوعه من الجانب الاقتصادي عمق الشعور به لدي الكثيرين وزادت مرارته تلك الحروب العبثية التي فقد فيها الملايين ارواحهم لكن الغريب في الأمر انه بعد انتصار ثورة ديسمبر المجيدة في 11 ابريل 2019م برفضها لبيان الفريق عبدالرحمن بن عوف لأنه يقطع الطريق امام مشروع التغيير بدلا من أن ينخرط الجميع في إعادة بناء الوطن ومساندة قوي الثورة التي تحمل رؤى خلاقة للانعتاق والتحرر من متلازمة الشمولية والاستبداد التي أدت لهذا الفشل تعالت أصوات وانتظم حراك جهوي عنصري مفارق للحقيقة والواقع تبنته قيادات ما يعرف بالكفاح المسلح وصدرت دعوات موتورة تناصر العسكر وتدعوهم للاستمرار في الحكم بل الأغرب من ذلك تبنى هؤلاء لخط سياسي يهدف لوحدة قوي الهامش ويدعوها صراحة لاستغلال هشاشة الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد بالانقضاض علي السلطة والالتفاف حول قائد قوات الدعم السريع وتقديمه لحكم السودان..! بعدما كانوا يطالبون بحل قواته وتسليمه للعدالة تحت لافتة إنصاف قوي الهامش.! لأن قائد الدعم السريع ينتمي للهامش جغرافياً (حسب تعريفهم للهامش) وعلي حد زعمهم متناسين انه كان من أركان النظام الساقط وكان اليد الطولى التي بطشت بهم وانه عرقياً أقرب للشمال الذي يعادونه وان مصالحه مرتبطة بالنظام البائد وحلفائه (الذي بدأ يعود بفضل معاداتهم لقوي الثورة) الذى يفترض ان يحاكم علي الجرائم التي ارتكبت ضد أهلهم وفعلا التقوا بالرجل سرا وعلانية لانفاذ هذه التوجهات الغريبة علي فوهة البنادق والتي تضعهم في مأزق اخلاقي وتنفي عنهم صفة النضال . هكذا تحالف قادة الحركات المتمردة مع البرهان ونائبه ولولا بعض العقلاء هنا وهناك لادخلوا البلاد في حرب جهوية عنصرية نتنة مهما تكن نتائجها فالخاسر في نهاية المطاف هو من اوقد نارها واشعل أوارها هذا الأمر جعل البعض من ابناء الشمال النيلي يفكر في تناسى جرائم قادة النظام المباد من ابناء الإقليم ويقبلهم بل ويقدمهم الي مواقع القيادة مجددا تحت مزاعم الاستعداد لمواجهة الخطر القادم من العنصريين الجهَويين الذين غضوا الطرف عن جلادهم وقاتلهم ليثأروا من الشمال..! وهي مبررات واهية وفخاخ مقصودة لتعزيز مشاريع التقسيم ساهمت فيها حالة الاحتقان التي تفشت وعلي ما يبدوا وقع كثيرون في شراكها وها هم اليوم يعدون العدة لاستقبال مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني الأسبق (صندوق النظام الأسود) ولسان حالهم بقول مثلما قبل قادة الحركات المسلحة بجلادهم لدواعي جهوية فنحن نقبل بعودة ابنائنا استعداداً للمواجهة…! . وهنا جاءت تصريحات الفنان المشهور بود النصري انه سيغني في حفل استقبال الفريق صلاح قوش وان هذه العودة تأخرت كثيرا ود النصري لم ينافق لانه رأي كل من شاركوا في النظام السابق وكانوا جزءا من جرائمه في القتل والتعذيب والاغتصاب يشغلون مناصب قيادية في سلطة الانقلاب تحت حماية قبائلهم وجهوياتهم فلماذا يكون صلاح قوش استثناء؟..! قوي ثورة ديسمبر المجيدة التي تمثل السواد الأعظم من بني شعبنا وقواه الحية لا تقبل هذا الاصطفاف الجهوي ولا تقبل الخطابات العنصرية المتبادلة ولا تقبل الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم ضد الشعب في اي رقعة من اجزاء الوطن الحبيب ولا تقبل الإفلات من العقاب لكائن من كان ولا تساوم في ذلك ابدا ابدا . [email protected]