* في ذروة الفساد والضلال لحكومة الإرهابي عمر البشير؛ كان المتأسلمون الظلاميون في السودان يغمرون العاصمة وغيرها من المدن بالملصقات التي تدعو الشعب إلى عدم الاحتفال بأعياد الميلاد المجيد؛ وبالتالي عدم تهنئة الأعزاء المسيحيين بهذه المناسبة العظيمة.. وماتزال الفئة الضالة من بقايا الوهابية والإخوان المتأسلمين تمارس دور (الوكيل الإلهي) عبر الوسائط، بنفس الرعونة تجاه أتباع السيد المسيح عليه السلام (وهم أحبابنا).. كانت ملصقات الوكلاء ومكبرات أصواتهم المنكرة أكثر إسرافاً (بالتكفير) قبل ثورة ديسمبر على وجه التحديد! تصدمك في الطرقات إعلاناتهم الغليظة التي تحرِّم مشاركة المسيحيين احتفالاتهم؛ بحجة أن ذلك يُعد من قبيل التشبه بهم..!! والذي يتيسر له حد أدنى من الذكاء يعرف بالفطرة أن المشاركة الإنسانية أوسع من هذا الفهم البئيس المتصلِّب.. فالتهنئة للآخر إزاء ما يعتقده ويؤمن به (علامة حضارية مضيئة) أكبر من استيعاب المتزمتين المهووسين الذين تلتبس عقولهم بالتوقف في نقطة واحدة هي (التكفير) كيفما اتفق؛ والتنحي بعيداً عن جوهر الحياة العريضة بكل اختلافاتها؛ فهم يعيشونها بإطفاء الوجدان؛ والاشتغال عبر (المنطقة المعتمة) في الذات.. المنطقة التي يستعصى علاج أمراضها؛ لأنها بُنيت (بالجهل الوهم وادعاء الفضيلة).. فالفرق شاسع بين التشبُّه بمن يسمونهم (الكفار) وبين المشاركة الاحتفالية مع المسيحيين بأعيادهم السعيدة التي تفرحنا بلا ادعاء أو تكلف؛ بالتالي نحتفي بأيامها (هذا واجبنا).. لكن بعض المفترين لا يقربون من فهم المعاني ولا فهم الدنيا برمتها فهماً صحيحاً؛ إذ تحجبهم حالة الوكالة الدينية على العباد عن الحق؛ في واحدة من صور البلادة المكتسبة..! * بالظن (الأجوف) أن الحكومات المسلمة التي تهنئ غير المسلمين بأعيادهم يعتبرها بعض المتأسلمين حكومات كافرة أو تتشبه بالكفار على الأقل..! وهكذا يندحر معنى المواطنة بكل جلاله وعدله؛ لتحل محله التوجهات الضارة والتمزيقية للأمم..! لقد أصبحت الظاهرة التكفيرية (أفصح) مع تصاعد التيارات الملتصقة بهتاناً بالإسلام؛ وهي تيارات لا نغفل دعم السلطات المتأسلمة لها بالرعاية وتهيئة المناخ لوجودها.. أعني السلطات التي يعتبرها بعض قطعان هذه التيارات (كافرة)! وقد كان جهاز الأمن (الكيزاني) في السودان داعماً لهذه القطعان؛ فهو منها.. وليس بمستبعد أن يلجأ لها سفاح السودان الحالي برهان؛ باعتباره ربيباً للمتأسلمين. * إن بعض من يفتون بحرمة تهنئة المسلم (للمسيحي) في أعياده؛ لهم اجتهادهم غير الملزم باتباعه.. فهو اجتهاد بشري قوامه عاطفة متشددة لا أصل لها في المتن الديني.. مثل هذه الاجتهادات المعمولة بلا تدبُّر ترسخ للكراهية؛ بل تؤسس لأخطار وأفكار مميتة لسنا في حاجة لها زماناً؛ مكاناً وأمامنا (كبائر) يدفع الناس أثمانها؛ منها الإرهاب الذي (تقدِل) أفياله وتتغذى بكراهية الآخر نتيجة للآراء التكفيرية. * الدين الإسلامي لا حاجة له بالمتشددين؛ فالقرآن ثابت كالطود؛ لا يضيره من يكفر أو (يتبُّوذ)؛ أما المتغير فهو العالم الذي أصبحت تحكمه علاقات المصالح؛ لذلك لابد من سيادة التراحم والتوادد والمشاركة بين أهل الأديان في كافة ما يهم وجودهم معاً..! والتكفيرون يسيرون على عكس منهاج العقل وسُبل الرحمة؛ يجنحون للاعتقاد بأن قسر معتقداتهم (بالتخويف التهريف) واستفزاز الآخر فيه مكسب لدينهم..! هذا ليس من الكياسة في شيء؛ بل هو الضلال المبين.. فسماحة الإسلام في لينه كما تعلّمنا.. لم نسمع بأحد غيّر دينه بين ليلة وضحاها لأن احتفالات الكريسماس أبهرته أو التراتيل جذبته..! وإذا حدث ذلك؛ فما يخصك في شأن الآخر وهو ليس أنت؛ كما أنت لست هو؟! هل ستُبعَث يوم القيامة للحساب بمعية المؤمن بعقيدته أو حتى المؤمن بعقيدتك؟ * الملاحظة الأولى حول المطبوعات التكفيرية التي ظلوا ينشرونها على الملأ: أنها عدائية؛ متطفلة؛ مؤذية بالهوس والأوهام؛ كأنها تحتج على الآخرين الذين اختاروا (دينهم) وهم أحرار.. فكتابة كلمة (الكفار) وإبرازها من خلال سياقاتهم الفظة يوضح مدى التنفير للآخر؛ والغلظة والتعدي على حقوق البشر في الاعتناق (وقل الحق من ربكم؛ فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)... صدق الله العظيم * ناشرو الملصقات والكُتيِبات المؤذية للمسلم والمسيحي؛ كأنهم يوحون للمتأمل بأنهم كما قلنا وكلاء للرب؛ ويضيرهم كفر غيرهم؛ بينما أصحاب المعتقدات غير المسلمين على امتداد السودان لا ينشرون ما يعكر احتفالات المسلمين أو يستفز جموعهم..! * ما الذي ينقص إسلامك أو يضرك في اليوم الموعود لو كفر العالم قاطبة وبقيت وحدك المختلف؟؟! لم يكتفِ المتشددون بتلطيخ المنابر؛ فزادوا عنها بتلطيخ الشوارع والأرصفة بالكتب والملصقات، رغم معرفة الناس وتقبلهم لشؤون دينهم بلا إسراف وعظي طارِد.. ذوو الألباب لا يحتاجون إلى تبيان (الطريق) على حساب مشاعر أهل المعتقدات المغايرة.. فلتتجه الأصوات الغليظة متلمّسة ما يعانيه المواطن بحق من جهة الحاكمين الظلمة المستبيحين للدماء..! لكن كيف السبيل إلى الحق بالنسبة لواعظ يسكت عن مكامن الكبائر؛ وتكمن حيلته فقط في قشور الكلام الثقيل الذي لا ينتج الفضائل؛ بل يزرع البغضاء ويزعزع السلام الاجتماعي؛ ويطفيء نور العقل. * المروجون لمقاطعة احتفالات الكريسماس أو أعياد الميلاد على سبيل المثال لا الحصر يقعون في التناقضات لأنهم يجهلون معنى (التشبه بالكفار)! لو كانوا يدركون للبؤس الذي يغرقهم لتخلوا عن ما يستعملونه في حياتهم وما يحيط بهم من الأشياء (غير الإسلامية)..! أي الأشياء الأقرب للتشبه (حسب نهجهم الافترائي)! وهي أشياء منظورة ومحصورة مادياً؛ ولا نستثني منها ما يتعلق بعيش المتشددين في بلدان من يسمونهم (الكفار) والتمتع بمنتجاتهم ومبتكراتهم ودعم خزائنهم.. لكن قلوب التكفيريين لا ترى..! لقد صار الكون متشابهاً في كثير من الأنشطة والماديات التي تجمع ولا تفرق.. فمن يخشى التشبه على نفسه يمكنه الانعزال إلى حياة التقشف والزهد بمفارقة كل ما هو دنيوي وثير نضير؛ أو كما كان يفعل بعض السلف..! لكن أئمة السلاطين لن يفعلوا ذلك؛ يستعصى عليهم مفارقة حياة الدعة والنفاق. * إن الفلاح في ترك ما لا يعنيك (والحديث الشريف شاهد بصيغته الواضحة)؛ أما الجَهالة فهي (العُشب) المثالي لأفيال الإرهاب، وإن الأساليب (الفجة) التي يتبعها الغلاة ضد المختلفين عن دينهم؛ لا تزيد عن كونها ضرباً من الإرهاب الفكري الغبي بحجة حماية الدين!! والله سبحانه وتعالى سيتمم نوره بدون الفوضى التي يمارسونها باسمه وهم لا يشعرون..! أعوذ بالله. ———– الحراك السياسي.