* جميع النواحي في العاصمة السودانية لم تسلم من (ملصقات) تدعو الشعب إلى عدم الإحتفال بالكريسماس ومشاركة (الكفار!!) هذه المناسبة؛ حتى لا نتشبه بهم..! والذي برأسه حد أدنى من (الطايوق) يعرف بالفطرة أن المشاركة الإنسانية أوسع من هذا الفهم الحرج (بعدم مشاركة الكفار عيدهم!!).. فالتهنئة للآخر إزاء ما يعتقد ويؤمن (علامة حضارية) أكبر من تزمُّت المهووسين الذين يلتبس فهمهم بالتوقف في نقطة واحدة هي (التكفير) والتنحي بعيداً عن جوهر الحياة؛ فهم يعيشونها بإطفاء العقل؛ والإشتغال عبر المنطقة المعتمة في الذات.. المنطقة التي يستعصى علاج أمراضها؛ لأنها بُنيت (ظلامياً!).. فالفرق شاسع بين (التشبُّه بالكفار والمشاركة الاحتفالية مع المسيحيين) لكن بعض المفترين لا يقربون من فهم المعاني ولا فهم الدنيا برمتها فهماً صحيحاً..! * بالظن (الأجوف) أن الحكومات المسلمة التي تهنئ غير المسلمين بأعيادهم يعتبرها غلاظ المسلمين حكومات كافرة أو تتشبه بالكفار؛ على الأقل..! وهكذا يندحر معنى المواطنة بكل مكتسباته؛ لتحل محله الأفكار التمزيقية للأمم..! لقد أصبحت الظاهرة التكفيرية (أمتن) مع تصاعد التيارات الملتصقة بهتاناً بالإسلام؛ وهي تيارات لا نغفل دعم ذات (الحكومات الكافرة!) لها بالرعاية وتهيئة المناخ لوجودها..! * بعض الذين أفتوا بحرمة تهنئة المسلم (للمسيحي) في أعياده؛ لهم اجتهادهم غير الملزم باتباعه.. لكن مثل هذه الاجتهادات ترسخ للكراهية وتؤسس لصغائر لسنا في حاجة لها زماناً.. مكاناً وأمامنا كبائر؛ منها الإرهاب الذي (تقدل) أفياله وتتغذى بالفتاوى التكفيرية.. إن الذين يروجون للكراهية والتمييز هم (خراطيم) قابلة للتمدد وابتلاع الحياة بما فيها من قيم..! * الدين الإسلامي لا حاجة له بالمتشددين؛ فالقرآن ثابت كالطود؛ لا يضيره من يكفر أو (يتبُّوذ)؛ أما المتغير فهو العالم الذي أصبحت تحكمه علاقات المصالح (من بينها التوادد والمشاركة بين أهل الأديان)..! تفكير البعض بأن القسر واستفزاز الآخر يُكسب الدين؛ فذلك ليس من الكياسة في شيء؛ بل هو الضلال المبين؛ وسماحة الإسلام في لينه كما تعلّمنا.. لم نسمع بأحد غيّر دينه لأن احتفالات الكريسماس (بهرته!!) كما أن الذي (يهتدي!) لا راد له إلاّ صاحب الأمر..! * الملاحظة الأولى حول الملصقات التي تنشر على مرأى من السلطات (كل عام) أنها عدائية ومتطفلة ومؤذية؛ كأنها تحتج على الآخرين الذين اختاروا (دينهم) وهم أحرار.. فكتابة كلمة (الكفار) وإبرازها من خلال السياق يوضح مدى الغلظة والتعدى على حقوق البشر في الإعتناق (وقل الحق من ربكم؛ فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر… صدق الله العظيم). * حينما نشير إلى السلطات في شأن (ملصقات) لا حكمة فيها ولا رجاء؛ إنما نشير إليها عرضاً أو (مجازاً).. كيف نعوِّل على سلطة هي الأقرب إلى (الملصقين) لتحاربهم؟!.. والناس أعلم بالبئر وغطاها في شأن الحاضنين ل(خراطيم الخرطوم)..! * ناشرو الملصقات المؤذية كأنهم يوحون للمتأمل بأنهم (وكلاء لله) ويضيرهم كفر غيرهم؛ بينما أصحاب المعتقدات الأخرى على امتداد السودان لا ينشرون ما يعكر احتفالات المسلمين أو يستفز جموعهم..! * ما الذي يشوب الفرد لو كفر العالم قاطبة؛ وبقى وحده مسلماً؟! ألا يكفي المتشددين تلطيخ المنابر؛ بدلاً عن تلطيخ الشوارع؟ فالناس يعرفون شؤون دينهم بلا إسراف وعظي.. لا يحتاجون إلى تبيان الطريق على حساب مشاعر الغير (مهما كان عددهم!).. فلتتجه الأصوات الغليظة متلمّسة ما يعانيه المواطن بحق..! كيف السبيل إلى الحق بالنسبة لواعظ يسكت عن مكامن الهلكة؛ وتكمن حيلته فقط في القشور وزعزعة السلام الإجتماعي؟! * الشيء الجوهري؛ أن المروجون لمقاطعة احتفالات الكريسماس يقعون في التناقضات لأنهم يجهلون معنى (التشبه بالكفار!!) ولو كانوا يدرون بؤسهم لتخلوا عن ما يستعملونه وما يحيط بهم من الأشياء (غير الإسلامية!).. أي (الأشياء المتشبهة!) وهي منظورة ومحصورة.. لكن القلوب لا ترى..! لقد صار الكون متشابهاً في كثير.. فمن يخشى (التشبه) عليه بالإنعزال والعودة إلى حياة التقشف والزهد بمفارقة كل ما هو وثير نضير (لن يفعل أئمة السلطان وعلمائه ذلك!).. أما الأساليب (الفجة) التي يمارسها الغلاة ضد المختلفين عن دينهم؛ لا تزيد عن كونها ضرب من الإرهاب الفكري باسم الدين.. والله سبحانه وتعالى سيتمم نوره بدونهم..! إن البلاد في الأصل قاتمة.. صارت عنواناً للظواهر الشاذة بلا استثناء؛ ولن تضيق على هواة (التلصيق) العشوائي..! أعوذ بالله