يقول توماس كارليل : جميل أن يموت الإنسان من أجل وطنه ، ولكن الأجمل أن يحى من أجل هذا الوطن . يقول : اديبنا الكبير الطيب صالح الأوطان هي التي تبقى وأن الهدف يجب أن يكون بقاء الوطن وليس بقاء أي حكم أو نظام ! . آه ، أي وطن رائع يمكن أن يكون هذا الوطن ، لو صدق العزم وطابت النفوس وقل الكلام وزاد العمل. نحن ابناء الشعب السوداني اينما نكون تجاذبنا محبتنا للوطن ويظل الحنين الجارف الى ربوعه الحانية الغالية يسوق مشاعرنا ويدفع الافئدة نحو تلك الارض الحبيبة ، وقد يعبر بعضنا بما يجيش في خاطره من حب صراحة ويبقي البعض الاخر تلك المشاعر متواربة خلف مواقف ايجابية تنادي : "ماهنت ياسوداننا يوما علينا" واذا اردت أن ترى ذلك الشوق الجارف جاور الغربة زمنا ما والاغتراب والمغتربين وحياة الابتعاد عن ذلك الوطن الغالي، حينها سترى وتتنفس تلك المشاعر الدفاقة الجياشة وهي تتحدث بلسان الحال والمقال . ريتشموند الجميلة بمن سكن فيها من اهلنا "الطيبين" في اخلاقهم ، الكرماء في وفادتهم واستقبالهم وترحابهم ،فكما تأخذك الاقدار ساقتني الايام وانا في ديار العم سام من كنتاكي الى نيويورك ثم الي رتشموند واذا بي اكتشف صدفة أن هناك اصالة سودانية تسكن في حنايا تلك المدينة الرائعة في ولاية فرجينيا ، وصلتني دعوة كريمة وكانت شرف لن انساه من الاخوة باللجنة التنفيذية للجالية السودانية برتشموند لحضور احتفال الجالية بعيد الاستقلال المجيد. في مدرسة ابناء الجالية السودانية في مدينة ريتشموند كان موعدنا مع حفل اسري بهيج ، يحمل في جوهره كل معاني الالفة والمحبة بين السودانين بدون أن تمييز بين صغيرهم وكبيرهم فقيرهم وغنيهم كان الهدف نبيلا وكان الحفل بحق جميلا وأصيلا سودانيا خالصا يحمل في طياته محبتنا لبعضنا وتمسكنا بعزة الوطن وحريته وثوابته .. التحية للجالية السودانية الفاعلة المتفاعلة بمدينة ريتشموند نحن قد نختلف احيانا ولكننا نتفق جميعا في حبنا لبلادنا ، وهذا ما رسخته تلك الجالية في هذا الاحتفال بما تضمنه من اناشيد واغاني وكلمات ومعاني تدور كلها حول حب الوطن "ماهنت ياسوداننا يوما علينا" وكان التفاعل والانفعال ولسان الحال يقول انما اردناك عزيزا كريما معافا ولو أخذتنا ظروف الحياة بعيدا فقد اغتربت الاجساد ايها الوطن الحبيب لكن حتما ستظل الارواح تهيم به وتطوف حول معاني عشقه وحبه. ولا أحسب ان هناك حياة بدون أمل ولاوطن بدون حياة ، فان كانت سفينة الاجتهاد هي وسيلة بلوغ أهداف النجاح فما احوج الوطن اليوم للابناء البررة والقيادات الحقيقية النظيفة المجتهدة المثابرة والبعيدة عن الاهواء الفردية والنزعات الذاتية الفاسدة . ولعمري القيادة الواعدة الجادة هي المطلوبة اليوم في الوطن ومع الوطن وللوطن حتى نعبر الى الضفة الاخرى ونصل به الى بر الامان باذن الله… فان كانت اليوم تعاني بلادنا من الجراحات والأحزان فدوام الحال من المحال وستعود العافية لجسد الوطن باذن الله… فما عايشته ولمسته في الجالية السودانية في رتشموند من عطاء وتماسك ومحبة وعزيمة واجتهاد انما يحكي حقيقة عن نموذج سوداني أصيل يمكن أن يتجسد يوما ما تحت سماء الوطن وفوق ترابه الى واقع بإذن الله .