(1) اعلان جدة لضمان حماية المدنيين الذي تم توقيعه من قبل الطرفين المتحاربين ، يعتبر بصفة عامة خطوة اولى في طريق ايقاف الحرب ، في حال التزام الطرفين به ، او في حال تم الزامهما به جبرا بالعصا الامريكية الغليظة . حيث انه قد تضمن نقاط ايجابية كثيرة منها الزام الطرفين بإحترام القانون الانساني الدولي ، واستبعد تأثير الاتفاق على التزامات الطرفين السياسية والقانونية والامنية ، مما يجعل مسئوليتهما القانونية والسياسية قائمة عن الحرب وتداعياتها وفقا لاتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها ، كما نص على حماية وافية للمدنيين ، واسبغ حماية على المنشآت المدنية والمرافق العامة ، ومنع الطرفين من التعرض لها ، واسس بصفة عامة لمساعدة المدنيين والتمييز بينهم وبين المقاتلين ، مع تشديده حول الالتزام بوقف اطلاق نار قصير المدى لتنفيذ ماورد فيه وارفاق ملحق بمسارات العون الإنساني وتطوير وقف اطلاق النار. (2) ولكن لم يخل الاعلان من مساوئ يمكن اجمالها فيما يلي: أ. شرعن الاعلان المليشيا على مستوى دولي ، ووضعها على قدم المساواة مع القوات المسلحة كما وضعتها الوثيقة الدستورية المعيبة. وهذا يؤكد ما ذكرناه سابقًا من أن وصف الجنرالات الانقلابيين لما تم بالتمرد لن يقبله المجتمع الدولي ، لان التمرد يكون على نظام دستوري ، وقبول حدوثه يعني الاعتراف بإنقلاب اكتوبر 2021م الذي رفض المجتمع الدولي الاعتراف به. والاعتراف بالمليشيا على مستوى دولي ، يعزز موقفها في اي طاولة مفاوضات مستقبلية. ب. لم يتضمن الاعلان الحديث عن الانتهاكات للقانون الدولي الانساني التي حدثت بالفعل ، كما انه اعطى المنظمات حصانة من الممكن ان تستغل من قبل الطرفين في ظل عدم وجود رقابة فعلية ، علما بانها ستجلب العون بلا تفتيش ورقابة ، وتخرج من تريد وما تريد في هذه الحالة. ج. الاعلان نص على انه ستعقد جلسات مفاوضات بشان الموضوعات السياسية ، وهذا هو الاسوا ، لانه اعتراف بحق الطرفين المتحاربين في مواصلة التدخل في الشأن السياسي ، وفرض نفسيهما على المواطن السوداني الرافض لتواجدهما في ساحة العمل السياسي جملة وتفصيلا. وهذا يعتبر مواصلة لمشروع الولاياتالمتحدة الاميركية الذي يصر على انفاذ الهبوط الناعم بفرض التسويات وشراكات الدم . والناظر لتصريحات الادارة الاميركية ، يجد أنها تسير في هذا الاتجاه وتمهد لإشراك القوى المدنية في هذه المفاوضات لاحقًا. (3) المشاركة في مفاوضات جدة من قبل قوى التغيير الجذري ستكون خطأ كارثيا ، لان هذه المفاوضات اصلا ضمن مشروع الهبوط الناعم الامريكي وهي امريكية بالأساس . اشراك المدنيين فيها الغرض منه فقط اعطاء شرعية للمشروع الامريكي القائم على شراكات الدم . وهو لم يتغير ولن يتغير من ناحية استراتيجية ، فقط ستتغير تكتيكاته ومفاوضات جدة احد هذه التكتيكات . ستخرج هذه المفاوضات في النهاية بمواصلة العملية السياسية من حيث انتهت بالحرب ، مع وضع التعديلات اللازمة لاستيعاب مافرضته الحرب. والدلالات واضحة ، منها وضع القوات المسلحة والجنجويد في مستوى واحد وندية واضحة في اتفاق برعاية دولية اسس لهذا الاعتراف ، والاتجاه الواضح لاشراك المدنيين مع طرفي النزاع في التسوية السياسية القادمة ، والتي لن تخرج عن ادعاء خروج الطرفين من دائرة العمل السياسي ، استنادا لنصوص تعكس استهبالا سياسيا واضحًا مثل نصوص الاتفاق الاطاري ومشروع الدستور المنسوب للجنة تسيير نقابة المحامين . المطلوب عمله هو دعم إيقاف الحرب واي اتفاق يقود الى ايقافها ، مع الاحتفاظ بحق نقده ، وعدم الانزلاق للمشاركة في اي مفاوضات يكون طرفي الحرب طرفًا فيها . في تاكيد واضح لموقف الشعب السوداني من تدخل الطرفين في السياسة ، باعتبار ان ابعادهما عن السياسة يجب ان يتم بمنعهما الآن من المشاركة في التقرير في مستقبل السودان السياسي . والواجب هو الرجوع للجماهير لتنظيمها لتاكيد هذا الرفض الذي يعتبر امتدادا للاءات الثلاثة التي مازالت صحيحة ، وهو راي واصل للاطراف الدولية التي كانت موجودة اصلا في الآلية الثلاثية والرباعية ، وهي ليست عنصرا جديدا باية حال. اذا كانت الولاياتالمتحدة الاميركية جادة في دعم التحول الديموقراطي ، عليها ان تقصر جهدها في الضغط على الطرفين لوقف الحرب والموافقة على الخروج من المشهد السياسي . بعدها لتدعو الي مفاوضات بين القوى المدنية للاتفاق على مستقبل السودان السياسي ، وحينها تكون مشاركة قوى التغيير الجذري مقبولة. ومن المهم التنبه الى عدم الانزلاق للمشاركة في اي مفاوضات سياسية يكون طرفي الحرب جزءا منها تحت دعاوى ان هذا سيثبت وجهة نظر الشعب في مفاوضات دولية ، لانها لن تثبت داخل المفاوضات. فالولاياتالمتحدةالامريكية تعلمها جيدا منذ مفاوضات الاطاري ، وهي مصرة علي تجاهلها والمضي قدما في تنفيذ مشروع الهبوط الناعم . ستكون مشاركة قوى التغيير الجذري في هذه المفاوضات ، مثل مشاركة قوى التجمع الوطني في برلمان نيفاشا . تلوث بدون مردود ، واعتراف بحق الطرفين المتحاربين في المشاركة في تقرير مستقبل البلاد السياسي ، وهذا خطأً استراتيجي أسوأ من خطأ تأييد إتفاق نيفاشا واعتباره وثيقة تحول ديمقراطي. يقيننا ان شعبنا واع ، ولن يقبل بمشاركات في مفاوضات تعطي الطرفين المتحاربين قبلة الحياة بعد انتحارهما سياسيًا. وقوموا الى ثورتكم يرحمكم الله!!! .