"مُخطئ من ظنّ يومًا أن للثعلب دينا"، والأكثر خطئاً وخطيئة منه من ظنّ يومًا أنّ للبرهان قيمة، أو حتى رأي ووجهة نظر شخصيّة مستقلة. وما من مثال ساطع على بؤس الرجل كما كذبه وحربائبته، مثل دعوته المواطنين إلى حمل السلاح وخوض الحرب بجانب الجيش؛ وهي دعوة ماكرة وخبيثة وباطلة، أطلقها للتغطية على كتائب الإسلاميين (المجاهدين)، الموجودون أصلًا في مقرات الجيش، يحاربون معه كتفًا بكتف منذ 15 ابريل، بل أن الجيش هو الذي يحارب معهم كتفًا بكتف، فهذه الحرب وكما تبَّين حتى للرعاة في البوادي القصيِّة، هي حرب الاسلاميين (الكيزان)، فهم من اتخذوا قرار الحرب في 15 ابريل الماضي، وهم من يديرون الجيش، وهم من يقررون لماذا ومتى وأين وكيف وضد من يخوض الجيش معاركه وحروبه، ومن ضمن ذلك دعوة أمس لتجنيد المواطنين، فهي ليست كما يعتقد البعض من بنات أفكار البرهان، وإنما قرار (كيزاني) بامتياز. لا يتجاوز دور البرهان في هذه الحرب؛ وظيفة (قارئ) خطاباتهم؛ يتلوها بخشوع وخنوع واستسلام. والحقيقة الجليِّة؛ التي تتحدث عنها بفخر مجالس الاسلاميين الآن، أن من أعد خطاب البرهان هي الحركة الإسلامية، بعد ان حزمت حركتهم أمرها عقب الهزيمة الداوية المتمثلة في سيطرة قوات الدعم السريع على رئاسة قوات الاحتياطي المركزي، المعقل الرئيس للحركة الاسلامية داخل جهاز الشرطة، مثلما سلاح المدرعات هو معقلهم داخل الجيش؛ حيث ظلت منذ 30 عاماً؛ وما تزال تفرض سيطرتها عليه، لذا كل قادته كانوا – وحتى الآن- من عناصرها داخل القوات المسلحة. بعد سقوط الاحتياطي المركزي على يد قوات الدعم السريع، تيقنت الحركة أنّ معركة الدعم السريع التالية ستكون في (المدرعات)؛ حيث لا يُمكن أن يخوض الدعم السريع معركة بهذه الأهمية ويترك عدوه كامناً وراء ظهره في رئاسة الاحتياطي، فكان لا بد من تنظيف الطريق بالكامل، وقد حدث، حيث استبسل الأشاوس وقضوا على العدو الكامن في الخلف قضاءً مبرماً وسيطروا على مقراته وغنموا كامل عتاده الحربي الضخم، ومهدوا بذلك الطريق للذهاب إلى الامام وخوض معركة "سلاح المدرعات" معقل الإسلاميين ورئاسة كتائبهم ومليشياتهم. هنا دب الهلع والفزع وسط الاسلاميين، فجاء خطابهم الذي تلاه البرهان استباقًا لاحتمال ما بعد سقوط المدرعات، فالهزيمة هنا تعني كشف حجم وجودهم وحقيقة مشاركتهم وإدارتهم لهذه الحرب من داخل مقرات الجيش، والتي حاولوا اخفاءها والتشويش عليها بأساليب عديدة، فاستبقوا انكشاف هذه الحقيقة على الملأ بالإيعاز لتابعهم ومأمورهم (البرهان) بدعوة المواطنين للانضمام إلى الجيش، فاذا سيطرت قوات الدعم السريع على سلاح المدرعات، وتم أسر مقاتلي كتائب ومليشيات الحركة الإسلامية وأعضائها الموجودون هناك، والذين ظلوا يقاتلون بزي الجيش منذ انطلاق الحرب، ادّعوا أن هؤلاء مجرد مواطنين متطوعين استجابوا لدعوة قائد الجيش ولا علاقة للحركة الاسلامية بهم، فتنطلي المسرحية السمجة؛ سيئة الإخراج؛ على البسطاء وعوام الناس، لكنها قطعًا لن تنطلي على الجميع. وللمزيد من الحبكة جاء ظهور اللواء نصر الدين عبد الفتاح قائد سلاح المدرعات – وهو بالمناسبة أحد الضباط الذين أدّوا بقسم الولاء للحركة الاسلامية- وجاء ظهوره في مقطع فيديو؛ عقب خطاب البرهان مباشرة، وهو يستقبل بعض الأفراد – بصفة متطوعين- داخل سلاح المدرعات، تحت عنوان (قائد سلاح المدرعات يستقبل جموع المواطنين المتطوعين)، فيما الحقيقة التي أكدها أكثر من مصدر، وأقسم عليها من أقسم، أن من ظهروا بالفيديو هم قلة من المتقاعدين الاسلاميين، مع بعض أعضاء كتيبة (البراء بن مالك)، أهم مليشيات الإسلاميين المسلحة، وهؤلاء يوجدون بالأصل داخل سلاح المدرعات، وجلهم ممن خاضوا معركة (اليرموك) ضد قوات الدعم السريع، وهزموا فيها، ومن بقى منهم على قيد الحياة فر إلى سلاح المدرعات واستقر هناك. لا برهان أوضح من هذا بان هذا الجيش لا هو جيش (البرهان) ولا هو جيش السودان، بل هو جيش الكيزان !