يختلف من التقوا وتعاملوا مع الفريق (البرهان) قائد الجيش في أشياء كثيرة حول شخصيته، ولكنهم يتفقوا اتفاقًا صميمًا في صفة واحدة يتميز بها الرجل، وهي الكذب. ومن البديهي أنه يعلم عن نفسه هذه الصفة، ولكنه يتخذها ميزة ايجابية لا سبة وعاراً، فهو يعرف جيدًا ان الكذب شرط رئيسي لبقائه كقائد عام، بعد أن تحول الجيش منذ أكثر من ثلاثة عقود إلى (أُكذوبة كبرى)، يعيش على الكذب عقيدةً وعدةً وعتادًا، ويمتهن الحيل والخداع والأوهام، والتي لخصها (البرهان) في لحظة انسجام فريدة مع أعماقه عندما قال عن هذه الحرب التي أشعلها جيشه: "هذه الحرب عبثية"! والحرب لم تكن عبثية لحظة انطلاقها، والتي سبقتها مؤامرات واجتماعات (الكيزان) في مباني الاستخبارات العسكرية، والتنسيق مع (العدو الخارجي) الطامع وضد ارادة الشعب وحريته. هذا إضافة للافطارات الرمضانية، والتحشيد المستمر للحرب، على منابر المساجد الضرار. وبالطبع لن تكون الحرب عبثية بعد الآن، بعد ان تناثرت الجماجم في الشوارع، وأصبحت جُثث الشباب، وليمة للكلاب الضالة. وبعد أن هُدمت صوامع وجوامع وبيوت، كانت تذكُر اسم الله والحرية والوطن كثيراً. بل ان هذه الحرب تطورت وكشفت عن خلاصة أصبحت واضحة لكل أهل السودان، وهي أن نجاة بلدهم واستقلالها واستقرارها وازدهارها، لن يتحقق قبل الخلاص من (الكيزان)، وتنظيف القوات الأمنية والعسكرية منهم، وشنق آخر ضابط خائن، بأمعاء آخر كوز مُسلح. وفي آخر ظهور للفريق – الكذاب – أمس الأول، الموافق للسابع عشر من يوليو، وهو يرتدي (تي شيرت) عسكري، ويحمل (بندقية قنص) على كتفه، ومسدس على خاصرته، ويتمنطق ب(قنبلة قرنيت)! في مشهد عبثي ساخر، وكأنه (ديجانقو) الذي بخيال السينما، قادماً من معركة حربية، وليس لحضور اجتماع عسكري ديكوري هزلي تم الاعداد له بهدف أن يُقال انه موجود، ولم يتم القبض عليه، فيا للبؤس. إذ تدنت أحلام قائد الجيش من الظهور كحاكم عسكري لا شريك له، إلى مُجرد الظهور كعسكري طليق بلا قيود على يديه وأرجله !! وجاء هذا الظهور البائس بعد أن أطلقت أجهزة استخبارات جيشه وغُرف فلول الكيزان المناصرة له، شائعة تفيد بإلقاء القبض عليه من قبل (قوات الدعم السريع). وبعد تأكدهم من انتشار الشائعة، أذنوا له بالخروج للتصوير، فكان الظهور الذي أضحك الثكالي! ولأنه جُبل على الكذب، دخل لمُحدثيه في الفيديو المنشور قائلاً:(ناس الشجرة بسلموا عليكم)، في إيحاء بأنه حُر الحركة، ويستطيع أن يتحرك من نقطة حصاره داخل القيادة العامة، وحتى سلاح المدرعات بمنطقة الشجرة العسكرية، والتي تبعد حوالي السبعة كيلومترات. مع ان القاصي والداني صار يعلم بان أكثر من (1500) ضابط وجندي، قُتلوا في معارك الجُمعة الماضية، في سبيل أن يفتحوا له منفذاً يُمارس فيه حياته الطبيعة الأولية، وأولها ان يقضي حاجته مثله مثل أي بشر، دون الحوجة لأن يقف في الصباح الباكر بطابور (التواليت) الوحيد، في سردابه العميق ! وأما حديثه (الركيك) عن (الغنماية) و(النمله)، وقوله في إشارة لقوات الدعم السريع (ديل نملة ما يقبضوها)، و(ديل غنماية ما يقبضوها)، فهو حديث يُنكر الحقيقة – المبذُولة للعامة – وهي أن مئات من القيادات الرفيعة في الجيش من رتبة اللواء والفريق – بما فيهم المفتش العام للجيش – واقعين بالفعل تحت أسر قوات الدعم السريع، بالإضافة لآلاف الضُباط والجنود من الرتب المتوسطة والصغيرة! وهذا أضافة إلى انه يعكس افتقاده للحساسية في حدودها البدائية، فهو يفسر أيضًا بأنه – أي البرهان- كذاب قديم وديكتاتور مستجد، يتمحور كل شيء بالنسبة له حول نفسه، أي أنه يعتبر نفسه الجيش، والجيش هو. أما ما سواه فلا تعدو أن تكون (أدوات حرب)، وحيوات (غير مهمة) بحسب ما يوحي حديثه. دمر بلاده كاملة، وهتك نسيجها الاجتماعي، وقتل مئات الشباب من أجل أن يصل هو و(إخوانه) إلى الحُكم. وساهم في مقتل آلاف الضباط والجنود من أجل ان يظل طليقاً، باق في حياة السودانيين بالإكراه، وباغياً عليهم! ولكن انتهى الدرس، والكذاب الغبي لم يتعلم ويتطور. بل تدهور، وتحول إلى (نملة)، تدوسها الأقدام .. قريبًا.