في يوم الاحد 30/ يوليو تجيء الذكري ال(18)عام علي مصرع الزعيم الدكتور/ جون قرنق دي مبيور الذي لقي مصرعه في حادث غامض مبهم مازالت كثير من أسرارها وخفاياها لم يتم الكشف عنها وبقيت في طيء السرية والكتمان من قبل كثيرين في السلطة السابقة يهمهم بالدرجة الأولى ان تظل كل ما هو من شأنه الكشف عن مصرعه بعيدة عن العيون ونبش الأوراق القديمة. لست هنا بصدد اعادة وتكرار قصة مصرعه التي مازالت غامضة وكثير من خفاياها لم يتم الكشف عنها بعد رغم مرور ثمانية عشر عام علي وقوعها بسبب التعتيم المتعمد الذي مارسه حزب المؤتمر الوطني المنحل لكي لا تخرج الحقائق للعلن، وانما احياء لذكراه وتذكير القراء البطل الفذ جون قرنق مبيور. كان البشير وكل من معه في حزب المؤتمر يكنون كراهية شديدة لقرنق، الذي عاد للخرطوم في يوم 9/ يوليو 2005 بعد غياب عنها طوال (22) عام قضاها في الأحراش والادغال، قاتل فيها بقوات الحركة الشعبية لتحرير السودان جيش البلاد بضراوة شديدة منذ عام 1983 حتي عام 2005 كبد فيها الجيش خسائر كبيرة في الارواح والمعدات. اما سبب معاداة قرنق لنظام الجبهة الاسلامية التي حكمت البلاد بقبضة من حديد، ترجع الي انه في عام 1983 عندما كان ضابط بالقوات المسلحة كلف بإخماد تمرد قامت به كتيبة من الجنوبيين قوامها نحو (500) جندي، لكن المتمردين أقنعوه بعدالة قضيتهم ونصبوه زعيما لهم. شكل بعدها قرنق نواة ما سمي "الجيش الشعبي لتحرير السودان"، الجناح العسكري للحركة الشعبية لتحرير السودان، ومما زاد من اقتناع قرنق بقضته بعد إعلان حكومة جعفر النميري إعادة تقسيم ولايات الجنوب الأمر الذي اعتبرته الحركة تنصلا عن اتفاقية السلام الموقعة في أديس أبابا، وزاد الطين بلة إعلان الحكومة قوانين إسلامية فرضت على جميع نواحي البلاد. ولكن هناك رواية أخرى افادت، أن جون قرنق عندما كان ضابطا برتبة عقيد، كلف بإخماد تمرد قامت به كتيبة من الجنوبيين قوامها نحو (500) جندي، وبالفعل وصل الي الجنوب وهاله حجم الدمار الذي تسببت فيه القوات المسلحة، ولحقت الأضرار كثير من القرى الجنوبية، والحرائق التي طالت عشرات الآلاف من الاكواخ والمزارع ومن بينها القرية التي عاش فيها في منطقة مدينة بور بولاية أعالي النيل.. عندها خلع قرنق الزي العسكري التابع للقوات المسلحة وارتدي زي عسكري اخر ظل عليه طوال سنوات نضاله. عندما وصل قرنق الي مطار الخرطوم في يوم 9/ يوليو 2005، كان في استقباله حشودا وكتلا بشرية قدرت بنحو مليون ونصف المليون شخص جاؤوا لاستقباله فرحا بالسلام، واحتشد المواطنون منذ الصباح الباكر حول مطار الخرطوم الذى منعوا من دخول الساحة الخضراء التى عجزت عن استقبال كل العدد الهائل للمواطنين الذين خرجوا لاستقبال قرنق. وردد المواطنون هتافات مرحبة بالسودان الجديد شملت (مرحب مرحب بالسودان الجديد) (لا تهميش بعد اليوم). وحاول قرنق مخاطبة الجماهير بعد تزاحم مثير حول المنصة التى خصصت لذلك، ما أدى إلى سقوط أعداد كبيرة من الصبية والنساء نتيجة للتدافع الذى لم يمكن غالب الأجهزة الإعلامية وبعضا من الوزراء والدبلوماسيين من الوصول إلى ساحة الحفل. قال قرنق في كلامه للمستقبلين، انه وسط إخوته وأخواته وأنه لم يعد إلى السودان بل عاد إلى الخرطوم من داخل السودان وردد هتافات تقول (لا جنوب بلا شمال ولا شمال بلا جنوب)، وقال "هذا الكلام صحيح لأننى الآن أقف مع الرئيس البشير أمامكم للتحية". وعد قرنق بأن يشمل السلام جميع أنحاء السودان، وقال "جئت لنعمل سويا، نضع أيدينا فوق أيدى بعض لنبنى السودان و تنقله نقلة حقيقية لوضع جديد يكون نموذجا للتاريخ الحديث في المنطقة الأفريقية وفي العالم". الاستقبال الباهر الكبير الذي لقيه قرنق بمطار الخرطوم و بالساحة الخضراء من قبل اكثر من مليون مواطن لم يعجب البشير واعضاء حزب المؤتمر، وايقنوا تماما ان قرنق سيكون شوكة في حلق النظام، خصوصا انه عاد للخرطوم بصفته جنرال منتصر عليهم ولم يخسر الحرب، وانه هو من اجبرهم علي توقيع اتفاقية السلام عام 2005، عندها بدأ القلق يزداد كل يوم عند أهل السلطة في الخرطوم، بعد ان تسلم قرنق مكانه في قصر الشعب واصبح يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية، قرر السفر الي أوغندا في زيارة رسمية، وبقي كمبالا حتي يوم 30/ يوليو قرر بعدها العودة للخرطوم، الا ان الرئيس الاوغندي موسفيني استقبل قرنق في مزرعته الخاصة في كمبالا قبل ساعات من وقوع الحادث، وعرض عليه السفر بالطائرة الرئاسية الاوغندية، الطائرة كانت أوغندية، ومجهزة بشكل جيد، وفي نفس اليوم اصطدمت الطائرة جبال الاماتونج. على الرغم من مرورأعوام طويلة على مقتل قرنق، وإعلان لجنة التحقيق، التي كونت من عناصر محلية وإقليمية ودولية النتائج، إلا أن الغموض لا يزال يحيط بالحادثة، خصوصاً أن اللجنة لم تجب بشفافية كاملة عن السؤال الرئيسي: "هل اغتيل قرنق؟"، وإنما جاءت بنتائج ارتجالية. كما أن تشكيك بعض أعضائها بنتائجها، جعل تصديقها محالاً، إذ أكدت على أن الحادث وقع نتيجة خطأ فني يتعلق بقبطان الطائرة، الذي لم يكن على دراية كافية بطبيعة المنطقة. وبعد ثلاثة أشهر من تشكيلها استقال أحد أعضائها، وهو وزير الداخلية الجنوبي وقتها "اليو أجانق"، وأدلى بتصريحات ناقدة للجنة، متهماً إياها بإهمال التفاصيل، وتجاهلها التحقيق مع أحد الضباط الأوغنديين الكبار، الذي رُصد إبان الحادثة وهو يسأل بإلحاح عن سير مروحية قرنق، قبل أن يتهم جيش بلاده، صراحة، بالتورط في اغتيال قرنق، ويشير إلى معرفة وزير الدفاع وقتها، رئيس الوزراء الحالي، إماما بابازي، بتفاصيل مقتل الزعيم الجنوبي، ويؤكد في مقولته المشهورة: "إن الرجل قتله الأقوياء ومن كان يعتقد أنهم أصدقاءه"، في إشارة للرئيس الأوغندي، يوري موسفيني. وعقب تلك التصريحات تم عزل أليو من منصبه في حكومة الوحدة حينها، وفصل من عضوية "الحركة الشعبية"، الأمر الذي يدل على وجود اتفاق دولي إقليمي ومحلي، وآخر داخل "الشعبية" نفسها، على طي ملف الحادثة، لإخماد أي فتنة قد تنشأ، وتعطل تطبيق اتفاقية السلام الشامل، التي استغرق الوصول إليها أكثر من عشر سنوات، إلى جانب تطبيق أهم استحقاقاتها المتمثل بتقرير مصير الجنوب بين الانفصال والوحدة. وكانت زوجة الراحل، ريبيكا قرنق، قد أعلنت، بعيد اغتيال زوجها، أنه قُتل، وأنها كانت تعلم بذلك منذ إعلامها بخبر وفاته، ولكنها التزمت الصمت بطلب من القيادة السياسية في "الحركة"، متهمة أطرافا داخل الجنوب، و"الحركة" نفسها، بالضلوع في مقتله. واتهم رئيس "الحركة الشعبية" المعارضة، رياك مشار، أوغندا بالتورط في اغتيال زعيم الحركة الراحل، جون قرنق، في العام 2005، معتبراً أن ما اسماه ب"الغزو الأوغندي" على الدولة الوليدة، جنوب السودان، يؤكد تورطها بالاغتيال. مات قرنق مقتولا وهو اغتيال متعمد مع سبق الإصرار ولا جدال حوله ، من طالع حال البشير البائس في مستشفي السلاح، وحال الآخرين الذين كانوا في الماضي أصحاب قوة وجبروت، وكيف اختفوا ولاذوا بالفرار كالارانب من سجن كوبر، يدرك ان الله سبحانه وتعالي الذي "يمهل ولا يهمل ولا ينسي" قد انتقم شر انتقام من قتلة الراحل/ قرنق. مرفقات: 1- اخر صورة لجون قرنق. 2- خطاب جون قرنق عن الهوية السودانية. 3- Dr. John Garang arrival in Khartoum 4- الشكر لبعض المواقع و"YouTube" التي اقتبست منها بعض المعلومات. [email protected]