كتبت قصيدة مجاراة لقصيدة نزار قباني، أكتب للصغار، تحدثت فيها عما قامت به مليشيا الجنجويد من انتهاكات وفظائع يندى لها الجبين، في سابقة كارثية، تمت فيها كمية هائلة من الممارسات اللا أخلاقية والجرائم، ومورس الإذلال في أبشع صوره حيث تم إخراج الناس من بيوتهم تحت التهديد بالسلاح، استبيحت منازل المواطنين عنوة بواسطة هذه المليشيا الباغية الآثمة، وهم ليسوا أكثر من رباطة، قطاع طرق، أوباش، تم جلبهم من الدول الأفريقية ومن المجرمين والمتفلتين الهاربين من السجون، هؤلاء السفلة احتلوا البيوت وشردوا أهلها، وفعلوا من الأفاعيل الشنيعة ما فعلوا من اغتصاب للحرائر، الضرب والإذلال حتى للشيوخ والنساء، السرقة والنهب لشقاء السنين لمواطني ولاية الخرطوم، الذين فقدوا الأرواح والممتلكات، وأصبحوا في لحظة صفر اليدين، وليس لدي شك أن أي إنسان سوي ذي فطرة سليمة، لن يتقبل وجود هؤلاء الأوغاد في حياة السودانيين تحت أي مسمى، ومهما كانت الخسارات ومهما كان الثمن، يجب إبادة هذه المليشيا من الوجود، وأي مقترح للجلوس والتفاوض مع من قاموا بكل هذه الانتهاكات، لن يكون مقبولا بالنسبة للشعب السوداني، الذي أصبح ثأره شخصيا مع هذه المليشيا، التي تتشدق بجلب الحكم المدني والديمقراطية، بالقتل واحتلال البيوت والسرقة والاغتصاب، فهي لا تحارب الجيش السوداني وإلا لحاربته في ميادين القتال، ولكنها تحارب المواطن المسكين المغلوب على أمره، احتلالا لبيته، وحرمانه من ممتلكاته، وضياع شقاء عمره، لا أريد أن أطيل ولكن وجود الدعم السريع في حياة السودانيين مرفوض تماما جملة وتفصيلا، حتى ولو مات كل السودانيين من أجل تحقيق ذلك، رجوعا إلى مقدمة المقال، فكما قلت فقد كتبت قصيدة مجاراة لقصيدة نزار قباني تحدثت فيها عن الويلات التي تعرضنا لها، والظلم والقهر من هذه الشرزمة البائسة، أتاني أحد الأصدقاء ممن كنت أحسبهم من العقلاء، أصحاب الفكر والمنطق السليم، ليهاجمني هجوما عسيرا أن ما حدث في الخرطوم ظل يحدث لسنوات طويلة في دارفور ولم يحرك أحدا ساكنا، وأن أهل الخرطوم ليسو بأعز من أهل دارفور، وأنه ربما الانتقام الإلهي قد نزل علينا نحن أهل الخرطوم، لأننا لم ندافع عن دارفور، ونصب نفسه حاكما وجلادا، وقال أن الجيش والجنجويد كلها مليشيات مارست الفواحش والموبقات في دارفور، تجاهل هذا الصديق عمدا أو سهوا أنني حاولت التعبير عن وجعي وتصوير الظلم والقهر والاستبداد الذي تعرضنا له، أنني خرجت من بيتي لا ألوي على شئ وسرق منزلي ونهب شقاء عمري وفقدتكل ما أملك من متاع هذه الدنيا، فقدت وظيفتي ومصدر دخلي، هذا من جهة، من جهة أخرى من قال أننا لم نقف مع أهلنا في دارفور؟ ومن قال أننا لم نتوجع معهم وهم يتوجعون ونألم وهم يتألمون؟ ألسنا نحن من هتفنا في وجه المخلوع: (يا العنصري المغرور، كل البلد دارفور)، ألسنا نحن من أدنا السلوك البربري للجنجويد الدارفوريين على ما فعلوه في دارفور؟ هل نقل ما حدث في دارفور للخرطوم يحتم علينا أن نتقبله ونصمت ولا ندافع عن أنفسنا وعروضنا وممتلكاتنا، ويجب علينا أن نشرب من نفس الكأس في صمت أم ماذا؟ المشكل الحقيقي أننا كشعب وحتى المثقفين منا يأخذهم الانفعال غير المنطقي وينصاعون انصياعا أعمى خلف الانتماءات الحزبية بدون تبصر وبصيرة سبحان الله، هذه الحرب بالرغم من ويلاتها ومراراتها، إلا أنها سلطت الضوء وأزاحت اللثام عن كم من النقائص والإشكاليات فينا كأمة، فالجميع يستبد برأيه ولا يتراجع حتى ولو اقتنع بخطأ وجهة نظره، ولا أدري كيف استطاع هؤلاء الموالون إلى قحت الإصرار على هذا الموقف المخزي في مساندة هذه المليشيا في هذه الحرب والوقوف معها وعدم إدانة هذه الفظائع والانتهاكات الجسيمة، والسعي الدؤوب لشيطنة المؤسسة العسكرية كافة، ومساواتها مع مليشيا غالبيتها من المجرمين والفارين من السجون من دول الجوار الأفريقي، جميعنا نعرف أن حكومة المؤتمر اللا وطني قد عملت طيلة ثلاثين عاما على تسييس الجيش وأدلجته، وتدميره بسياسة التمكين، ولكن هل الحل من وجهة نظر موالي قحت أن تحل هذه المليشيا مكان الجيش أم ماذا؟ فأي عاقل لا بد أن يدرك أنه لا حل لهذه المعضلة التي تعذبنا غير وجود جيش وطني يقوم بدوره في حماية البلد وأهله، وحتى ولو وافقنا جدلا أن الجيش جميعه حاليا من الفلول والكيزان، فليس لدينا خيار الآن سوى الوقوف معه، لأنه هو من يحارب الآن هؤلاء الذين أخرجونا من ديارنا، سلبونا كل ما نملك، وآذونا لم لم يؤذ شعب في حياته، يجب أن ننصر الجيش على علاته حتى ينزاح عن حياتنا نهائيا هذا الكابوس، ثم يلي ذلك إعادة هيكلة الجيش، تنظيف الجيش من الفلول والكيزان ومعاقبة المفسدين، وتكوين مؤسسة عسكرية تليق بالمهمة المنوطة بها، يجب علينا جميعا أن نرتقي بفكرنا عن الحزبية والقبلية والطائفية والتركيز على بناء هذا الوطن الممتلئ بالموارد بعيدا عن اللهاث خلف الكراسي والمناصب والأجندات الخاصة، لهفي عليك يا وطن ابتلاه الله ببنيه،،،،