ما حدث في مدينة شندي التي أجبرتني الحرب على النزوح إليها، كان محبطا للغاية وجعلني أتأكد أن هذا السودان متأخر كثيرا، وربما أمامنا سنوات ضوئية لنلحق بركب الأمم، انقطع التيار الكهربائي كالعادة، فلا شيء غريب في هذا الأمر ومشكلة الكهرباء مشكلة عانينا منها طيلة حياتنا، ولم تشهد الكهرباء استقرارا إلا في فترة قصيرة للغاية، وكان استقرارا نسبيا، لم تكن المأساة انقطاع الكهرباء في مدينة شندي كما أسلفت، ولكن كانت الكارثة الحقيقية أن خط المياه الرئيس الذي يغذي كافة المدينة يعمل بالكهرباء، فكان أن ترتب على انقطاع التيار الكهربائي أن تعرضت كافة المدينة للعطش، كان منظرا مثيرا للحزن، رؤية جميع سكان المدينة بمختلف اعمارهم، أطفالا وشيوخا، نساء ورجالا وهم يحملون الجرادل والأواني ويهرعون إلى البحر وإلى بعض الأماكن مثل المستشفيات والجوامع التي بها آبار للحصول على ماء (الشرب)، وقد اصطفت الأواني في صفوف طويلة حزينة تستجدي بعض الماء، وكان المشهد الأكثر حزنا منظر عربة بوكس أحضرها أحد الخيرين، بها عدد من البراميل المملوءة بالماء وقد التف حولها الناس في أعداد مهولة وهم يحملون الباقات الصغيرة الفارغة، ليتم ملأها بالماء ليشربوا، كمية من العطشى التفوا حول العربة ليطفئوا نار العطش!! هل يعقل ونحن في القرن الحادي والعشرين، وفي منطقة الحضر، وفي مدينة كبيرة، لها تأثيرها الكبير اقتصاديا وسياسيا، أن يصل المواطنون مرحلة العطش؟ أين أولو الأمر؟ ألم يكن هناك رجل رشيد من المسؤولين هداه تفكيره أن مسألة ارتباط مياه المدينة بكاملها بالكهرباء قد تفضي إلى هذه المأساة التي يعيشها مواطني المدينة حاليا؟ دعك من هذا، ألم ينر الله بصيرة أحدهم لوضع خطة بديلة في مثل هذه الحالة، كتوفير مولدات كهرباء لتشغيل محطة المياه؟ لماذا يغفل أولو الأمر عندنا عن البديهيات؟ هذا هو اليوم الرابع، والمدينة تعيش في الظلام والعطش، في اليوم الأول فكرت أن الأمر طارئ وربما هناك حيثيات خارجة عن الإرادة، ولكن أن تمر ثلاثة ايام بلياليها، وكم من البشر يعانون ما يعانون من أجل جرعة ماء يشربوها، فصراحة هذا خطأ فادح وجسيم، أين الوالي والمسؤولون؟ لماذا لم يحلوا المشكلة ولو جزئيا بتشغيل المحطة بمصدر تيار كهربائي بأية طريقة؟ لينجو المواطنون من العطش!!! بعيدا عن الحرب وويلاتها، والمليشيا وانتهاكاتها، وقحت ومواقفها الهزيلة، والفلول وأحلامهم المستحيلة في استعادة السلطة، نحن نعاني من مشاكل جوهرية في شخصية الإنسان السوداني، ويزداد الأمر فداحة إذا أصبح هذا الإنسان مسؤولا، لك الله يا وطن مبتلى ببنيه!!!! [email protected]