غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    شاهد.. الفنانة إيمان الشريف تفاجئ جمهورها وتطرح فيديو كليب أغنيتها الجديدة والترند "منعوني ديارك" بتوزيع موسيقي جديد ومدهش    مصر .. السماح لحاملى التأشيرة الخماسية بالإقامة 180 يوما بالمرة الواحدة    التغير المناخي تسبب في وفاة أكثر من 15 ألف شخص بأوروبا هذا الصيف    إبراهيم نصرالدين (درمي).. صخرة دفاع أهلي الكنوز وطمأنينة المدرجات    والي ولاية كسلا يشهد ختام دورة فقداء النادي الاهلي كسلا    بعثة نادي الزمالة (أم روابة) تغادر إلى نيروبي استعدادًا لمواجهة ديكيداها    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    الخارجية البريطانية: مستقبل السودان يقرره شعبه    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: دور المجتمع الدولي والإقليمي في وقف حرب السودان    توجيهات مشدّدة للقيادة العسكرية في الدبّة..ماذا هناك؟    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تدخل في وصلة رقص فاضحة بمؤخرتها على طريقة "الترترة" وسط عدد من الشباب والجمهور يعبر عن غضبه: (قلة أدب وعدم احترام)    شاهد بالفيديو.. الفنانة توتة عذاب تشعل حفل غنائي بوصلة رقص مثيرة والجمهور: (بتحاولي تقلدي هدى عربي بس ما قادرة)    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تثير ضجة غير مسبوقة بتصريحات جريئة: (مفهومي للرجل الصقر هو الراجل البعمل لي مساج وبسعدني في السرير)    شاهد بالفيديو.. الفنانة توتة عذاب تشعل حفل غنائي بوصلة رقص مثيرة والجمهور: (بتحاولي تقلدي هدى عربي بس ما قادرة)    انشقاق بشارة إنكا عن حركة العدل والمساواة (جناح صندل ) وانضمامه لحركة جيش تحرير السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تثير ضجة غير مسبوقة بتصريحات جريئة: (مفهومي للرجل الصقر هو الراجل البعمل لي مساج وبسعدني في السرير)    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    مناوي يلتقي العمامرة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للسودان    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    السودان يدعو المجتمع الدولي لدعم إعادة الإعمار    ما ترتيب محمد صلاح في قائمة هدافي دوري أبطال أوروبا عبر التاريخ؟    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    شاب سوداني يستشير: (والدي يريد الزواج من والدة زوجتي صاحبة ال 40 عام وأنا ما عاوز لخبطة في النسب يعني إبنه يكون أخوي وأخ زوجتي ماذا أفعل؟)    الهلال السوداني يتطلّع لتحقيق كأس سيكافا أمام سينغيدا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    مصر تسجل مستوى دخل قياسيا في الدولار    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    عودة السياحة النيلية بالخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والري بالخرطوم تبحث إعادة إعمار وتطوير قطاع الألبان    شاهد بالصورة والفيديو.. عروس سودانية ترفض "رش" عريسها بالحليب رغم إقدامه على الخطوة وتعاتبه والجمهور يعلق: (يرشونا بالنووي نحنا)    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دولة التعاقد الاجتماعي في السودان ضرورة تاريخية اللحظة، قبل فوات الأوان
نشر في الراكوبة يوم 20 - 09 - 2023

1-. تعلمنا من تاريخ ثورات الشعوب، أنها تقوم عندما يصل استبداد الحكام، عنفوان ذروته في سلب حريات وممتلكات الناس، في حينها يتطور الأمر إلى التخلص منهم بمنهج جماعي. هنا نتساءل، ألم نصل في السودان إلى هذه المرحلة الهدامة؟ أليس نحن مثل بقية شعوب العالم التواقة للحريات والحياة الكريمة؟ إذا الأمر كذلك، دعونا نؤكد للمرة الثالثة، أن إقامة دولة التعاقد الاجتماعي في السودان قد أصبحت ضرورة ملزمة الآن من أجل الحفاظ على أرواح ما تبقى من الناس. فالحرب اللعينة التي اندلعت في الخامس عشر من شهر إبريل الماضي، قد أدخلت الدولة السودانية – الهشة أصلاً – في تمزق شامل لكل أركانها الجغرافية، بل وانهيار كامل لمؤسساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لذلك يجب أن نتدارك جميعاً حالة هذه الدولة بعقلانية تامة قبل أن تتمحي كلية من الخارطة السياسية الدولية. لذلك ندعو مخلصين، السودانيين الوطنيين للعمل سوياً على إقامة دولة التعاقد الاجتماعي حتى يتكمنوا من تماسك وحدة التراب السوداني في تآلف شعوبه المختلفة. من أجل هذا الهدف النبيل، فقد نشرت في السابق مقالة في الصحف الإلكترونية في العام 2010م وأصدرت أيضاً كتابين عن هذا الموضوع، الأول في العام 2013م بعنوان "العقد الاجتماعي الجديد: الطريق لحل المعضلة السودانية" في حجم 64 صفحة. الناشر: المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً: برنامج الفكر الديمقراطي، الخرطوم، السودان. والكتاب الثاني أصدرته في العام 2015م بعنوان "دولة التعاقد الاجتماعي في السودان: ليست خياراً بل ضرورة" في حجم 520 صفحة. الناشر: مكتبة جزيرة الورد، القاهرة، مصر.
تزداد قناعتي لمشروع التعاقد الاجتماعي، لأن الدولة السودانية المتعارف عليها في حدودها الجغرافية الحالية، هي في الأصل صناعة أكثر من استعمار أجنبي. لذلك ما نحتاج إليه اليوم، قبل أن نتحدث عن الحرية والديمقراطية والتنمية، هو العمل على وضع دستور يرضي عنه كل أبناء السودان، على اختلاف أعراقهم ودياناتهم وأقاليمهم. فالدولة السودانية أضحت منذ فجر الاستقلال في العام 1956م، بلداً موحداً بفعل الاستعمار لكن بلا وجدان – أي بلا دستور وطني يؤسس ويقود إلى تماسك الشعوب الموحدة، ومن ثمّ الانتماء وجدانياً إلى الدولة الوليدة.
مما سبق، وضح جلياً أن جذور الأزمة السودانية تتمثل في غياب دستور وطني للدولة المنشأة حديثاً ليشمل كل شعوب الممالك والسلطنات التي كانت دولاً مستقلة قبل الاستعمار. كما ازداد تفاقم الأزمة عندما أسست النخب السياسية التي تولت سلطة الحكم بعد الاستعمار – دون مشورة الشعوب السودانية – منهج إداري محكم "ليس فقط كيف تُحكم البلاد لكن أيضاً بمّن"، وهي السياسات التي عملت على تعميق الأزمة وتفاقمها، مما أوصلتنا إلى شفا انهيار كامل كما نشاهدها الآن. وبما أننا أشرنا إلى دواعي العقد الاجتماعي، سوف نوضح بإيجاز concise ماهية التعاقد الاجتماعي، وفوائده وآليات تنفيذه آملاً أن يتقبله الجميع لأن فيه خير لكل أهل السودان.
2-. مفاهيم العقد الاجتماعي:
في البدء، يصف لنا فلاسفة عصور التنوير أن الطبيعة الإنسانية هي حالة الحق الطبيعي للحرية، وهذا الحق قد يقود إلى حالة الحرب بين الناس، إذا اعتقد كل إنسان بأن له الحق في كل شيء – منسوبي المؤتمر الوطني، مثالاً – حسب قدرته لامتلاك ذات الشيء، بأية وسيلة كانت، فالحرية بهذا الاعتقاد لا تفضي إلا إلى الصراعات والحروب. فالواقع أن الصراعات الدموية موجودة في كل مكان وزمان بوجود الإنسان. لذلك عندما نسعى لإدراك أسباب الصراع ومخاطره، يفضي بنا البحث إلى حلٍ يقبله وتتفق عليه جميع الشعوب السودانية من أجل الخروج من حالة الحرب الملازمة لنا منذ الاستقلال. ويؤكد لنا أيضاً فلاسفة عصور التنوير، أنه في حالة الطبيعة، يجد الإنسان نفسه في موقف لا يمكن إطلاقاً أن يتراخى ويستمتع فقط بما اكتسبه بقوته، فتجده يعيش في خوف دائم من أن يسلب الآخرون منه ما يملك، فيؤدي ذاك الخوف إلى حالة من العنف المتبادل. عدم الثقة المتبادلة هذه، سيؤدي حتماً إلى استخدام القوة والخداع والغواية – أمامنا مثال، البرهان وحميدتي – ليؤدي إلى تطور الدمار الشامل بين البشر.
حالة الخوف الدائم الذي يعم كل المجتمع، تقود إلى ابرام اتفاق بين الجميع للتخلص منها. عموماً يعني مفهوم العقد الاجتماعي، إبرام اتفاق بين الناس، الذين جمعتهم رقعة جغرافية محددة، بموجب هذا الاتفاق يتحدون ويكونون هيئة معنوية لإدارة الإرادة العامة، أي التوصل إلى التعايش السلمي في تجمع محدد. هذه الإرادة هي الدولة التي يصبحون رعاياها ومواطنون فيها، يتساوون في الحقوق والواجبات. لذلك نجد أن جون لوك، أحد فلاسفة عصور التنوير يوضح لنا، أن الدولة في المجتمع المدني "تنشأ من اتفاق جماعي بين الناس على أن يكون الحكم فيها للأغلبية. وبهذا الاعتبار فإن حكومة المجتمع المدني، هي مخلوقة عندما أي عدد من الناس يصنعون بالاتفاق كل مع الآخر مجتمعاً، فإنهم بذلك يصنعون بقوة مجتمع الجسم الواحد، تفعل ككيان واحد، محدد فقط بإرادة وشرط حكم الأغلبية المقيدة". أي الأغلبية التي يجب أن تحترم حقوق الجميع. لذلك فإن روح الاتفاق الجماعي، يتلخص في الشرط الذي يسمح لهذه المجموعة البشرية أو تلك، أن تعيش مع بعضها البعض، يحترم فيه كل فرد الآخر. ويضيف جون لوك مرة أخرى فيقول إن "حاجة المجتمع المدني إلى السلطة الحاكمة أو الدولة، هي الحاجة للمحافظة على الحياة والحرية والملكية، وهي حقوق مهددة بالتعدي والاستمتاع بها في حالة الطبيعة غير مؤكد".
3-. تأسيس السلطة السياسية:
إن الاتفاق على قيام سلطة الحكم، هو أساس وحدة المجتمع المدني، والعقد يهدف إلى تجسيد وصياغة تأسيس هذه الوحدة. فالتوحد حول رأي الأغلبية، هو مطلب كل عقد بين الأفراد للدخول في الاتحاد، ذلك أن بداية أي مجتمع سياسي، ليس شيئاً إلا اتفاق الأغلبية الذي يشكل البداية لأي حكومة قانونية في العالم. بالطبع هناك أيضاً ما يسمى بالعقد الضمني الذي بموجبه تدخل المجتمعات المهاجرة في حظيرة دولة قائمة أصلاً، وبالتالي يصبح الفرد المهاجر عضواً كاملاً في المجتمع، خاضعاً للحكومة القائمة. فالإنسان الذي يحل بأرض أناس مقيمين، عليه قبول الوضع السياسي كما هو، طالما هاجر إليها للإقامة فيها بمحض إرادته. وبالتالي لا يمكن أن يسعى إلى محو ثقافات البشر المقيمين أصلاً واستبداله بثقافته، بل يجب أن يسعى إلى تلاقح كل الثقافات، هكذا تكون الإثراء والتطور والسلام والأمن. فالإنسان الذي يستمتع بالملكية، في أي جزء من الأقاليم التابعة للحكومة، يكون بذلك قد قبل اتفاقاً ضمنياً، وأثناء استمتاعه بالملكية – أياً كانت – يكون ملزماً بالطاعة المطلقة للقوانين الصادرة عن الحكومة.
في عصرنا هذا، ليس بالضرورة أن تؤسس السلطة السياسية الحديثة، باتباع نفس الخطوات التي تمت بها في أوروبا، لكن أخذ العبر لمن يعتبر ضرورة. من هذا المنطلق، نخرج بالسؤال الموضوعي الآتي: كيف يمكن للسودانيين أن يعيشوا في أمن وسلام دائمين في هذه الرقعة الجغرافية التي وجدوا فيها قسراً؟ الإجابة الشافية تكمن في وظيفة العقد الاجتماعي، لوضع الدستور الوطني المستدام. لكن علينا أن نعترف أولاً، أن الإجابة لن تكن سهلة، وأن التطبيق هو الأصعب، لكن في سبيل الحفاظ على الحياة وتأمين الحرية والأمن والسلام، الذي يحتاج إليه كل فرد في المجتمع، يجب أن يهون كل شيء. لذلك يتطلب الأمر أولاً، الاعتراف ببعضنا البعض كبشر، ومن ثمّ بالضرورة إبعاد كل المسائل، التي تفرق بين الناس من أية عملية دستورية، سواءً كانت تلك المسائل قائمة على أساس الدين أو العرق أو الجنس أو اللون أو الإقليم أو القبيلة أو الخلفية الثقافية، لأن المؤكد أن النقاش والاتفاق حول هذه المسائل، تكون الحصيلة الحسابية صفراً، لأن ما يقبله أحدنا لأن يقبله الآخر المختلف على الاطلاق. وبالتالي تصبح هذه الشروط ملزمة لإقامة دولة المواطنة للجميع.
4-. قيم الحقوق والحريات:
يلاحظ أن نجاحات الثورة الفرنسية كانت عظيمة جداً، لأنها قامت من أجل حرية الإنسان الفرنسي. نحن في السودان نفتقد التربية الوطنية التي تقود إلى التشبع بروح ثورة التغيير. فالحروب قد قضت تماماً على حق البقاء – حق الوجود – الإنساني. لذلك فإن السياسات الجائرة لم تسلب الناس حرياتهم الإنسانية الأساسية، بل ساقتهم إلى فقد الأرواح، فاضطر ملايين من البشر أن تهرب إلى أماكن أخرى طلباً للمأوى في داخل أو خارج البلاد. إذاً حق البقاء – الحياة – هو أساس الحقوق البشرية الذي يأتي قبل الحقوق المدنية، مثل حق التملك أو التنقل أو المعاش.
يحصل الاتفاق – أياً كان – عندما تصل الأطراف المتصارعة إلى حالة لا غالب ولا مغلوب، وفي ذات الوقت يزداد فقدان أرواح البشر، أي فقدان حق بقاء الإنسان. فالحالة التي نحن فيها الآن تدل بلا أدنى شك بأننا لم نصل بعد إلى فهم وترسيخ ولا الإيمان بالمعاني النبيلة للثورة. فالثورة تعني التغيير إلى الأفضل الذي يعم كل المجتمع وهذا يعني العقل الجمعي الذي يعترف بكل الشعوب السودانية على أنهم بشر متساوون في القيمة البشرية، حينها نصل إلى يقين تام بأن حقوقنا وخيراتنا المسلوبة تحتاج إلى عزيمتنا بقيام ثورة شعبية عارمة، تقضي على السلطة القائمة والمعارضة الفاسدة على حد سواء، ومن ثمّ بناء مجتمع مدني معاصر.
5-. ممثلي التعاقد الاجتماعي:
الاختلاف الواضح في التركيبة الإثنية لشعوب السودان، ومعها التعددية الثقافية، ثم الاختلاف البيِّن في جغرافية البلاد، ومعها التباين في سبل كسب العيش، أي النمط الاقتصادي للشعوب المختلفة، أضف إلى ذلك، التعدد الديني واللغوي لأهل السودان. كل هذه التناقضات تقود إلى عدم انسجام الشعوب السودانية مما يؤدي إلى اندلاع الحروب الدامية، لذا فإن الواجب الوطني يستدعي بأن نسعى للوصول إلى صيغ توفيقية لحل القضايا الدستورية الخلافية، وهي المعني بأن يتم اتفاق كل شعوب السودان من دون تدخل خارجي – أعني الأيديولوجيات الخارجية – حول الشروط التي تجعلهم يعيشون مع بعض في دولة واحدة. ومثل هذا الاتفاق هو الذي نعنيه بالتعاقد الاجتماعي.
بالطبع لا يوجد معيار محدد، يستند على تجربة دولة بعينها في عملية اختيار الممثلين للعقد الاجتماعي، وذلك لعدم وجود نظامين سياسيين متطابقين في العالم. لذلك نرى أنه من الأفضل والأجدى، أن تقوم عملية الاختيار على أساس المصالح الاقتصادية الذاتية للبشر. ونقصد بذلك تحديداً، وسائل كسب العيش، وهي مصالح مشتركة بين المنتج والعامل والصانع والتاجر والمسهل الذي يعمل في مجال تبادل وتسويق الإنتاج، والمستهلك والباحث العِلمي الذي يعمل في مجال زيادة وجودة الإنتاج، هؤلاء جميعاً مشتركون في سوق العمل، هدفهم الأوحد تأمين وزيادة دخولهم للاستمتاع بها على المستوى الفردي. لذلك لن يختلفوا في الشروط التي تجعلهم يعيشون مع بعض من أجل تبادل منافعهم، وذلك لحاجة كل واحد منهم للآخر، فالذي يخرج من الاتفاق، كأنه سائق نفسه للهلاك، وهذا ضد الفطرة الإنسانية. ففي هذه الحالة نرى أن تؤسس أولى معايير الاختيار، على ممثلي المزارعين والرعاة والعمال وأصحاب العمل والتجار والهيئات النقابية والنسائية والشبابية ومنظمات المجتمع المدني والإدارة الأهلية. هذه الفئات لا تعمل من أجل الوصول إلى سلطة الحكم، بل تنصب جل همومها نحو حق البقاء والحرية والحفاظ على الملكية المكتسبة والتعايش السلمي.
نؤكد مرة أخرى أن الصراع السياسي، الذي تعمل عملية العقد الاجتماعي على حله في السودان، مرة واحدة وإلى الأبد، يكمن في كيفية تأسيس الدولة، وليس في كيفية إدارتها. لذا فالهدف السامي المعني به هنا، هو في كيفية وضع قواعد اللعبة السياسية، وليس اللعبة السياسية بحد ذاتها.
6-. آليات تنفيذ مشروع التعاقد الاجتماعي في السودان:
ليس هناك نموذج مثالي محدد للتعاقد الاجتماعي يمكن اتباعه، إنما المطلوب هو توفر بيئة سالمة وآمنة تتمكن فيها جميع الإثنيات الاجتماعية أن تشارك في التشاور والاتفاق حول المسائل الدستورية الخلافية التي تسمح لهم بالتعايش السلمي، لذا سينتج من هذا الاتفاق تعاقد جمعي يجعل كل الناس شركاء في تأسيس دولتهم وبالتالي يرسخ في وجدانهم أنهم أصحاب السيادة في وطنهم وما السياسيون إلا مقاولين لإدارة شئون الدولة بعقود محددة – أي فترات انتخابية معلومة. لذلك يحق للناس أن يثوروا سلمياً ضد أية حكومة، بل نزع السلطة عنها عندما تخرج عن إرادة الشعب. في الظرف الحالي لا توجد البيئة السالمة والآمنة التي تسمح للشعوب السودانية أن تجلس باطمئنان وتشارك في عملية العقد الاجتماعي، إلا إذا توقفت الحرب الحالية وأوفت كل الجيوش سكناتها. لذلك لا نرى أمامنا حالياً إلا آليتين نافذتين لتنفيذ مشروع التعاقد الاجتماعي في السودان، هما: (أ) قوة عسكرية دولية ضخمة. (ب) ثورة شعبية شاملة.
(أ) الغرض الأساسي للقوة العسكرية الدولية، هو توفر السلم وتأمين الأمن والحريات لعامة الشعب ليتمكن من الجلوس بحرية تامة حول مائدة مستديرة للتعاقد الاجتماعي. على مدى 67 عاماً فشلت كل التجارب السودانية السابقة في وضع دستور دائم للبلاد، وحالياً لا تملك الشعوب السودانية السلاح الناري الحديث لمواجهة طرفي الحرب – الجيش السوداني وقوات الدعم السريع – لذا يصبح من واجبنا الوطني أن نطالب منظومة الأمم المتحدة بالتدخل عسكرياً للأغراض الإنسانية والعمل على الاستقرار السياسي الذي يجب أن يفضي إلى وضع دستور وطني دائم – ديمقراطي فيدرالي – وذلك على هدى فلسفة العقد الاجتماعي. المنظومة الأممية لها تجارب دولية ناجحة في دول مثل تيمور الشرقية وكوسوفو.
(ب) ثورة شعبية شاملة: رغم فشل الثورات والانتفاضات الشعبية السابقة في وضع دستور وطني دائم، إلا أن ثورة ديسمبر المجيدة لعام 2019م قد بعثت بأمل إمكانية تحقيق الهدف المنشود. لذلك نحتاج إلى استنارة شاملة لندخل في اتحاد جمعي من أجل المحافظة على أرض الوطن وإنسانه المتبقي، ومن ثمّ الحفاظ على الأمن والملكية والسلام والخير العام. ومثل هذه الاستنارة يجب أن تدفعنا نحو تطوير أسلوب ومضمون الثورة الشعبية الشاملة لنصل إلى قناعة تامة وإيمان راسخ بأن "البلد بلدنا ونحن سيادها"، فيصبح من واجبنا مجتمعين أن نتفق على شكل كيفية إدارته.
أبكر محمد أبوالبشر
مانشستر، المملكة المتحدة
الثلاثاء، 19 سبتمبر 2023م
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.