ساذج من ظن أن مشروع التغيير الجذري يمكن أن يكتمل دون الحاجة إلى ذراع عسكري قوي ، فمثلما أدت الثورة المدنية السلمية دورها كاملاً في إسقاط رأس النظام البائد ورموز الصف الأول ، ها هي قوات الدعم السريع تقوم بالواجب الوطني الأكثر أهمية في المشروع ، ولأن أعمدة حكم حزب المؤتمر الوطني المحلول قد ارتكزت منذ البداية على ترسانة عسكرية حديدية صلبة، وكما هو الحال فإنّ الحديد لا يفلّه إلّا الحديد ، فبعد أن أدى شباب ثورة ديسمبر الواجب الوطني الملقى على عاتقهم ، جاء دور قوات الدعم السريع المكمّل لما قدموه من تضحيات ومهام جسام، تهدف للخلاص من تراكمات الفشل الحكومي المتوالي ، وكان لوجود جنرالات اللجنة الأمنية لمنظومة حكم الرئيس المعزول الأثر الملحوظ ، في عرقلة سير حكومة الانتقال التي قادها الدكتور عبدالله حمدوك وبما أنهم مارسوا انتهازية واضحة على منجز ديسمبر الثوري ، طفقوا يدعمون سراً وجهراً الثورة المضادة التي ختمت تآمرها بانقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر من العام الثاني لإسقاط الدكتاتور ، الانقلاب الذي أعاد جميع فلول النظام البائد إلى دواوين الحكم ، وشرع في التضييق على الثوار وملاحقتهم جهاراً واودع الكثيرين منهم السجون والمعتقلات والزنازين ، فبدأت حلقة جديدة من مسلسل وأد أحلام الناس وإرجاع الوضع السياسي لما قبل ديسمبر ، وظللت سحب الإحباط سماء البلاد. خروج قوات الدعم السريع من حلف الانقلاب وإعلان قائدها للاعتذار الرسمي عما اقترفه من خطأ ، ثم وقوفه علانية مع الخط الداعم للتحول الديمقراطي وإرساء دعائم الدولة المدنية ، وإصراره بصرامة على وجوب هيكلة القوات المسلحة المخترقة والمسيطر عليها من رموز الحزب الحاكم ، ثم تضامنه مع أجندة الاتفاق الإطاري المتوافق عليه من غالبية القوى السياسية السائرة على خط المطالب الديسمبرية ، وضع الانقلابيين وداعميهم من بعض الحركات المسلحة أمام خيارات صعبة للغاية ، اختاروا منها المواجهة العسكرية وشن الحرب على القوات التي وقفت حجر عثرة أمام الطموحات غير المشروعة للانقلابيين وداعميهم ، فشنت كتائب المؤتمر الوطني – الحركة الاسلاموية – الاخوان المسلمين – الجبهة الإسلامية – دولة القانون الداعشية ، الهجوم الغادر على معسكرات قوات الدعم السريع ، وسرعان ما قلبت الأخيرة الموازين وأمسكت بزمام المبادرة العسكرية فهزمت مليشيات الحركة الاخوانية ، في معارك متتالية أسقطت على إثرها الحاميات العسكرية التي يديرها ضباط إسلاميون – اخوانيون ، وبعد ستة أشهر من الاعتداء الغاشم من كتائب الاخوان اقتحمت قوات الدعم السريع جميع المعسكرات التي يتواجد بها الإرهابيين الداعمين لنظامهم المندحر ، ومن حيث لا يدري الناس وجدت قوات الدعم السريع نفسها خائضة لمياه ركيكة لمعارك مصيرية مع بقايا كتائب الإرهاب الإخواني. التغيير الجذري الذي دشنت مشروعه الطموح قوى سياسية ، خرجت باكراً من منظومة الحكم الانتقالي الضعيفة والمشتركة بين الضباط العسكريين الانقلابيين ، ها هو يتحقق على سواعد أشاوس قوات الدعم السريع ، التي لاحقت الكتائب الإرهابية الممولة والمسنودة من قادة الجيش الفاسدين الوالغين في أموال الناس ، لقد حققت قوات الدعم السريع سبقاً وطنياً تحسدها عليه القوى الوطنية الأخرى ، بأنها حسمت كتائب الإرهاب والتطرف التي كانت تستثمر في خوف المواطنين من قوة بطشها ، وشدة وقسوة منسوبيها من الإرهابيين الذين تلقوا دورات تدريبية مكثفة ببعض البلدان الحاضنة لبؤر الإرهاب الدولي ، وكما هي الحكمة الإلهية البليغة في إخراج اللبن اللذيذ الذي يستسيغه الشارب من بين الفرث والدم ، كذلك أخرج قوات الدعم السريع من بين الصراعات البينية لمنظومة الحكم بفصائلها المتزمتة ، لتكون سيفاً للحق باتراً يستأصل خلايا الداء الألد من بين لحمة المجتمعات السودانية الطيبة المتسامحة ، وها هي تقود معركة المصير الظافرة ضد فلول النظام البائد ، وتتقدم باتجاه تحرير المقرّات العسكرية التي سطا عليها جنرالات حزب المؤتمر الوطني المحلول – الاخوان المسلمين ، تحقيقاً وإنفاذاً لأجندة مشروع التغيير الشامل الذي لا يغادر مدينة ولا قرية إلّا وطالها ، لترسي دعائم التحول المدني الديمقراطي الذي لن يجد طريقاً للتحقق بغير سيف وحسام صارم يقطع دابر هؤلاء الإرهابيين.