تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    إبراهيم نصرالدين (درمي).. صخرة دفاع أهلي الكنوز وطمأنينة المدرجات    والي ولاية كسلا يشهد ختام دورة فقداء النادي الاهلي كسلا    بعثة نادي الزمالة (أم روابة) تغادر إلى نيروبي استعدادًا لمواجهة ديكيداها    الخارجية البريطانية: مستقبل السودان يقرره شعبه    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: دور المجتمع الدولي والإقليمي في وقف حرب السودان    توجيهات مشدّدة للقيادة العسكرية في الدبّة..ماذا هناك؟    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تدخل في وصلة رقص فاضحة بمؤخرتها على طريقة "الترترة" وسط عدد من الشباب والجمهور يعبر عن غضبه: (قلة أدب وعدم احترام)    شاهد بالفيديو.. الفنانة توتة عذاب تشعل حفل غنائي بوصلة رقص مثيرة والجمهور: (بتحاولي تقلدي هدى عربي بس ما قادرة)    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تثير ضجة غير مسبوقة بتصريحات جريئة: (مفهومي للرجل الصقر هو الراجل البعمل لي مساج وبسعدني في السرير)    شاهد بالفيديو.. الفنانة توتة عذاب تشعل حفل غنائي بوصلة رقص مثيرة والجمهور: (بتحاولي تقلدي هدى عربي بس ما قادرة)    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تدخل في وصلة رقص فاضحة بمؤخرتها على طريقة "الترترة" وسط عدد من الشباب والجمهور يعبر عن غضبه: (قلة أدب وعدم احترام)    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تثير ضجة غير مسبوقة بتصريحات جريئة: (مفهومي للرجل الصقر هو الراجل البعمل لي مساج وبسعدني في السرير)    انشقاق بشارة إنكا عن حركة العدل والمساواة (جناح صندل ) وانضمامه لحركة جيش تحرير السودان    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    مناوي يلتقي العمامرة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للسودان    أول تعليق من ترامب على اجتياح غزة.. وتحذير ثان لحماس    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    السودان يدعو المجتمع الدولي لدعم إعادة الإعمار    ما ترتيب محمد صلاح في قائمة هدافي دوري أبطال أوروبا عبر التاريخ؟    دراسة تكشف تأثير "تيك توك" وتطبيقات الفيديو على سلوك الأطفال    "خطوط حمراء" رسمها السيسي لإسرائيل أمام قمة الدوحة    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    شاب سوداني يستشير: (والدي يريد الزواج من والدة زوجتي صاحبة ال 40 عام وأنا ما عاوز لخبطة في النسب يعني إبنه يكون أخوي وأخ زوجتي ماذا أفعل؟)    الهلال السوداني يتطلّع لتحقيق كأس سيكافا أمام سينغيدا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    مصر تسجل مستوى دخل قياسيا في الدولار    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    عودة السياحة النيلية بالخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والري بالخرطوم تبحث إعادة إعمار وتطوير قطاع الألبان    شاهد بالصورة والفيديو.. عروس سودانية ترفض "رش" عريسها بالحليب رغم إقدامه على الخطوة وتعاتبه والجمهور يعلق: (يرشونا بالنووي نحنا)    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدينة الاحلام … ودمدني – ختام ذكريات الستينات
نشر في الراكوبة يوم 13 - 12 - 2023

في تلك المرحلة من منتصف الستينات كان النشاط السياسي بودمدني كمدينة ثانية ومؤثرة بعد الخرطوم ، يأخذ حيزا كبيرا من وقت جماهير المدينة التي تتمتع بحركة وعي سياسي وإجتماعي بل وفني ورياضي ، ومشهود لها بذلك من ذلك الزمان وحتي اللحظة ، ويأتي هذا التميز لأهل المدينة بسبب تمازج الثقافات وتزاوج القبائل المختلفة التي جمعها مشروع الجزيرة منذ أن كان إسمه (شركة السودان الزراعية) المسجلة في لندن منذ العام 1912م وهي التي أنشات زراعة القطن بالجزيرة بعد مشروع الزيداب بنهر النيل .
كان طلاب ودمدني الثانوية في ذلك الزمان هم الدينمو المحرك للفعاليات السياسية ، فهم الذي يشكلون حضورا في الليالي السياسية حين تأتي رموز الأحزاب من العاصمة لقيام ليال سياسية عندما تحين مواعيد الإنتخابات العامة التي كانت تأتي وهي كاملة الدسم من حيث الشفافية والمنافسة الحرة وثقافة الديمقراطية التي تربت عليها أجيال السودان في ذلك الزمن منذ ما قبل الإستقلال والتي تحتاج عودتها لأزمنة طويلة قادمة بعد أن دخل العمل المسلح في خضم العمل السياسي بالسودان ، فقد شاهدنا نجوم السياسة بودمدني وهم يتحدثون ، نعم كان يأتي الأزهري والشريف الحسين وشيخ علي عبدالرحمن وعبدالمنعم حسب الله ومحمد احمد المرضي ونصر الدين السيد وأحمد السيد حمد ومحمد أمين حسين ، ويحي الفضلي ومبارك زروق وعبدالماجد ابوحسبو ومامون سنادة ، بمثلما كان يأتي عمالقة حزب الأمة : السيد الصادق المهدي – والأمير عبدالله عبدالرحمن نقد الله والذي كان شقيقه الأكبر الأمير محمد عبدالرحمن نقد الله المقيم بودمدني هو رئيس الحزب فيها يعاونه أصهاره آل دياب وآل علي سربل ، كما كان يأتي عبدالرحمن النور والدكتور عبدالحميد صالح وكمال الدين حسين المحامي ومحمد داؤد الخليفة وصلاح عبدالسلام الخليفة وغيرهم . وكانت ودمدني تشهد ندوات الحزب الشيوعي السوداني في سنوات مجده الأولي ، عبدالخالق محجوب الذي كان يستضيفه نادي عمال السكة حديد بودمدني وهو نادي كان ذا ثقل يساري عميق ، وكم شهدنا ايضا في دارهم بودمدني عمر مصطفي المكي وفاروق ابوعيسي وابراهيم محمد عمر ممثل الحزب في الجزيرة وسيد طه والدكتور يوسف ميرغني والشفيع احمد الشيخ والحاج عبدالرحمن من نجوم إتحاد عمال السودان ، كما كان هناك قيادات المزارعين شيخ الامين محمد الأمين وزير الصحة في حكومة اكتوبر الثانية 1965م ويوسف احمد المصطفي ، وقد كان مرشح الشيوعيين لدائرة ودمدني هو الدكتور الإخصائي مدني احمد عيسي ، ثم يوسف ميرغني . غير أن الدائرة قد فاز بها عقب ثورة اكتوبر الأستاذ احمد ذهب حسنين المحامي عن الوطني الإتحادي ، برغم أن شقيقه الذي توفي قبل عدة سنوات كان من مؤسسي الحزب الشيوعي في مصر وهو عبده دهب حسنين .
جماعة الأخوان المسلمين وهو الإسم الأول للجبهة الإسلامية كان من نجومها بودمدني الشيخ حسن عبدالعزيز والشيخ احمد بيومي والشيخ التكينة وغيرهم .
كما كان للجمهوريين نشاطا واسعا في ودمدني وكثيرا ما يأتي الاستاذ الشهيد محمود محمد طه لالقاء محاضرات فكرية ذات قيمة كبيرة وبمنطق عجيب يذهل الالباب.
وفي ودمدني الثانوية وبرغم أن الصراع السياسي فيها بعد ثورة اكتوبر 1964م كان محتدما وحادا جداً ، غير أن العلاقات الطلابية لمختلف التيارات كانت ممتازة جدا ، وأذكر أنني كنت سكرتيرا للحزب الإتحادي وانا في السنة الثانية وفي ذات الوقت سكرتيرا لإتحاد طلاب المدرسة ، أن دخلنا في تحالف ديمقراطي مع الشيوعيين اسميناه التجمع الديمقراطي لخوض إنتخابات اتحاد الطلاب لدورة جديدة ضد تحالف الأخوان والأمة ، وقد كان عدد مقاعد مجلس الاتحاد عشره فقط ، فاز فيها تجمع الأخوان والأمة بسبع ونحن بثلاثه مقاعد ، واذكر ان الذين فازوا من تجمعنا الديمقراطي هم ثلاثه يساريين وكانوا هم : الدكتور الصديق جدا نجيب نجم الدين ، الدكتور عبدالمحسن عبدالرؤوف ، الأستاذ قاسم محمد احمد ودالشيخ ، اما رئاسة الإتحاد فكانت من نصيب الصديق العزيز جدا السفير الخضر هارون والسكرتارية للصديق العزيز جدا الدكتور حسن علي الشايقي الاستاذ بجامعة أفريقيا العالمية وآخرون .
ولكي نؤكد علي حسن العلاقة بين التيارات كما ذكرنا ، فذات مرة أراد الإتحاد الأخواني الجديد أن يحتفل في مسرح المدرسة الجميل (مسرح مكشوف) بقدوم الطلاب الجدد ، فلم يتوان صديقي خضر هارون رئيس الإتحاد من الإتصال بي لكي نقوم بإحياء الحفل الغنائي (حيث كنت أغني وأشغل منصب سكرتير جمعية الموسيقي بالمدرسة) بل طلب مني الاخ خضر دعوة أخي الراحل وفنان ودمدني المعروف حسن الباشا للمشاركة ، وقد أتي حسن وفرقته الموسيقية ومعه فنان ودمدني الراحل الاستاذ المعلم صلاح درويش وهو الشقيق الأكبر لزميلنا في الفصل العميد معاش ابراهيم مصطفي درويش .
أذكر ذات مرة وأنا في السنة الأخيرة بمدني الثانوية ، دعاني الأخ العزيز والمناضل الجسور الراحل المقيم (ابو اليسر يونس) للإنضمام لتنظيم الجبهة الديمقراطية بالمدرسة دون أن أترك حزبي الإتحادي بحسبان ان الجبهة تشمل كل من له توجهات ديمقراطية برغم أنها كانت تعتبر واجهة للحزب الشيوعي في ذلك الزمان ، فإستجبت لرغبته .
وذات مرة أتي المرحوم الأستاذ عبدالخالق محجوب لزيارة مدينة ودمدني ، وقد كان برفقته في تنقلاته وفي ندواته الأستاذ سيد طه السابق ذكره في الحلقة التاسعة ، فجهز الشيوعيون إجتماع لعبد الخالق مع طلاب ودمدني الثانوية من اعضاء الجبهة الديمقراطية وذلك عقب إنتهاء الحصص وكان اليوم خميس وذلك بمنزل المرحوم السيد احمد الخليفة بحي الدرجة الاولي خلف المدرسة وقد كان احمد الخليفة يترأس نقابة الكتبة وأمناء المخازن بمشروع الجزيرة ببركات في ذلك الزمان .
أتينا وأتي الأستاذ عبدالخالق مححوب وقد كان الرجل يمشي وهو واثق الخطي مستدير ووجيه الوجه واصلع الرأس وفيه عينيه بريق وكان في منتصف الاربعين من عمره ويحمل حزمة صحف في يده . وقد أدار الإجتماع الكادر الشيوعي وقتذاك بالمدرسة الأخ الطالب بشارة الذي كنا نسبقه بسنة دراسية ومن أبناء الجزيرة أبا ، وبعد أن قدم تنويرا عن نشاط الجبهة الديمقراطية للأستاذ عبدالخالق ، سأله عبدالخالق عن عدد أعضاء الجبهة الديمقراطية في مقاعد مجلس إتحاد طلاب المدرسة العشره ، فرد عليه بأنهم ثلاثة طلاب وبقية المقاعد السبعة فاز بها تجمع الاخوان والامة ، فسأله عبدالخالق تارة أخري : وكم عدد الطلاب المنضويين بالجبهة الديمقراطية بالمدرسة التي تحتوي علي ثمانمائة طالب تقريبا ، فرد عليه بشارة بأن عددنا الملتزم يبلغ حوالي مائة وخمسين طالبا ، وهنا قال له عبدالخالق بحسم بأنهم ليسوا بفاعلين ولا ناشطين ، لأنه إذا كان هناك بالمدرسة 50 طالبا ديمقراطيا ناشطا وفعالا يجب أن يقنعوا أكثر من نصف عدد طلاب المدرسة بطرحهم المقنع ويكتسحوا إنتخابات الإتحاد . وهنا فقد راق لي أن ارفع يدي وأستاذن الاخ بشارة كي أسال الأستاذ عبدالخالق في سؤال عن كيف تفوز الجبهة بمقاعد الإتحاد بهذه الكيفية التي ذكرها ، فقال هذا سؤال مهم جدا ولنشرح الإجابة عليه ، وبدأ يتحدث عن المكون الفكري للطلاب في هذه السن الحرجة الصغيرة نسبياً بأنهم يستجيبون بسرعة فائقة لمنطق الجدل الفكري المقنع وبالأهداف التقدمية وباهمية الإشتراكية في حياة الناس وبتوزيع الثروة المتوفرة بعدالة وبصنع مجتمع الكفاية والعدل وأهمية الإهتمام بزيادة الإنتاج بمشاريع القطاع العام الكبيرة وبحسن إدارتها لتنتج وتنتج ، وترتفع معدلات الإنتاج للسلع سواء للصادر أو للإستهلاكي المحلي ، وبمحاربة إستغلال الطبقات الرأسمالية لعرق العاملين بها بحيث تتعاظم أرباحهم لكنهم شحيحين في تقديم الخدمات الأساسية للعامل من علاج ودخل يكفي الحياة ، ثم ولج عبدالخالق في مجال الحديث عن أهمية دخول الميكنة الزراعية بدلا عن العمل اليدوي البدائي في المشاريع الكبري كمشروع الجزيرة والمناقل ، وأهمية شرح كوادر اليسار بالمدرسة للطلاب عن الفوائد التي تأتي من تحديث الزراعة بالجزيرة ومن أهمية التفكير في إنشاء صناعات للأسمدة بدلا عن الإستيراد للمبيدات والأسمدة من الخارج لتوفير الكثير من العملات الصعبة وتوظيفها لقيام مشاريع أخري تنموية ، بل دخل عبدالخالق في مجال تنمية الثروة الحيوانية وإدخال الأبقار والدواجن في الدورة الزراعية بالمشروع .
ذلك الحديث كان يجري علي لسان عبدالخالق وينساب بكل سهولة ويخاطب به عقولنا الغضة البريئة ، وقد كانت أفكاره بعيدة جدا عن الحديث حول الماركسية ورأس المال والإمبريالية العالمية وصراع القوي الكبري ، فجاء حديثه من واقع حياتنا المعاشة بالجزيرة. لذلك كان الشيوعيون يستخدمون طرائق الحديث عن قضايا الناس الحياتية ويقولون بأنها هي الأقرب لشرع الله تطبيقيا ، وفي المقابل كان الإسلاميون يتحدثون عن تطبيق الشريعة وأن الإسلام هو الحل ، كانت الحركة الاسلامية تستقطب الطلاب القاطنين بالداخليات والقادمين من مجتمعات القري البعيدة عن المدينة ، بينما كانت الجبهة الديمقراطية تخاطب الإثنين ، الخارجيين والداخليين .
وهنا أذكر أن نجم اليسار بمدني الثانوية والذي اصبح من كبار كوادر حركة اليسار السوداني فيما بعد بالخرطوم وبالجامعة ، قد كان طالبا داخليا بمدني الثانوية ومن قرية بالجزيرة إسمها (دكة الجعليين) ويسبقنا بعدة سنوات بالمدرسة ، ألا وهو السياسي والمفكر الراحل (الخاتم عدلان) عليه الرحمة .
كما كان الدكتور نجيب نجم الدين والأستاذ قاسم ودالشيخ من نجوم اليسار بالمدرسة من الطلاب الداخليين .
اما إذا تحدثنا الرياضة في ذلك الزمن فان اندية كرة القدم الكبيرة بودمدني وعددها أربع أندية بالدرجة الاولي في ذلك الزمان وهي الأهلي والإتحاد والنيل والرابطة ، حيث كان يراقب مدربوها تمارين كرة القدم لطلاب مدرسة ودمدني الثانوية وطلاب المدرسة العربية المصرية التي لا تبعد كثيرا عن مدرستنا حيث تقع بشارع بركات – مدني وقد أصبحت لاحقا مدرسة الشهيد الدكتور مصطفي الطيب بعد أن ألغت الحكومة في تسعينات القرن الماضي كل المدارس المصرية بالسودان بمراحلها الثلاثة ، بما في ذلك جامعة القاهرة فرع الخرطوم والتي تحولت الي جامعة النيلين وذلك سبب حركة الشد السياسي بين النظامين السوداني والمصري بعد انقلاب 30 يونيو 1989م واستلام الاسلاميين لمقاليد الحكم وانهاء التجربة الديمقراطية الثالثة حيث كانت الاولي بعد الاستقلال وانتهت بانقلاب الفريق ابراهيم عبود في 17 نوفمبر 1958م حتي قيام ثورة 21 اكتوبر 1964م ثم كانت الديمقراطية الثانية من ابريل 1965م حتي قيام انقلاب النميري في 25 مايو 1969م والذي انتهي بثورة 6 ابريل 1985م .
وقد كان طلاب المدرستين مدني الثانوية والمدرسة العربية المصرية يشكلون فرق الكرة في الأحياء .
فمثلا كان هناك فريق العمالقة لكرة القدم الذي أخرج لأندية ودمدني كل من الفاضل سانتو وشيخ إدريس بركات والأسيد وغيرهم وفريق سانتوس الذي أخرج نجوم آخرين في عالم الكرة ، بينما كان فريق الأمل ببركات يشمل طلاب الثانوي وبقية الشباب من غير الطلاب وكان ندا في المباريات الودية التي تعيشها مدينة ودمدني ومنهم من تسجل بانديتها الكبيرة.
ونذكر أن ميدان الشهداء الواقع أمام مدرسة ودمدني الثانوية كانت تقام فيه إحتفالات ذكري ثورة اكتوبر من كل عام ، وذات مرة وبعد مرور عامين علي الثورة أي في 21 اكتوبر 1966م أقامت جبهة الهيئات بودمدني وهي تشبه التجمع الوطني الذي قاد إنتفاضة 5 ابريل 1985م ضد نظام الرئيس جعفر نميري ، أقامت تلك الجبهة إحتفالا كبيرا في ذلك اليوم ، حيث كانت جموع الطلاب من المدارس الوسطي ومدني الثانوية تطوف شوارع المدينة حتي شارع النيل تتقدمهم ما تسمي وقتذاك فرقة بوليس النيل الأزرق وهو الإسم القديم للإقليم الأوسط ، وقد كان يقود موسيقي البوليس العم الراحل (كودي) حيث كانت لديه مهارات فائقة في اللعب بالعصا التي يقود بها الفرقة ، بما في ذلك موسيقي القرب (من قربة) .
وفي المساء شهدت المدينة ذلك الحفل الوطني الثوري الكبير بميدان الشهداء حيث أضاءت الأنوار كل جوانب الميدان بالكشافات الكبيرة ، وقد إمتلأ الميدان منذ العصر بالجماهير حيث كان فنانو الحفل هم عملاقي الأغنية الوطنية محمد وردي ومحمد الأمين ، فصعد وردي في البداية ينشد قصائد الثورة حيث أنشد قصيدة (شعبك يا بلادي … شعبك أقوي وأكبر … مما كان العدو يتصور … الظلم عمره إتحدد … أيام أكتوبر تشهد … السكة الحالكة الماضية … تاريخك ما بتجدد … عهد فساد وإستبداد … الله لا عاد … يهدم صرح الوادي الأخضر يا بلادي) وقد قام بتأليف كلماتها وبتلحينها ايضا شاعر وملحن إبراهيم عوض المعروف (العميد م الطاهر ابراهيم) والذي سبق له أن أعطي وردي أغنية (حرمت الحب والريدة) في بدايات وردي الاولي . ثم أنشد وردي بنشيد أصبح الصبح ولا السجن ولا السجان باق ، والتي نظم كلماتها الشاعر الأفريقي السوداني الكبير (محمد مفتاح الفيتوري) الذي توفي ودفن بالعاصمة المغربية الرباط قبل عدة سنوات .
ثم ختم الحفل إبن ودمدني الموسيقار محمد الأمين لينشد بأعمال الأستاذ الشاعر وإبن ودمدني أيضا والصحفي الأكثر شهرة الراحل فضل الله محمد والذي عاصر ثورة اكتوبر وهو عضو بمجلس إتحاد طلاب جامعة الخرطوم حين كان طالبا بكلية الحقوق وتم إعتقاله مع بقية مجلس الإتحاد الذي كان يترأسه المرحوم مولانا حافظ الشيخ الزاكي رئيس القضاء الأسبق . أنشد محمد الأمين بصوته القوي الجهوري الذي ألهب به مشاعر الجماهير وقتها بنشيد (أكتوبر واحد وعشرين … يا صحو الشعب الجبار … يالهب الثورة العملاقة … يا مشعل غضب الأحرار … من دم القرشي وأخوانه … في الجامعة ارضنا مروية … من وهج الطلقة النارية … أشعل نيران الحرية … بارك وحدتنا القومية … وأعمل من أجل العمران) ثم أردفه بالنشيد الثاني من تأليف الأستاذ فضل الله محمد أيضا وعنوانه (الإنطلاقة) … والذي يقول فيه (المجد للآلاف تهدر في الشوارع كالسيول … يدك زاحفها … قلاع الكبت … والظلم الطويل) .. كما أن الإذاعة السودانية قامت بتسجيل ذلك الحفل وبثته ايضا علي الهواء مباشرة وقد أصبح يبث من وقت لآخر دائما في ذلك الزمان .
وهنا اتذكر حادثة غريبة جدا حدثت في ذلك الزمان ولها علاقة بالصراع السياسي بالسودان وهي انه حين قامت الحكومة الديمقراطية في نهاية العام 1965م وبواسطة الجمعية التأسيسية (البرلمان) بالتصويت بحل الحزب الشيوعي السوداني الذي كان قد حاز في اتتخابات دوائر الخريجين علي 11 مقعدا من مجموع 15 مقعدا وتم طرد نوابه من البرلمان اندلعت مظاهرات بالخرطوم وفي معظم المدن ضد هذا القرار وتكونت ماتسمي وقتذاك بهيئة الدفاع عن الديمقراطية فقد حدثت ظاهرة غريبة في مظاهرات ودمدني وهي انه قد قام شاب باشعال النار في نفسه بشارع الجمهورية واحترق وهو يهتف ضد ذلك القرار وحملوه الي المستشفي وقد فارق الحياة … ذلك الشاب لم نعرف حتي اللحظة اسمه او مكان سكنه … فكانت اغرب ظاهرة في الحياة السياسية السودانية وقد تناولتها الصحف المحلية والعالمية في ذلك الزمان .
واخيرا … ومع بداية العام 1970م وفي اليوم السابع من شهر مارس.. كان موعد امتحانات الشهادة السودانية لدفعتنا . وانتهت بذلك سنوات دراستنا بمدينة الاحلام ودمدني لنغادرها في يوليو من ذات العام الي الخرطوم لمواصلة دراستنا الجامعية ومنها الي دنيا الاغتراب خارج الوطن بعد التخرج .
وبالتالي فقد اصبحت علاقتنا بمدني عموما وببركات علي وجه الخصوص تنحصر في مواسم الاجازات والمناسبات المتعددة.
وايضا في الاعياد وفي احزان عيون الناس وفي الضل الوقف مازاد.
فتناكم بعافية … وفي أمان الله ،،،،،


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.