مظاهر العنصرية وخطاب الكراهية فى وسائل التواصل الاجتماعى اوجدت الحرب بيئة مهيئة لتصاعد خطاب الكراهية والعنصرية فى البلاد ، بالذات عبر وسائل التواصل الاجتماعى ، التى باتت تمثل منصات لنقل الاخبار والمقالات والتعليقات ، فازدحم الفضاء الاسفيرى بقلة مما هو صحيح من اخبار ذات مصادر معلومة ام الاغلبية فهى تعتمد على النقل العاجل ، والكتابات مجهولة المصدر ، التى تحمل فى طياتها اشارات ملغومة ، تارة محبوكة بدقة تفوت مقاصدها على الكثيرين فنجدهم ينقلون ويتداولون فى مجموعات الواتس المختلفة ما يتعارض واهدافهم التى يسعون لتحقيقها عبر تلك المجموعات.ً فيتم بث رسائل تزيد من الغبن الاجتماعى والانقسام المجتمعى بينما يسعى دعاة السلام لبناء الثقة وتٌبذل جهود مدنية مضنية من اجل وقف الحرب واعاد الحياة المدنية وحفظ حقوق المدنيين واولها الحق فى الحياة. القانون الدولى وخطاب الكراهية لقد تم تحديد المعايير الدولية بشأن مسالة (خطاب الكراهية) من خلال التوازن فى المادتين(19) و(20) من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، فتنص المادة (19) على الحق فى حرية التعبير ، ويشمل هذا الحق الحرية فى التماس المعلومات وتلقيها ونقلها، والتماس الافكار من جميع الانواع بصرف النظر عن الحدود . الا أن تلك الحقوق ليس مطلقة فتضع قيود بحيث يتم احترام حقوق الاخرين واحترام سمعتهم وتحظر المادة (20) أية دعاية للحرب بموجب القانون ، وتحظر اية دعوة الى الكراهية القومية او العنصرية او الدينية تشكل تحريضا على التمييز او العداوة او العنف. ماهو خطاب الكراهية وماهى سماته؟ . هو : الخطاب الذى ينطلق من موقف عنصرى وقبلى ضد مجموعات عرقية قبلية اثنية ثقافية او مهن معينة ، ويبرز بسبب عدم القبول بالاخر والتحقير له ولثقافته والسخرية منه ، يظهر ويخفت تبعا للخطاب السياسى وتلعب بعض الصحف دورا فى بث الكراهية بشكل مباشر او مستتر او بالتغاضى عن الخطاب ويعزز خطاب الكراهية الشعور بالكراهية تجاه الاخر وينجم عنه خطاب مضاد وياخذ نفس سماته ، مما يؤدى لاحداث انقسام فى المجتمع (حلقة نقاش فى مركز الالق للخدمات الصحفية خاصة باعداد كتيب عن خطاب الكراهية فى الصحافة السودانية 2016م) يتسم خطاب الكراهية بعدة سمات منها : الاستقطاب والتقليل او الترهيب من الطرف الاخر وغالبا ما تعتمد لغة الخطاب على وتميل الى الشقاق على حساب الاتفاق ، والاستهجان على حساب الاستحسان ، والترهيب على حساب الترغيب ، والتشوية والتعبيرات غير اللائقة ، والقسوة والخشونة على حساب اللين ، وهى لغة صدامية لا تهدف الى التوفيق او التوافق بل الى الانتصار ولو على حساب الاعتبارات الاجتماعية والانسانية ففى الصراعات والنزاعات يحتار اطراف الصراع او النزاع بين غاياتهم الشخصية والغايات الاجتماعية ، ولغة الكراهية هى لغة انفعالية ليس فيها مكان للعقل ولا فسحة للتثبت او التحقق من الوقائع دور الخطاب السياسى : ويلعب الخطاب الرسمى دورا اساسيا فى تهيئة الاجواء لخطاب سلمى انسانى ، او لاستشراء خطاب العنصرية والكراهية اذا اتسم بالعنف اللفظى وتبعه عنف مادى ضد الخصوم السياسيين وحلفائهم ، او من يقع تحت دائرة الشك فى لائه للسلطة ، فعندما تفجرت ثورة ديسمبر المجيدة ساد شعار قوى كان هو الابرز فى ساحة الاعتصام المدنى امام بوابة القيادة العامة بالخرطوم (يا عنصرى ومغرور كل البلد دارفور) وادى ذلك لنقلة كبيرة على المستوى المجتمعى ، وهيأ المجال لخطاب اعلامى يدعم عملية السلام الاجتماعى ، وساعد ذلك على قيام مبادرات مجتمعية لدعم المواطنين فى الجنينة على اثر نزاعات دامية والتضامن مع اعتصامات فى محليات نيرتتى ، فتابرنو وغيرها . وحدث تحول ايجابى على مستوى الخطاب الرسمى ابان الفترة الانتقالية داعم للسلام ، واصبح هناك مناخ سياسى ايجابى يساعد على تحقيق السلام نتيجة لعدة عوامل منها اتاحة حرية التعبير والتنظيم وبداية مفاوضات السلام واصبحت قضية الحرب والسلام محل نقاش وتحليل كل القوى السياسية والمدنية بمختلف توجهاتها. الحرب واستشراء خطاب الكراهية الا أن الاجواء السياسية تسممت عقب انقلاب اكتوبر2021م وتدهور الخطاب السياسى وتصاعد العنف فى الحياة السياسية باندلاع حرب ايريل 2023م فسادت لغة عنيفة بين اطراف الحرب ، وصلت حد تبادل الاتهامات بالخيانة والارهاب ، وظهرت نعوت الطابور الخامس والخلايا النائمة ليتم اطلاقها دون حسيب او رقيب على من يتم تصنيفهم انهم حلفاء طرف من اطراف الحرب ، وافسح ذلك المجال لخطاب كراهية ينطلق من صفوف المواطنين تجاه بعضهم البعض عبر وسائل التواصل الاجتماعى . حيث يتم حاليا الترويج لرسائل مجهولة المصدر تتضمن الدعوة الى تسليح المواطنين بدعوى حماية مناطقهم وولاياتهم ، مع تهديد السلطات بتنفيذ قوانين الطوارئ بيد المواطنين اذا لم تتم الاستجابة لدعوتهم بالتسليح ، أى أن يقوم المواطنون بمداهمة المشتبه بهم ومداهمتهم والقبض عليهم ، وذادت وتيرة هذه الرسائل بعد توسع الحرب لولاية الجزيرة ، والملاحظ ان الفئات المستهدفة من الرسائل شملت : اسواق التعدين والمعدنيين فى الولاية الشمالية ، المستأجرون الافراد فى مدينة مدنى بالذات من يدفعون مبالغ كيرة للايجار .. ومن يُشتبه بانهم يشكلون تهديد امنى فى مناطق السكن والاحياء ، ورسائل اخرى توسع دائرة المُشتبه بهم لتشمل مناطق سكنية معينة والباعة الجائلين واصحاب الدرداقات والعاملات فى مجال بيع الشاى والاطعمة ، ويتم اطلاق صفات عليهم مثل اوباش ، مخربون ، مندسون وخونة ، خلايا نائمة ، متمردون ، طابور خامس . وتتصف هذه الرسائل بالتعصب الحاد للولاية والمنطقة . والمدينة ، والانتماء اليها يفوق الانتماء للوطن ، ويتم تبريرها بالدفاع عن الشرف والعرض وحماية النساء من الاغتصاب ، لدرجة التهديد بتصفيتهن فى حالة الشعور بالعجز عن حمايتهن من الاغتصاب! وبدعوى حماية الولاية والمنطقة من الوافدين مع الدعوة لارجاع كل مواطن لولايته. هذه الرسائل لايمكن التعامل معها اوقبولها باعتبارها حق من حقوق التعبير ، لان هذا الحق مرهون بحماية واحترام حقوق الاخرين ، فخطورة هذه الرسائل مجهولة المصدرة انها تعتمد لغة عنيفة ، تجاه مجموعات من المواطنين والمواطنات تحمل اتهامات تضعهم فى دائرة الشك والمحاصرة والاتهام ، وتجعلهم عرضة للخطر الناجم من خطاب يتسم بالكراهية وعدم قبول الاخر ، ويحمل فى طياته الاستهانة باعمالهم وحياتهم ، مما يجعلهم وبشكل جماعى دون حماية من التعدى عليهم وحرمانهم من الاستقرار والسكن وعرضة للترحيل القسرى والمطاردة لمجرد وجودهم فى الاسواق او مواقع عمل او سكن قدموا اليها من مناطق اخرى ، ويقود كل ذلك الى عدم الثقة بين المواطنين والشك والحذر من بعضهم البعض ، والاسوأ ان البعض قد يقدم على افعال عنيفة ضد الفئة المستهدفة لدوافع مختلفة وباستغلال حالة السيولة الامنية السائدة بسبب الحرب ، وغياب الشرطة والمؤسسات القانونية والعدلية ، مما يفسح المجال لظهور كنتونات سكنية ذات اغلبية من عرق او اثنية محددة من المواطنين وحرمان غيرهم من السكن والعمل بها ، مما يهدد بتعميق الانقسام المجتمعى ومخاطر الحرب الاهلية على اساس عرقى او اثنى . ان الرسائل التى تدعو للكراهية والعنف ليس مجرد رسائل عابرة يتم تداولها بين مجموعات التواصل الاجتماعى وانما لها اهداف مضادة لمساعى وقف الحرب وتحقيق السلام والاستقرار وتعزيز وحدة الوطن مما يستدعى متابعتها وكشفها وتعرية اهدافها. كاحد اليات مناهضة الحرب والعمل على وقفها فورا ودون شروط.