في صفحات التاريخ، يتكشف التحول من الديكتاتورية العسكرية إلى الديمقراطية كحكاية تجتاح، على شكل إراقة الدماء والصراع الأهلي والانقسام الوطني. تنتصر بعض الدول، وتنسج نسيج الديمقراطية من خلال المصالحة الوطنية، في حين أن البعض الآخر يتذوق ثمار الفشل المريرة، ويصارع الانقسام والاضطراب. قراءه التاريخ والتجارب الانسانيه مهمه لاستخلاص العظه والعبره. أحد الأمثلة البارزة هو جمهورية جنوب أفريقيا، حيث شهدت نهاية الفصل العنصري انتقالا من ماضي مضطرب من القمع العنصري. لعبت لجنة الحقيقة والمصالحة، بقيادة رئيس الأساقفة ديزموند توتو، دورا محوريا. وفرت اللجنة منصة للضحايا والجناة لمشاركة قصصهم، وتعزيز الفهم الجماعي للماضي. أصبح الالتزام بالاعتراف بالأخطاء واحتضان المصالحة حجر الزاوية لإنشاء جنوب أفريقيا موحدة وديمقراطية. في كوريا الجنوبية، جلبت الثمانينيات الحكم العسكري والاضطرابات المدنية. تركت انتفاضة غوانغجو عام 1980 ندوبا، مذابح واغتصابات بالالاف، ولكن جهود المصالحة الوطنية الصادقة مهدت الطريق لديمقراطية قوية. وبالمثل، فإن انتقال البرازيل من الحكم العسكري في الثمانينيات يسلط الضوء على قوة المصالحة، وتعزيز الحكم الشامل. علي النقيض تماما تجد احد الأمثلة التاريخية المؤثرة لأمة شابها انقسام عرقي دموي وصراع على السلطة طال أمده هو يوغوسلافيا. طوال أواخر القرن العشرين، واجه هذا الاتحاد المتنوع والمتعدد الأعراق توترات متصاعدة بين جمهورياته التأسيسية، تغذيها المظالم التاريخية والحماس القومي. بلغ الصراع على السلطة ذروته في سلسلة من الصراعات الوحشية، وعلى الأخص خلال التسعينيات، حيث انحدرت يوغوسلافيا إلى فترة مروعة من العنف العرقي والنزاعات الإقليمية. وسط هذا الاضطراب، تجزأت الأمة التي كانت متماسكة ذات يوم على أسس عرقية، مما أدى إلى ظهور دول مستقلة مثل كرواتيا والبوسنة والهرسك، وفي نهاية المطاف كوسوفو. أودت الحروب اليوغوسلافية بحياة الآلاف وشردت الملايين، تاركة وراءها منطقة ممزقة ذات ندوب عميقة. إن تفكك يوغوسلافيا بمثابة تذكير تاريخي صارخ بالعواقب الكارثية عندما تترك التوترات السياسية والعرقية دون رادع، مما يؤدي إلى التفكك العنيف لبلد كان موحدا في يوم من الأيام. وعلي نفس الصياغ يتجلي مسار أفغانستان من دولة مزدهرة ومتقدمة إلى منظر ملوث بالانقسام العرقي الدموي والصراعات السلطوية الطويلة في قصة مؤثرة للتحول. في منتصف القرن العشرين، عاشت أفغانستان فترة من الاستقرار والتقدم تحت حكم الملك ظاهر شاه. خلال هذه الفترة، أصبحت كابول مركزًا للتحديث، حيث شهدت إصلاحات تعليمية وتطوير البنية التحتية، وازدهارًا ثقافيًا. ومع ذلك، تحول المشهد الجيوسياسي بشكل جذري مع الغزو السوفيتي في عام 1979، مشعلاً سلسلة من الأحداث التي ستغيّر مصير أفغانستان لخمسين سنه لاحقه. المقاومة اللاحقة ضد الاحتلال السوفيتي، بدعم من جهات خارجية، أدت إلى نزاع مدمر لم يكن ذلك فقط يفرغ موارد البلاد، ولكنه أيضًا أشعل التوترات العرقية القائمة في البلاد. مع تنافس الفصائل المختلفة على السيطرة، أصبحت أفغانستان ساحة لمصالح تتنافس، حيث تورطت مجموعات عرقية مثل البشتون والطاجيك والهزارة في صراع دموي من أجل الهيمنة. انزلقت البلاد إلى فترة طويلة من عدم الاستقرار، مميزة بظهور حركة طالبان. هذه الرحلة المضطربة أدت في نهاية المطاف إلى تجزئة أفغانستان على طول خطوط عرقية، تاركة وراءها إرثًا من العنف والانقسام الذي يستمر في تشكيل مصيرها في القرن الواحد والعشرين. صراع السلطه الحالي بين الجيش والدعم السريع اوصل البلاد الي نقطه قد لا تكون بعدها رجعه في هتك النسيج الاجتماعي السوداني واحداث التشققات القبليه. في المشهد المضطرب في السودان، من المحبط أن نشهد كل من الفصائل السياسية اليمينية واليسارية التي تدعي الحكمه والرؤيه والبصيره تشارك في سعي لا يتزعزع بمزايدات سياسيه وتحقيق مكاسب قصيرة الأجل وانتصارات أيديولوجية، تمارس ما عهدناه عليها بالمشاركه في منافسة غير واقعية مماثلاً للعزف على الآلات في حين تلتهم النيران روما. الحقيقة جليه للجميع ان هذا الصراع الحالي على السلطة الذي لم ولن يحسم عسكريا يمثل اخطر تهديد لوحدة ومستقبل السودان، ومع ذلك تستمر الأحزاب السياسية في خطابها وأفعالها العدوانية، ويبدو ان حسابات انتصارها السياسي واقصاء الطرف الاخر أعمى عن التقسيم المحتمل والخسارة التي لا يمكن إصلاحها. من الأهمية بمكان أن تتوقف هذه الأطراف وتفكر في العواقب الأوسع لسعيها الدؤوب للانتصارات السياسيه، لأن أفعالها قد تسهم في محو اثار البلد نفسه الذي تدعي أنها تمثله وتبكي علي ترابه و سيادته. في مواجهة حرب الكل علي الكل التي تلوح في الأفق وخطر التفكك الوطني، تصبح الدعوة إلى العقل والحوار حتمية. قد تكون هذه الحرب فرصه ذهبيه للتقارب وتوحيد الرؤي للخروج من عنق الزجاجه. الجميع اذنب تاريخيا في حق هذا الشعب وشارك بصوره او باخري لما الت له الاحوال اليوم بالفعل او القول او التخاذل. يجب على كل من الفصائل السياسية اعلاء مصلحه الوطن وبقاءه على الانتصارات السياسية الفورية والعداوات التاريخيه. هناك حاجة إلى بذل جهود تعاونية وفهم وتسوية للتنقل في تعقيدات الأزمة الحالية. لقد حان الوقت لهذه الفصائل لتنحية خلافاتها الأيديولوجية ومرارات الماضي جانبا وأن يتفقو على إطار أدنى يمكن من التعاون. يتطلب هذا مستوى من التسوية ورؤية مشتركة لسودان تعددي مستقر وموحد. من خلال التوفيق والاعتراف بأخطاء الماضي، وإقامة مسار تعاوني آني علي حد ادني من الرؤي المشتركه وعدم الاقصاء، ومحاسبة الجناة مستقبلا، يمكن لهذه الأحزاب السياسية مجتمعه ان تؤدي واجبها التاريخي ولو لمره تجاه هذه الامه المكلومه و تخرج بالسودان الي بر الامان قبل ان يتهدم المعبد علي الجميع.