بالصورة.. "حنو الأب وصلابة الجندي".. الفنان جمال فرفور يعلق على اللقطة المؤثرة لقائد الجيش "البرهان" مع سيدة نزحت من دارفور للولاية الشمالية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    القادسية تستضيف الامير دنقلا في التاهيلي    تقارير تتحدّث عن قصف مواقع عسكرية في السودان    بمقاطعة شهيرة جنوب السودان..اعتقال جندي بجهاز الأمن بعد حادثة"الفيديو"    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالفيديو.. عودة تجار ملابس "القوقو" لمباشرة البيع بمنطقة شرق النيل بالخرطوم وشعارهم (البيع أبو الرخاء والجرد)    شاهد بالصور.. "سيدا" و"أمير القلوب" يخطفان الأضواء على مواقع التواصل السودانية والمصرية بلقطة جميلة والجمهور: (أفضل من أنجبتهم الكرة العربية)    مانشستر يونايتد يتعادل مع توتنهام    ((سانت لوبوبو الحلقة الأضعف))    شاهد بالصورة والفيديو.. حكم راية سوداني يترك المباراة ويقف أمام "حافظة" المياه ليشرب وسط سخرية الجمهور الحاضر بالإستاد    شاهد بالصورة والفيديو.. ناشطة سودانية حسناء: (بحسب قرار ترامب الجديد قد تُمنع من دخول أمريكا إذا كنت سمين أو ما بتنوم كويس)    شاهد بالفيديو.. مودل مصرية حسناء ترقص بأزياء "الجرتق" على طريقة العروس السودانية وتثير تفاعلا واسعا على مواقع التواصل    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    وقفة احتجاجية في أديلايد ولاية جنوب استراليا تنديداً بالابادة الجماعية والتطهير العرقي في الفاشر    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    شاهد بالفيديو.. "بقال" يواصل كشف الأسرار: (عندما كنت مع الدعامة لم ننسحب من أم درمان بل عردنا وأطلقنا ساقنا للريح مخلفين خلفنا الغبار وأكثر ما يرعب المليشيا هذه القوة المساندة للجيش "….")    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بالصور.. أشهرهم سميرة دنيا ومطربة مثيرة للجدل.. 3 فنانات سودانيات يحملن نفس الإسم "فاطمة إبراهيم"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    وزير المعادن: المرحلة المقبلة تتطلب رؤية استراتيجية شاملة تعزز استغلال الموارد المعدنية    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    إعفاء الأثاثات والأجهزة الكهربائية للعائدين من الخارج من الجمارك    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    صحف عالمية: تشكيل شرق أوسط جديد ليس سوى "أوهام"    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى ميدان التحرير وثورة 25 يناير المصرية المجهضة .. أحكي لكم: قصة قصيرة/ الزنزانة رقم 30 / 6
نشر في الراكوبة يوم 25 - 01 - 2024

أنا ألآن ، داخل الزنزانة رقم : 30 / 6 ، فات زمان ، لم أعد أذكره : طويلاً كان ، أم قصيراً .. لست أدري . ماأدريه فقط .. ما أعلمه فقط .. أننى ظللت طيلة هذه المدة ، التى لا أعرف مداها .. أتلقى عدداً لا يحصى من الوجبات .. (هكذا سمعتهم ، يسمونها ) . الخفيف منها ، والثقيل ..المتنوعة ، والمتجددة : في الشكل واللون . لا تظنوا بي الظنون ، فهى ليست تلك الوجبات التى يسيل لها اللعاب ، وإنما هى تلك الوجبات ، التى تسيل فيها الدماء ، دمائي أنا .. أعني !! .
والآن .. وأنا أسجل لكم في مدونتي .. ( لا تندهشوا كثيراً ، نعم مدونتي ) . . تجدونني ، قد خرجت من إحدى تلك الوجبات . أنا الآن غارق في دمائي .. لا تسألوني كيف كان شكل الوجبة ، التى ناولوني إياها ، طعمها .. لونها .. وشكلها . لا تتعجلوا ، هذا ما سأحدثكم عنه لاحقاً – فقط : انتبهوا معى .. أنا الآن أو بالأحرى قبل لحظات ، ضغطت على زر التشغيل في حاسوبي .. وأنا الآن أشتغل على مدونتي ، كما تلاحظون .. كيف ذلك ؟؟ .. صبراً ، أنتم دائماً متعجلون !! سوف أقول لكم أصدقائي , بشرط أن لا تفغروا أفواهكم دهشة ، فالمسألة في غاية البساطة : أنا أحمل حاسوبي , داخل دماغي .. ألم أقل لكم ألا تفغروا أفواهكم دهشة ، و أحمده تعالى ، رغم الوجبات المتكررة والعنيفة .. إلا أنهم حتى الآن لم يستطيعوا إختراق دماغي .. بعد !! .
سأتوقف عن التسجيل في مدونتي . كى أتجول في صفحاتكم ، على الفيسبوك ، عساي أجدكم عليها .أعرف عنكم ، أنكم أدمنتم ( مثلي ) حواسيبكم ، حتى ربما ، تكونوا خزنتموه ( مثلي تماماً ) في أدمغتكم ، لاستخدامه عند الضرورة .. خاصة إذا شرفتم ، الزنزانة رقم : 30 / 6 ، قطعاً سيساعدكم ذلك ، على تحمل تلك الوجبات .. الخفيف منها ، والثقيل .. لا تظنوا في أنفسكم الظنون .. فهى ليست تلك الوجبات التى يسيل لها اللعاب .. وإنما تلك الوجبات التى تسيل فيها الدماء .. دماؤكم أعني .. !! .
من المستغرب عدم تواجدكم على صفحاتكم ، في الفيسبوك ، في هذه اللحظة التى احتاجكم فيها .. أين تكونون في هذه اللحظة .. ياترى ؟ ربما أنتم الآن في الميدان .. أو ربما أنتم في حالة بحث دائم عني .. فقد وصلني تضامنكم معي .. قرأت نداءاتكم ، لإطلاق سراحي ، في كافة مواقع التواصل الاجتماعي .. أنا أُثمن ذلك كثيراً ، ولكن حذار ، لن تجدوني في كل الأمكِنة الممكنة .. فأنا في المكان غير الممكن !! .
ولحين ظهوركم .. سوف أغلق حاسوبي مؤقتاً ، لكي اُلملِم شتات نفسي و جسدي .. وأجفف ما علق بِكافة أطرافي من دماء .. وجراح .. !!.
إليكم الآن أعود ، بعد أن ضغطت على زر التشغيل ، في حاسوبي ، مرة اخرى . فأنا شغوف ، بل ومتلهف للقائكم .. ولكن ويا أسفي ، أنتم لستم هناك ، أنتم لا تواجد لكم في صفحاتكم ، على الفيسبوك .. يا تُرى ماذا يجري خارج هذه الزنزانة اللعينة ؟؟ .. لا أظُنني أدري ، ما أدريه فقط إنني غارق في دمائي !! .
دعوني إذن أذهب بحثاً ، في بريدي الإلكتروني .. أرغب فى مُراسلة شاهيناز ، سأنتظر حتى ترُد ، ثم بعدها أعود لأواصل معكم في مدونتي . أعرف أن ردها سيبعث الحياة في داخلي ، ويريحني من هذا العناء الذي لا يُحتمل ، في عُزلَتي هذه غير المجيدة . لا.. رد ، سأدعم الرسالة بِأخرى .. عسى ولعل . أنتظر بفارغ الصبر ، ردك العاجل يا شاهيناز .. أنتظر لا زلت . انشغلت بعدها للحظة ، بتجفيف بعض الدماء ، التى تدفقت فجأة ، حيث شعرت ببرودتها ، تلسع ظهري .. بقساوتها !!.
عدت إلى شاهيناز مرة اخرى ، ولكن .. لا رد . هذه الزنزانة اشتددت برودتها ، هذا شتاءٌ قاسٍ ، لا يرحم .. وأنا دون غطاء أتدثر به . أين تكونين الآن يا شاهيناز ..ربما تبحثين عنى أنت أيضاً مع الآخرين ، لا ترهقوا أنفسكم كثيراً ، فهم لن يجعلوكم تتعرفون على مكاني . لقد سمعت أحدهم ، بأُذني هذه – التى لا أحس بوجودها في مستقرها المعتاد – يقول لي : الداخل هنا مفقود ، والخارج مولود .. وأجزم أننى من المفقودين !! .
سامحيني شاهيناز ، سامحوني أصدقائي ، فأنا أثرثر الليلة كثيراً .. ربما بحثاً عن الأمان المفقود ، أو ربما بحثاً عمن يشعرنى بأنى موجود لا أزال .. ولحين تلَقَي رد شاهيناز .. سوف أسرد لكم سريعاً ( بعد عودتي إلى مدونتي ) كيف التقينا أنا . و .. شاهيناز !! .
كنا جميعُنا – وهذا طبعاً معلوماً لديكم – حين تشاركنا على صفحاتنا في الفيسبوك : التقينا ، حين التقت أفكارنا .. أصبحنا نتبادل المعلومات : ارتقينا .. فتبادلنا المُقترحات : تطورنا .. فانتقلنا .. للتخطيط ، ومن ثم .. التنفيذ . حتى أوصلنا كل ذلك إلى الميدان . . ومن ثم التحرير . كل ذلك تعلمونه .. ولكن ما لا تعلمونه .. سأحكيه لكم الآن :
ففى أحد الأيام العاصفة . وكنت مكلفاً حينها ، بمهمة التنظيم و المراقبة ، في أحد أركان الميدان ، حين لمحت أحدهم ، وهو يهم بالتحرش ، بإحدى الفتيات ، بصورة واضحة .. بل فاضحة ، هرولت مسرعاً نحوه : وصلتهُ ، إنتهرتهُ ، زجرتهُ ، بل هممتُ بضربه .. لولا أنه اختفى عني ، وسط الجموع . وأظنها التفتت نحوي لتشكرني ، على ما فعلت ، وتذهب في طريقها . إلا أنه وفى تلك اللحظة بعينها ، ظهر صديقنا ( ناجي ) .. الذى فيما يبدو أنه لحق بى , حين لمحنى أهرول ، إلى هذه الجهة من الميدان ، ولدهشتي حين وصوله ، لم يلتفت ناحيتي ، وإنما إلى جهة الفتاة ، منادياً : شاهيناز .. !! . حينها ارّتجت كل أطرافي ، عند سماعي لاسمها . ثم بعدها التفت ناحيتي ، ممازحاً .. ( إيه الشهامة دي كلها يا سي حمدي ) . وأظنها أيضاً ، ارّتجت كافة أطرافها عند سماعها لاسمى .
رددت مندهشة :أنت حمدي .. !!
رددت مندهشاً : أنت شاهيناز..!!
أنا أعرفكم .. أصدقائي ، أنتم جد فضوليين ، تودون معرفة أسباب هذا الاندهاش .. صبراً ، سوف أخبركم :
حين تشاركنا ، صفحاتنا في الفيسبوك ، كنا أنا وهي ، الأقرب لبعضنا بين المجموعة .. كانت أفكارنا ، وإن لم تكن متطابقة ، فهى متقاربة .. وكثيراً ما توافقنا في الآراء والمقترحات ، دون تعمد من جانبي ، ودون قصد من جانبها .. وأدى ذلك إلى التقارب فيما بيننا . انعكس ذلك ، على تواصلنا عبر البريد الإلكتروني ، وهى خطوة للتعارف أكبر – كما تعلمون – ورغم ذلك لم نلتق أبداً ، وجهاً لوجه ، إلا فى هذه اللحظة .. لحظة اكتشافنا الحقيقي لبعضنا ، وليس اكتشافنا الافتراضي لبعضنا ، ومن وقتها لم نفترق أبداً .. أعنى في حدود الميدان !!.
أعرف : أصدقائي .. أننى لم أشبع فضولكم بعد ، تسألوني .. إلى أى حد وصلت علاقتنا ، أقول لكم .. مرة اخرى : لم تتعدى حدود الميدان ، مع كثير من المشاعر الطيبة التى نكِنُها لبعضنا : أعرف أنا .. وتعرف هي ، أن هناك عائق كبير يقف بيننا ، اكتشفناه صدفة .. !!.
تجمعنا يوماً ، للتوقيع على مذكرة ، كنا ننوي رفعها لإحدى الجهات الحقوقية ، سبقتنى هي إلى التوقيع ، لأول مرة سجلت اسمها كاملاً أمامي ( شاهيناز احمد البدري ) .. دعتني بعدها للتوقيع ، سجلت اسمي كاملاً (حمدي يوسف حنا ). تبادلنا نظرات تائهة ، لا معنى لها ، في اليوم التالي ، تبادلنا الرسائل .. !! .
كتبتُ أنا : سأجيء بي ، إليك .. لنلتقي .
كتَبت هى : لا.. سأجيء بي أنا ، إليك .. لنلتقي .
كتبت أنا : ربما يجئ بى وبك .. إلينا ، الميدان .. لنلتقي .
وحين التقينا فيما بعد .. ضحكنا معاً بحزن .. حتى طَفَرَ دمُعنا .. لهذا المستحيل المُمكن . وواصلنا عملنا فيما يخص الميدان .. !! .
وأواصل الآن ، البحث في بريدي ، عن رد من شاهيناز .. ولكن ، أيضاً لا رد ، ازداد قلقي عليها ، وعلى الآخرين ، ولكن ماذا في يدى لأفعله . فقط سأهرب من قلقي هذا ، بالتجوال في بريدي المتراكم من قديم ، فأنا لا أحذف من بريدي إلا ذاك الذي لا يعنيني .. !!.
أفتح أحدَثُها .. هذه رسائل من شاهيناز ، وأخرى منكم أصدقائي ، وأكثرها فيما يخص الميدان . دعوني أتجاوزها ، وأعبُرها إلى الرسائل الأقدم .
استوقفتني رسائل صديقنا " عبد الهادي" ، تذكُرونه .. كان من ضمن مجموعتنا ، إذن .. لأتجول في رسائله ، عساها تخفف عني هذا الصمت القاتل ، وقد تجدونها مفيدة لكم ..أظن ، كما هى مفيدة لى حتماً .. وأنا ، داخل الزنزانة رقم : 30 / 6 ..!! .
رسالته الأولى : وهى عبارة عن حوار مطول ، أجراه أحد الكُتّاب ، مع أستاذ جامعي بدرجة ( بروفسور ) ، كان معتقلاً سابقاً وهو حتماً ، قد زار الزنزانة رقم 30 / 6 . حيث تم تعذيبه بواسطة ، تلميذه سابقاً ، وزميلهُ لاحقاً ، حتى إحالته للصالح العام – وهى تسمية غير مُعلنة – للتمكين . فهم قد سبقونا إلى الزنزانة رقم : 30 / 6 . وإن طال زمن مكوثهم فيها ، فحراس هذه الزنزانة ، من عادتهم أن : يتدثروا .. ثم يتمسكنوا .. حتى يتمكنوا .. ويا خوفى لو تمكنوا ..!! . دعوني " بعد إذنكم " أن تسمحوا لى بوقف التسجيل مؤقتاً في مدونتي ، غرضي البحث : عنكم .. وشاهيناز كذلك . ولكن ايضاً (لاحِس .. لا خبر ) ..وحتى شاهيناز لم أجد لها رداً على بريدي الإلكتروني . مالها .. هذه الليلة المشؤومة , تزيدني ألماً على ألمي . إذن دعوني أعود إليها " أعني مدونتي " فهي على الأقل ، لازمتني في وحدتي هذه الموحشة ، في حين اختفيتم عني ، عند الحاجة إليكم ، وهى حاجة ماسة .. تعلمون . إذن أعود لأكمل لكم ذلك الحوار الذى أخبرتكم عنه ، و أنا صراحة لا أدري إن كنتم تقرأوني الآن ، أم أنتم في شغل شاغل .. عني .!!
ولأنه حوار مطول سأرسله لكم على بريدكم الإلكتروني ، لأن مدونتى لا تسعه . وإذا رغبتم فيه كاملاً ، أبحثوا عنه بطريقتكم ، أما هنا في مدونتي ، سأكتفي ببعض منه . . فإليه :
س : ( أخبرنا عن مأساة المعتقل " بدر الدين " ؟ )
ج : ( تعرض ذلك الشاب " بدر الدين " لتعذيب لا أخلاقي ، شديد البشاعة ، ولم يطلق سراحه ، إلا بعد أن فقد عقله . قام بعدها بذبح زوجته ووالدُها ، وآخرين من أسرته ) .
رسالته الثانية : ( جلد فتاة في الطريق العام ) .. وهي رسالة .. عبارة عن فيديو في اليوتيوب .. فقط أنبه الزميلات آلا يشاهدنه .. حتى لا يُصبن بالغثيان .. !!.
رسالته الثالثة : بعنوان ( الحكم بالجلد ، على صحفية ، بتهمة ارتداء البنطلون ) .
وأنتم " أصدقائي " تجولوا تحت هذا العنوان ما شاء لكم الوقت ، فقط تَجلَدوا بالصبر ، حتى لا يُحكم عليكم بالجلد ، لعدم الصبر. فقط أٌنبه الزميلات ، بتحسس مؤخراتهن ، لأنه قد يأتى عليهن اليوم ، الذى تطالهن فيه ، هذه العقوبة ، ما دمن يتحركن مازلن ، ببنطلوناتهن الجينز ، وهن يتبخترن بها ، متفاخرات .. !! .
رسالته الرابعة : هذه الرسالة من صديقنا " عبد الهادي " عبارة عن كاريكاتير لخارطة بلاده ينزف نصفها الآسفل .. دم أحمر . وأُرفق معها هذه الأسطر ، نقلاً عن قاص حجب إسمه :
( تحمل الأم الأولى ، نصفها .. ال – يقطر دماً .. وتنطلق .
تحمل الأم الثانية ، نصفها .. ال – يقطر ? دماً ..وتنطلق .
وقد تصادف ، أن كانت هُنالِك :
أم ثالثة ، تأخرت .. فقط .. عن الحضور . )
و .. يا للرعب ، الذى تملكني ، وقد تخيلت بعض أجزاء منا .. تنزف دماً .. أحمر .. قاني ..!!.
رسالته الخامسة : أصدقائي ، هذه الرسالة لها وقع خاص ، أذكُر أنه عاتبنا حينها ، على موقفنا المُحزن والمُخجل .. كما قال ، حين تحدث عن " مجزرة مسجد مصطفى محمود " وأنه لم يجِدُنا عند حدوثها . والحق يقال ، أننا لم نسمع بها ، الا من رسالته تلك . ربما يكون عُذرنا " وهو أقبح من الذنب " أننا كنا حينها " كلنا " لا ندري ما يدور حولنا . ولما لم نجد ما نقوله . أرسل لي على بريدى الإلكتروني ، رسالةز غاضبة . تعرفون ماذا كتب !! . " أرسِلوا لنا جثث القتلى حتى نواريها الثرى بمعرفتنا .. فأنتم ربما لا تجيدون ذلك .. أو : "ربما لا ترغبون في ذلك .. !! " وبعدها انقطع عنا ، ولم يَعُد إلينا إلا بعد أن وصلنا الميدان . أذكر يومها كانت أول رسالة لي ، كتب فيها .. " أنتم السابقون ، ونحن اللاحقون " ونَسِيَ أنهم فعلوها قبلنا مرتين ..كما ونَسِيَ أننا تعلمنا أخيراً .. الكثير .
بعدها أرسل لي رسالة غامضة . سأبحث عنها في بريدي الإلكتروني . فقط بعد أن أبحث عنكم .. وشاهيناز . و إن لم أجدُكم .. وأجدها ، عدت أدراجي ، الى مدونتي .
رسالته السادسة : هاهي .. لقد وجدتها .. سأدوِنُها لكم الآن : – الرسالة – ( عسكر و حرامية ) هكذا وصلتني ، دون تعليق ، وحتماً صديقنا عبد الهادي لا يعني لعبة الأطفال .. تلك البريئة ، إنما قطعاً كان يعني ، لُعبة الكبار المُدمرة ، التى يُمارس فيها ، الطرفين لعبة القتل المجاني .. على الآخرين . فقد فهمت معناها في حينها ، ووصلني مغزاها : تذكرون أصدقائي ، حين احتدمَ الخلاف بيننا ، وكان الإصرار من جانبكم على عصّرِ مِعدَاتِكُم ، وكان الإصرار من جانبي ، ومعي شاهيناز – بعد أن اقتنعت برائي – أن لا نعَصِر مِعداتُنا : لا .. لهذا . ولا لذاك .. ربما لهذا السبب أنا هنا ، داخل الزنزانة رقم : 30 / 6 .. !! .
وقبل أن أواصل تجوالي في رسائل – صديقنا عبد الهادي – تأتيني الآن .. أصوات أقدام متعددة .. ومتعجلة ، تتحرك خارج الزنزانة – اسمحوا – لي الآن : سوف أضغط على عجل .. زر الإغلاق في حاسوبي ، لاستجلي الأمر , ربما هي وجبة جديدة ، تسيل فيها الدماء .. وليس اللُعاب .. !! .
أعِذروني أصدقائي لقد تأخرت عليكم كثيراً .. لقد عُدت الآن فقط ، ليس محمولاً على الأكتاف .. إنما مسحولاً على الأرض الصلبة .. أنا الآن في غيبوبة تامة .. أحس بأن أعضائي قد فارقت جسدي .. لقد أخذوا جسدي .. دون أعضائي . لقد سرقوا كامل جسدي .. ورغم ذلك .. سأحرك إصبعي الذى وجدته .. لا زال يعمل .. من بين كافة أعضاء جسدي . أضغط به على زر التشغيل في حاسوبي : يا فرحي .. !! . أخيراً .. قد وجدتكم أصدقائي .. أنتم متواجدون على صفحاتكم في الفيسبوك .. ولكن ماذا أرى ؟؟ .. حروفكم المصفوفة أمامي ، أقرأها بصعوبة .. ( استشهاد الناشطة شاهيناز احمد البدرى) : لا .. لا .. حاسوبي لا يعمل .. حاسوبي ليس معي .. لقد اخترقوا حاسوبي . حاسوبي في دماغي .. لهذا اخترقوا دماغي .. لقد أخذوا مني جسدي .. و تركوني عارياً دون جسدي .
***
تنبيه : الرسائل في القصة : عناوين حقيقية يمكن متابعتها على مواقع التواصل الاجتماعي .
عمر الحويج
مارس / 2013م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.