تأكّد مقل يحيي ديلو دجيرو على يد الحرس الجمهوري التشادي، هو توصيف حزبه المعارض، وهو ابن عم الرئيس الانتقالي للبلاد محمد إدريس ديبي، بعد أسبوعين من انضمام صالح ديبي إلى حزب القتيل المعارض، الأخير عم الرئيس محمد كاكا، وهو رهن الاعتقال بسبب تداعيات السباق الرئاسي، المقرر إجرائه شهر يونيو القادم. مقتل يايا أو يحي ديلو تصادف مع ذات اليوم الذي قتلت فيه والدته قبل 3 سنوات، عندما أدى خلاف عائلي في 28 فبراير 2021 إلى محاصرة قوات الأمن منزل ديلو بأوامر من الرئيس السابق إدريس ديبي، وخلال تبادل إطلاق النار، قُتلت الأم. إذا، الأسرة الحاكمة في تشاد، دخلت مرحلة كسر العظم، بسبب التنافس على السلطة، وهو أمر ليس مستغرباً على تاريخ العائلات الحاكمة عبر التاريخ. * فتنة المأمون والأمين في صراعهما على السلطة، تمكّن المأمون الأبن الأكبر للخليفة هارون الرشيد من الانتصار على أخيه الأمين وصار خليفةً للدولة العباسية، ولكن من خرسان وليس من بغداد. والدة الأمين هي "زبيدة بنت جعفر بن المنصور" بينما والدة المأمون جارية فارسية تُدعى "مراجل". وكان الوزيران اللذان أردا الأخوين غير الشقيقين مورد الهلاك، هما الفضل بن سهل سند المأمون، والفضل بن الربيع ووزير الأمين، فهما فضلين لا فضل لأحدهما. ويتخلص سبب الفتنة في عدم إنصاف هارون الرشيد لأبنه المأمون الذي يكبر أخيه الأمين بستة اشهر، وتدخل النساء، وممارسة العنصرية. * براغماتية ودموية "قانون نامة" العثماني ورد في متن هذا القانون "يُمكِن لأي من أبنائي، الذي سيهبه الله السلطنة، أن يتخلص من إخوته لأجل مصلحة الدولة، وهو ما تقره أغلبية العلماء". هكذا نَص "قانون نامه" الذي وضعه السلطان محمد الفاتح لتسيير نظام الدولة من بعده.. ومن هنا كانت بداية "مذبحة الإخوة الذكور"، أو لنكن أكثر دقة: بداية تقنينها.. فقيام سلاطين بني عثمان بقتل إخوتهم الذكور، وهو أمر سبق عهد محمد الثاني المعروف ب"الفاتح"، فالسلطان بايزيد الأول فور توليه الحكم، أمر بقتل أخيه يعقوب المعروف بالشجاعة والقوة، فقط لأنه خشي مطالبته بالعرش.. وذكر بعض المؤرخين-ومنهم من ذكره في سياق الدفاع عن هذا القانون الدموي، أن رأي "الفقهاء" العثمانيين في المسألة كان أن "الفتنة أشد من القتل فنحن نأخذ أهون الضررين"! هذا ليس بعيداً عن فتوى شيخ الضلال عبدالحي يوسف للسفاح المخلوع عمر البشير، بجواز قتل ثلثا الشعب ليستتب حكم الثلث. يذكر الكاتب والباحث في مجال التاريخ وليد فكري "وبعد وقوع السلطان بايزيد في أسر تيمورلنك وموته في محبسه، ضربت الفوضى الدولة العثمانية، فتحارب أبناؤه حتى تغلب أحدهم محمد الأول وقتل إخوته المنافسين، بل قيل إن محمد الفاتح نفسه حين تولى السلطنة، أمر بخنق أخ له رضيع، وهي واقعة صحتها محل جدل، وإن كان محمد فريد بك-المعروف بانتمائه العثماني- ذكرها في كتابه "تاريخ الدولة العلية العثمانية" * انتصار بني أيوب بالصليبيين على أخوتهم قام الحكام الأيوبيين بالركض وراء الحكم والسلطة، فاستمرت الخلافات والنزاعات على الحكم لمدة ستين عاماً، من بعد وفاة صلاح الدين، ولم تكن هذه الانقسامات مجرد نزاعٍ سياسيٍّ هادئٍ، بل كان بينهم قتالٌ وإراقةٌ للدماء، بل وصل ببعضهم إلى الاتحاد مع العدو ضدّ المسلمين. وعلى الرغم من قوة السلطان محمد الكامل، فإنه تنازل بشكل طوعي عن بيت المقدس لملك ألمانيا فريدريك الثاني في حملة دمياط في عام 625ه، وكان ذلك من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة الأيوبية، ذلك الخطأ الذي كاد أن يحمي كافة الإنجازات التاريخية الكبيرة التي حققتها الدولة الأيوبية. لو لا أنّ بعد وفاة محمد الكامل، تولى أخوه الصالح أيوب الحكم وكان أحد أفضل حكام المماليك على الإطلاق، حيث استطاع استعادة بيت المقدس وعسقلان ودمشق، ولكنه عانى كثيرا من عمه الذي كان من أكبر أعدائه. * محمد كاكا لم يشذ عن الرؤساء الأفارقة لا شك أنّ ما يدور الآن وسط أسرة ديبي الحاكمة في دولة تشاد الشقيقة، سيُذهب ريحهم، ويعجّل زوال دولتهم. تشبث الرئيس الانتقالي الشاب محمد إدريس ديبي بالسلطة، رغم الانقسامات الحادة حتى داخل أسرته، ينذر بدخول البلاد في حالة من الإضرابات السياسية والأمنية. فقد بات واضحاً أنه يخطو أولى خطواته لتكريس الحكم الاستبدادي. حيث أوردت تقارير صحفية أنه وعد بتسليم السلطة إلى المدنيين، وتنظيم الانتخابات في غضون 18 شهرا، لكنه أضاف عامين آخرين على الفترة الانتقالية. وأنّ حكومته وضعت دستورًا جديد خفَّض بموجبه سن الترشح للرئاسة من 40 عاما إلى 35، ليناسب سن محمد دبي، وهو ما اعتبره معارضون تأسيسا لاستمرار حكم ديبي الابن، حيث يبلغ الآن 39 عاما. إذا، الصراع الدموي وسط أسرة دبيي الحاكمة، ليس جديداً، كما أنّ طموحات الرئيس الانتقالي الشاب محمد كاكا، لم يشذ عن تصرفات الرؤساء الأفارقة، وقد لا يجد من يلومه، لكنه يتحمل مخاطر احتمال اللحاق بمصير أبيه، والذي قتل بعد حكم استمر لأكثر من ثلاثة عقود. نسأل الله أن يجنب الشقيقة تشاد المزيد من الفتن ويبعد عنها القلاقل، ففي ظل الوضع الراهن المأزم في السودان، إن عطست أنجمينا، تصاب الفاشر بالزكام، وربما تموت الخرطوم.