لا أعرف مما يغضب (غاضبون) الذين كان يخدعون جماهير الثورة – وقواها السياسية للأسف- بانتماؤهم لثورة ديسمبر، لأنني أعلم أنّها مجموعة كونتها الاستخبارات العسكرية – بعد الثورة- في وقت كان فيه الجميع فرحون إلا هم وحدهم تم تأسيسهم (غاضبون)، وجعلوا الإشراف عليهم من مهام "ياسر العطا"، ووظيفتهم الأساسية شيطنة قوى الثورة ونزع شعارها العظيم (سلمية سلمية ضد الحرامية) وجرّها إلى العنف لتبرير العنف العسكري الفلولي المضاد، مثلها مثل مجموعة" ملوك الاشتباك" وهي نسخة سودانية – غير مُعدّلة – من مجموعة "بلاك بلوك" المصرية، التي أسسها المجلس العسكري المصري إبان ثورة (التحرير)، في تمهيده لإنقلاب "السيسي" الذي حدث لاحقاً، وحاول استنساخه في السودان فيما بعد! وهذه سانحة للتوضيح لبعض المُغرر بهم، وأيضاً لمن يهمهم الأمر ومن يريدون معرفة الدور المصري في إنقلاب 25 اكتوبر 2021، وحرب 15 أبريل اللعينة، بل في تخريب الحياة في السودان عامة وكافة! إلتقت جماعة "غاضبون" الاستخباراتية الأحد الماضي بقائد الجيش، الإنقلابي "عبد الفتاح البرهان، في قاعدة عسكرية بأمدرمان، وقالت الحركة الشبابية الاستخباراتية، إن اللقاء تناول الجوانب العسكرية (!) وما لنفر من الغاضبين (المجانين) بجوانب ليسوا متخصصين بها ؟ فالغضب ليس جزءاً من العلوم العسكرية ولا من السلوك الإنساني القويم وهو فعل يودي بصاحبه إلى التهلكة والخسارة لا النصر والجسارة!! وأضافت المجموعة الشبابية المخابراتية مسبقة الصنع في بيانها بعد تسريب اللقاء إن لديها تقدير كبير للمستنفرين وموقفهم من باب الاحترام واختيارهم القيم الأخلاقية وتوجيه رسالة واضحة للجميع مفادها أنهم على درب الشهداء مُتمسكين بالثورة وهتافها المعروف: تسقط بس". وهذا لعمري بعضه صحيح وجله كذب وخداع، نعم (غاضبون) تُقدر وتحترم (المستنفرين) بحكم القرابة التنظيمية والفكرية، ولأنها (مستنفرة) أيضاً، والأهم من ذلك، فهي والمستنفرين وُلِدا من رحم واحد، لا علاقة له بالثورة ولا بشهدائها الأبرار، كما أنها ليست متمسكة بشعار (تسقط بس) بل تساند الذين هتفت الثورة بسقوطهم وتنافح وتدافع عنهم بالباع والذراع وبالبارود وتفديهم بالمُهج والأرواح. وبالتزامن مع لقاءها البرهان، ظهر (غاضبون) آخرون في باريس على هامش مؤتمر القضايا الإنسانية الذي نظمته فرنسا وألمانيا بالاشتراك مع الاتحاد الأوروبي، حيث ظهرت قلة مأجورة تتكون من حوالي 10 أفراد، أمام البوابات المؤدية لقاعات الاجتماعات، وهم يهتفون ضد قادة القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) الذين حضروا المؤتمر في إطار مسعاهم الدائم لإيقاف الحرب وإنقاذ الشعب السوداني من ويلات الحرب وكوارثها، وإذا بهم يفاجئون بذات الهتاف الذي يعرفونه ويعرفون مصدره جيداً: (بكم بكم ؟ قحاتة باعوا الدم)؟! ولا بأس دعونا نصدق "الكيزان" ومرتزقتهم ومأجوريهم وهتافهم ونُردد معهم أن قوى الحرية والتغيير (قحت) باعت دم شهداء الثورة؟ ولكن ألا يقود هذا السؤال منطقياً- حتى أصحاب "الآي كيو" الصفري، إلى سؤال آخر وهو : ما هي الجهة التي سفكت هذا الدم وأزهقت تلك الأرواح من الأساس؟ مما يقود تلقائياً للإجابة: انهم العسكر من فعلوا ذلك!. إذاً لماذا تقف أنت مع من سفك وأزهق الدماء وتهتف ضد من خاف وصمت عن ذلك؟ ولكن هذا التصرف غير السوي لا يعرف سره إلا من ذهب إلى باريس من قبل، ورأى بأم عينه البؤس الذي يعيشه هؤلاء، وأنا أحد الذين زاروا تلك المخيمات البائسة المنصوبة على ضفاف نهر السين في العاصمة الفرنسية، وفي نواحي غابة "كاليه"، والحق يقال أن أغلبهم شرفاء، يعيشون ظروف قاسية وصعيبة جعلت قلة قليلة منهم يتاجرون في كل شيء ويبيعون أي شيء في سبيل ما يسدون به رمقهم ولو لأيام معدودات .. هؤلاء البؤساء يعرفون جيداً أن من تسبب في لجؤهم وتشريدهم في الآفاق عبر قوارب الموت لم يكونوا (القحاته)، وأن من جعلوهم يمرون بهذه الظروف القاسية ويعيشون هذه المعيشة الضنكة هم نفس الذين يستغلون ظروفهم الحالية البائسة للهتاف ضد (القحاتة)!. أنا أعذرهم – ورب الكعبة – لقد وقفت بنفسي على أوضاعهم المزرية، أعانهم الله، فمن هو في حالتهم التي تمزق نياط القلب على استعداد ليس فقط لقلب الحقائق وتزييفها وعرض كرامته للبيع في سوق النخاسة السياسية، بل على استعداد لعرض "مؤخرته" أمام أول عابر للنهر من أجل النوم في الضفة الأخرى!! إنهم (الضائعون) هناك وهناك وليسوا (الغاضبون)، إنهم ضحايا الكبت والعنف والجهل والفساد وحروب الكيزان، إنهم المُستغلون في الحروب السابقة والحرب الراهنة وكل حرب .. أشعر بالتعاطف معكم يا سكان خيام ضفاف نهر السين وغابة (كاليه) أيها البؤساء الأشقياء، لا خيار أمامكم إلا (البيع الرخيص) لمن سفكوا دمائكم وشردوكم في (القبل الأربع) ووضعوكم في هذه الحالة الإنسانية الهشة والمزرية، وبالتأكيد إن من فعلوا بكم ذلك ليس من هتفتم ضدهم، وإنما من أغروكم بالهتاف. انه الفقر، لعن الله الفقر .. ليتك قتلته يا ابن أبي طالب