في مثل هذا اليوم (الثامن من نوفمبر) من عام 1961م، تقدم اتحاد طلاب جامعة الخرطوم واتحاد طلاب المعهد الفني للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بمذكرة مطالبين فيها، باسم الطلاب، وباسم شعب السودان، بعودة الجيش لأداء مهمته الأساسية، وهي حماية البلاد والدفاع عنها، وإطلاق الحريات العامة، بما في ذلك حرية الصحافة وعودة الأحزاب والنقابات والاتحادات . يسرني أن أوثق لتلك المذكرة التاريخية بمناسبة مرور خمسين عاماً عليها، استلهاما لعبق تلك السنوات المجيدة الحافلة بالنضال من أجل تحقيق الحكم الديمقراطي الرشيد، وتعزيزا للثقة في مقدرات شعبنا على صنع المستقبل، وبلوغ الطموحات الوطنية. _________ فإلى نص المذكرة: " أصحاب المعالي/ رئيس وأعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد التحية والاحترام لما كنا نؤمن أننا بصفة خاصة مدينون لهذا الشعب الكريم، الذي بذل لنا من ماله وجهده ما مكننا من اكتساب المعرفة والثقافة؛ ولما كنا نرى أننا اليوم بحكم ذاتيتنا، كنا وما زلنا، في وضع يمكننا من أن نعبر عن رأي أمتنا تعبيراً قومياً صادقاً؛ ولما كانت الأمة قد عرفت كل ذلك عنا منذ عهد الاستعمار وإبان الحكم الوطني؛ ولما كنا نرى أننا اليوم امتداد طبيعي لذلك التاريخ المجيد، وأننا ملتزمون أدبياً ووطنياً أن نحمل الأمانة التي خلفها لنا أسلافنا، وفرضتها علينا ذاتيتنا كشباب مثقف تعلق عليه الأمة كثيراً من آمالها؛ فنحن الممثلون الرسميون لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم واتحاد طلاب المعهد الفني وغيرهم، نتقدم لمجلسكم بهذه المذكرة التي تحمل بعض آراء ومقترحات جماهير الطلاب السودانيين. وقبل عامين - في 10 سبتمبر 1959م على وجه التحديد- رفع اتحادنا لحكومتكم مذكرة وطنية تطالب بعودة الحياة الديمقراطية، ذلكم لأن النظام الراهن قد برهن وبصورة أكيدة عدم ملاءمته لظروف شعبنا.. وقد مضت ثلاثة أعوام على قيام الثورة التي أعلنتم فيها أنكم استلمتم مقاليد الحكم لإصلاح ما فسد في الجهاز الاقتصادي والإداري. وبعد مضي كل هذه الفترة فأننا نرى أنكم لم توفقوا في إصلاح الفساد في الأجهزة المختلفة. ثم أننا نرى أن زج الجيش في المسائل السياسية وتولي أمور الحكم بصفة دائمة وتركه لمهمته الأساسية، الأمر الذي أودى بوحدة الصف داخل الجيش. وقد قامت خلال هذه الفترة ثلاث محاولات من داخل الجيش لقلب نظام الحكم. ولم يسكت شعبنا إطلاقاً على هذه الأوضاع؛ فقد هب الشعب في كل اتجاه لإبداء وجهة نظره في الحكم. فقد قدم الطلاب والعمال والمزارعون والجبهة الوطنية عرائض ومذكرات عديدة، وخاض الشعب بأسره معارك مختلفة لإنهاء هذا النظام واستبداله بنظام ديمقراطي تكون فيه السيادة للشعب. وإن مصادرة الحريات وحرمان المواطنين من التعبير عن آرائهم في المسائل الوطنية واعتقال المواطنين، مما أدى إلى فقدان الثقة بين الحاكم والمحكوم، وإن جواً من الحيرة والقلق يسود عقول المواطنين من تسلط البوليس وجريه وراء الناس وإحصائه لحركات المواطنين. وفي المحيط العالمي فقد تميزت سياسة الحكومة بعدم الوضوح والسلبية من كل قضايا التحرر، وفي القضايا الإفريقية والعربية خاصة؛ الأمر الذي أفقد السودان سمعته الخارجية التي اكتسبها في بادئ الحكم الوطني.. وأن وضع السودان في قلب إفريقيا كان يحتم عليه أن يلعب دوراً فعالاً في تحرير إفريقيا ونصرة القضايا العربية في فلسطين والجزائر وجنوب الجزيرة.. وكل هذا يعزى لفقدان النظام الديمقراطي وانفراد الحكومة بتخطيط سياسة الحكم. ولقد ظللتم ترددون في بياناتكم المتلاحقة أن مهمتكم مؤقتة.. ولعلكم تذكرون بيانا صريحاً يناقضه.. فمن حق الناس والحالة هذه أن يعبروا عن رأيهم في التغيير إلى وضع سليم، وأن يشيروا بما يقترحونه طريقاً لدستور البلاد - ولا دستور لها حتى الآن - الأمر الذي لا يجد له مثيلاً في أي بلد مستقل في العالم غير السودان، مع قيام حالة الطوارئ التي منعت المواطنين وسائل التعبير، وأبعدت عنهم وسائل الحكم العادي، لأن كل سلطة أصبحت في يد حاكم عسكري هو الأول والأخير في نهاية هذا كله؛ بل لا نخال إلا أن هذا التساؤل قد خرج عن نطاق البلاد إلى العالم الخارجي. لكل ما سبق طالبنا وسنطالب بأن يتقرر مصير الحكم في البلاد بالتشاور بين ممثلي كل الفئات المختلفة للشعب السوداني ليكون الوضع الجديد عادلاً وديمقراطياً ومنبعثاً من إرادة الشعب السوداني. لذا نتقدم نحن الطلاب السودانيون إلى مجلسكم بهذه المقترحات يحدونا اهتمامنا بمستقبل هذا الشعب وتجنبه ويلات الفتن والانقسامات، راجين أن تعيروها اعتباراً مخلصاً جاداً لا لشيء إلا لأن الإخلاص منبعها والجد رائدها.. وهي تتلخص في ما يلي : 1- عودة الجيش إلى أداء مهمته الأساسية ، وهي حماية البلاد والدفاع عنها. 2- إعادة الدستور المؤقت ريثما يتم وضع دستور دائم. 3- تكوين حكومة قومية انتقالية ممثلة لكافة الاتجاهات السياسية يكون من اختصاصها: أولا: القيام بأعباء الحكومة والسلطة التنفيذية حسب الدستور المؤقت. ثانياً: إقرار هذه الهيئة قانوناً جديداً للانتخابات؛ ثم تجرى انتخابات جمعية تأسيسية تصيغ وتقرر الدستور الدائم. ثالثاً: إلغاء قانون الطوارئ؛ وان تطلق جميع الحريات بما في ذلك حرية الصحافة وعودة الأحزاب والنقابات والاتحادات - حتى يتهيأ الجو المناسب لإجراء الانتخابات وإقرار الدستور. نرجو بهذا أن نكون قدمنا مقترحات فعالة وعملية لبلادنا وجيشنا.. وتقبلوا فائق احترامنا. هدانا الله وإياكم سواء السبيل. اتحاد طلاب جامعة الخرطوم اتحاد طلاب المعهد الفني" الخرطوم 8 / 11 / 1961م ***** فيما يلي أسماء أعضاء لجنتي اتحاد طلاب جامعة الخرطوم واتحاد طلاب المعهد الفني الذين حملوا تلك المذكرة التاريخية، وقاموا بتسليمها لممثل المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمبنى رئاسة مجلس الوزراء؛ (وذهبوا بعد تسليمها إلى كوبر ليبقوا فيه عدة أشهر تحت الاعتقال التحفظي): لجنة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم 1- يوسف حسين 2- محمد العباس أبا سعيد 3- حاتم حمزة جاموس 4- عبد المنعم خليفة خوجلي 5- عمر يوسف بريدو 6- عبد الرحمن مصري 7- خوجلي عبد الرحيم أبوبكر 8- إسماعيل إبراهيم 9- فضل إدريس فضل لجنة اتحاد طلاب المعهد الفني 1- الفاتح بابكر نبق 2- عبد الحميد سيد احمد الصاوي 3- محمد عثمان نقد 4- حسين عبد اللطيف الصائغ 5- مصدر مصدر 6- الحسن أحمد عكام 7- محمد الفاتح الحاج عبد الله 8- فاروق محمد نور (عليه رحمة الله( 9- جمعة آدم المكي (عليه رحمة الله( 10- محمد الحسن طه عبدالمنعم خليفة خوجلي [email protected] ***** الصورة التذكارية للجنة التنفيذية لإتحاد طلاب جامعة الخرطوم دورة 1962م، -وهي اللجنة اللاحقة للجنة دورة 1961م التي شاركت في تقديم المذكرة يظهر في الصورة : وقوف من اليمين إلي اليسار: أحمد التيجاني صالح + محمد العباس أبا سعيد + حسن عابدين + إسماعيل إبراهيم جلوس فضل إدريس فضل + التيجاني الكارب + علي نور الجليل + عمر يوسف بريدو + عبدالمنعم خليفة خوجلي