بعد الفوز الساحق الذي حققه حزب النهضة الإسلامي في تونس وبعد صعود تيار الاخوان المسلمين والتيار السلفي في الانتخابات المصرية، كتب مدير عام الإعلام والعلاقات بالرئاسة العامة للهيئة، د.عبد المحسن القفاري تحت عنوان "عادوا إلى طريقنا" "ها هو ذا الدين يعود اليوم للواجهة بأيدي الشعوب لكن بعد خسائر ومعارك، بينما بلادنا كانت على الطريق من قبل وسلمت لها ريادتها وتنميتها واستقرارها". ويضيف "وأنا أرى سرعة التحوُّلات في العالم القريب من حولنا عندما تقلبت الدنيا بأهلها، وترك للناس حرية الاختيار فعبّروا عن انتمائهم لدينهم، جالت في خاطري صورٌ من العنت الذي واجهناه في بلادنا عندما رُمينا بالتخلف والرجعية والظلامية ونعتنا بالوهابية". وجاء هذا الترحيب عقب الإعلان عن ميلاد "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمصر"، على موقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك"، ونشر بيانها الأول الذي يؤكد الاقتداء بالأراضي المقدسة (السعودية)، "اعتماداً على اختيار الغالبية العظمى من الشعب المصري للإسلام ولحكم الله بعيداً عن الليبرالية العفنة". وشهدت الانتخابات المصرية الأخيرة صعوداً لتيار الاخوان المسلمين والتيار السلفي على حساب المستقلين والليبراليين والعلمانيين. واليوم تونس ومصر، وغداً المغرب وليبيا واليمن وربما ... سوريا. في تونس، أول الغيث ... خلع واقتحام في تونس، بدأت الهيئة التي أعلنت عن نفسها ولمّا تحظ بالترخيص القانونيّ نشاطها على أرض الواقع، وذلك ... بخلع أستاذة جامعيّة تم تعيينها كمتصرفة قضائيّة على إذاعة دينية خاصة. ويقول مؤسس هذه الهيئة، عادل العلمي، أنّ تدخلهم سيكون استنادا إلى الشريعة الإسلامية وسيكون دورها متمثلا في الاستشارة الدينية وإصدار الفتاوى، من إنتاج أئمة تونسيين. وتواصل الحراك السلفي باقتحام مجموعة من الطلبة الملتحين كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمنوبة واحتجاز العميد بمكتبه ومنع اجتياز الامتحانات وإعلان الاعتصام بالكلية إلى حين الاستجابة لمطالبهم الداعية إلى تمكين الطالبات المنقبات من الالتحاق بقاعات الامتحان وإقامة مصلى داخل الكلية وفصل الطالبات والطلبة أثناء الدروس. وسجل مراقبون نوعاً من التحالف غير المعلن بين جزء من قواعد حزب النهضة الفائز في الانتخابات والحاكم فعليا والأقلية السلفية، ونوعاً من ازدواجية الخطاب لدى قيادة الحزب، خاصة وأن زعيمها، راشد الغنوشي، صرّح بأنه يمكن الترخيص لحزب التحرير السلفي. غير أن الغنوشي عبر عديد المرات عن رفضه القوي للنموذج الثيوقراطي الإيراني، وعن اعتناقه النموذج التركي، الذي يمثله "حزب العدالة والتنمية الإسلامي" الذي ينتمي إليه الرئيس عبد الله غول ورئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان. تمخض "الربيع العربي" فولد... يعتبر المراقبون أن قناة الجزيرة، وهي أداة الدبلوماسية النشيطة للعائلة المالكة القطرية، قد أخذت على عاتقها خدمة الإسلاميين، فكانت بمثابة غرفة العمليات لما حدث ويحدث على الساحة العربية المنتفضة. لكن الجزيرة لا توجه أي انتقاد للبلد الذي يمولها، الدولة الجزيرة الصغيرة ذات الموارد الطاقية الهائلة والتي تفتقر إلى الديمقراطية. كما يرى العديد في أوساط التونسيين والمصريين (خاصة في الجانب الليبرالي) أن قوى عديدة، داخلية وخارجية، تحاول عرقلة الثورة وتفريغها من مضمونها. وهناك قلق كبير الآن في تلك الأوساط حول مستقبل تتحكم فيه جهة سياسة إسلاموية ذات هوية دينية بالأساس. وقد أدرك الكثير من المستنيرون منهم أن الإدارة الأمريكية عزمت على دعم القوى الإسلامية التي أفرزها "الربيع العربي" من إخوان مسلمين وسلفيين و"قاعديين" تائبين التي وصلت إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع. الواقع يشير إلى أن الاسلام السياسي الذي قد يكون أحد أهم الموروثات الدائمة ل"الربيع العربي" يحاول بسط هيمنته على المنطقة، مهدداً بذلك مكاسب الثورة التي استبشر بها خيراً الديمقراطيون في العالم، وبالخصوص العالم العربي. فهل يعني ذلك بالضرورة أن القوى الليبرالية والعلمانية متجهة إلى الانقراض؟