في عام 74م بدأ فضل المولى عبد الوهاب أولى خطواته في الهجرة خارج السودان، وكانت قبلته الجماهيرية الليبية، والأهداف لذلك كما يقول لا تتعدى طموح شبابي لرؤية بلدان جديدة، وقتها قال لمعلمه «نريد أن نركب صقر الانجليز» في إشارة منه للطائرة. ولم يكن يتوقع أبداً أن تطول هذه الغربة خاصة بعد عودته من ليبيا بعد عامين، ليسافر بعدها لأداء فريضة الحج والعودة مرة أخري للسعودية معتمراً وباحثاً عن عمل قبل أن يستقر في رحلته الأخيرة مقيماً بالمملكة. الحياة كما يقول فضل كانت سهلة والزيارات للسودان لا تنقطع، خاصة بعد دخوله القفص الذهبي إلى أن تم استقدام العائلة الصغيرة للمملكة، وبدأ الأبناء يكبرون وتزداد معهم تكاليف المعيشة والدراسة، لتبدأ رحلة الانقطاع عن السودان منذ عام 91م حتى منتصف عام 2011م، كان خلالها مكتفيا بإحضار والدته لأكثر من مرة للزيارة وأداء فريضة الحج، وذات الشيء فعله مع أخته، إلا أن باب التواصل لم ينقطع عبر المكاتبات والاتصالات الهاتفية. سألناه عن سر هذا الانقطاع الذي استمر أكثر من عشرين عاماً عن زيارة السودان؟ فقال: كل ذلك كان تضحية من أجل تعليم أبنائي الأربعة، ولم أقم بإنهاء إقامتهم بالسعودية لذلك كانوا مضطرين للعودة من السودان مرتين في العام، مرة لتجديد الإقامة والأخرى لقضاء عطلتهم بين الأسرة، ولا يخفى على احد تكاليف السفر، ولكن توجت هذه التضحية بتخرج سلمى «طبيبة أسنان»، وعباس في تقنية المعلومات، وسلافه في هندسة المعدات الطبية. وأخيراً حازم في كلية البترول والمعادن، واشكر الله كثيراً على أن عوض صبري بهذه النجاحات، وزادت فرحتي بأن زرت السودان أخيراً وكانت من أجمل اللحظات التي عشتها رغم قصرها. ولكن فضل عاتب بمرارة على الحكومة في ما يتعلق بتعليم أبناء المغتربين، وقال إن بلاد المهجر علمت أبناءنا من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية مجانا كغيرنا من أبناء دولهم، في الوقت الذي تغض فيه حكوماتنا الطرف وتتركنا وحدنا نكابد من اجل إكمال تعليمهم، وما يصاحب ذلك من انتقاص الدرجات التي يحصلون عليها بالمعادلة لشهاداتهم. سألناه عن أهم ملاحظاته بعد فترة الغياب الطويلة هذه عن السودان؟ ووجدناه مبهورا بالعمران الذي تم في مجال المباني، لكنه استدرك بأن البنيات التحتية مازالت ضعيفة. وقال إن الملفت للنظر انتشار «العريشة» في كثير من أحياء العاصمة، حيث يعمل الكثيرون على تسوير جانب من الشارع أمام منازلهم بالحصير، ويستغل في توسعة المنازل، وكثيرا ما تشاهد الشباب ينامون هناك. والعاصمة كما يقول مازالت الخضروات والفواكه والمأكولات تُفرش فيها الثرى، وهو منظر في نظره لا يليق بعاصمة البلاد. والمواصلات أصبحت سهلة، وقلت فترات انقطاع التيار الكهربائي، أما مياه الشرب فمازالت مشكلة برغم أن العاصمة تقع عند ملتقى نهرين. وعن السودانيين بالمهجر قال إنهم مازالوا متحلين بكثير من الصفات التي عرفوا بها، إلا انه وفي الآونة الأخيرة ظهرت أشياء غريبة على سلوكياتهم، وقديماً ما كنا نعرف طريق الشرطة والمحاكم، ويبدو أن ضعف العائد من الاغتراب ألقى بظلاله على حياة السودانيين بالمهجر. الصحافة