منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    إدارة مرور ولاية نهر النيل تنظم حركة سير المركبات بمحلية عطبرة    اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    بعد رحلة شاقة "بورتسودان.. الدوحة ثم الرباط ونهاية بالخميسات"..بعثة منتخب الشباب تحط رحالها في منتجع ضاية الرومي بالخميسات    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالفيديو.. الرجل السودني الذي ظهر في مقطع مع الراقصة آية أفرو وهو يتغزل فيها يشكو من سخرية الجمهور : (ما تعرضت له من هجوم لم يتعرض له أهل بغداد في زمن التتار)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ويكيبيديا... بين الحرية والفوضى
نشر في الراكوبة يوم 31 - 01 - 2012

تبرع مليون شخص أخيراً بمبلغ 20 مليون دولار لإحياء موسوعة ويكيبيديا الإلكترونية. صحيح أن المساهمات المادية سجلت رقماً قياسياً، إلا أن الموسوعة ما زالت تواجه انتقادات لاذعة تتهمها بمعالجة النصوص غير الموضوعية وبقلة مصداقية المعلومات المنشورة في صفحات موقعها، ناهيك عن تحيّزها الفاجر إلى مسائل دون غيرها. باختصار، إذا كنت تبحث عن موقع حرّ لا يخضع لأي ضوابط أو قيود، اعلم أن wikepedia.org هو موقعك المنشود. صحيفة Le Monde ألقت الضوء على هذا الجدال.
يصعب على متصفح ويكيبيديا ألا يلاحظ وجوه المساهمين والمحرّرين. من نوفمبر 2011 إلى بداية يناير 2012، لازمت صورهم رأس كل صفحة من صفحاتها لدعوة القراء إلى التبرّع لصالح الموسوعة. من جملة الوجوه نذكر سوزان صاحبة الشعر الشائب الطويل، وريمي ماتيس مدير موسوعة ويكيبيديا في فرنسا الذي يجسد مثال الشاب الطموح، وجيمي وايلز مؤسس ويكيبيديا في الولايات المتحدة.
يزور موقع ويكيبيديا ما يقارب ال450 مليون شخص شهرياً، وقد ترجمت هذه الموسوعة إلى 280 لغة (بما فيها اللهجات الإثنتي عشرة المحكية في فرنسا)، كذلك تقدّم 1.1 مليون مقالة باللغة الفرنسية يتصفحها 18.8 مليون قارئ.
يشكل موقع ويكيبيديا، الذي يعدّ خامس أكثر المواقع زيارة على المستوى العالمي، إمبراطوية قائمة بحدّ ذاتها. تستثمر المواقع الأربعة الأولى (غوغل وياهو ويوتيوب وفايسبوك) أموالاً طائلة على مشاريعها، وتلجأ إلى الدعاية لتمويل أعمالها، وتوظف آلاف الموظفين، وتنظّم حملات تسويقية مكلفة. أما موقع «ويكيبيديا» فيعمل ضمن ميزانية تبلغ ال 7.6 مليون دولار (6 ملايين يورو) ويضمُ طاقمه 95 موظفاً وعشرات آلاف المحرّرين والمتطوعين، ولا يلجأ إلى أي شكل من الدعاية.
في الواقع، يموّل الأفراد 85% من مشاريع هذه الموسوعة المستقلة والتشاركية، في حين تموّل المؤسسات نسبة ال15% الباقية، وقد سجلت حملة جمع التبرّعات الأخيرة التي نُظمت في الثالث من يناير رقماً قياسياً: 20 مليون دولار (ما يعادل 15.3 مليون يورو) تبرّع بها مليون شخص. ستُستخدم هذه التبرّعات لتطوير الموسوعة ومشاريعها المتمّمة بما فيها: القاموس المتعدد اللغات Wiktionary (تربوي)، مركز إخباري ينقل أخبار الساعة Wikinews، مكتبتان رقميتان Wikibooks (تربوي) وWikisource (عالمي)، ومجمع الأقوال المأثورة Wikiquotes، والموقع التربوي التعليمي Wikiversity، والمكتبة الإعلامية Wikimedia Commons، وفهرس الكائنات الحية Wikispecies. باختصار، ويكيبيديا وأخواتها إمبراطورية عملاقة تقدّم معرفة مجانية ومصورة في حالة من التحديث الدائم.
موسوعة ويكيبديا أشبه بمكتبة معارف عملاقة شبيهة بتلك التي تخيّلها الكاتب بورخيس في كتابه Fictions.
تاريخ حافل بالأحداث
كيف يمكن تفسير هذا النجاح الباهر الذي حققته موسوعة ويكيبيديا والذي يتعارض مع النماذج الاقتصادية كافة؟ الحقيقة أن تاريخ الموسوعة مضطرب ومشرق في آن. في مارس من عام 2000، أطلق جيمي وايلز أحد أهم الشركاء في موقع Bomis.com، المتخصص في عرض الصور الإباحية، موسوعة نوبيديا الإلكترونية، وأسند رئاسة التحرير إلى لاري سانجر الذي تشكل لجنة علمية.
حظيت أولى المقالات التي نشرتها الموسوعة بتصديق اللجنة العلمية، لكن هذا الوضع لم يستمر مطولاً. سرعان ما تعرّف القيّمون على الموسوعة إلى مبرمج شرح لهم مبدأ «الويكي» الذي يقصد به موقع إلكتروني يستطيع الزوار تعديل صفحاته ومحتواه. وعبارة «ويكي ويكي» تعني «سريع» بلغة سكان جزيرة هاواي. في 15 يناير 2001، أُطلق موقع ويكيبيديا الذي تكفّل جيمي وايلز بتمويله وفتح المجال أمام القرّاء للمساهمة فيه، وسرعان ما بدأ هذا الموقع يكتظ بالمقالات ويُقرأ في مختلف أنحاء العالم، علماً أنه كان بإدارة فرق من المتطوّعين المتحمّسين.
تندرج موسوعة ويكيبيديا في إطار التيار التعاوني الذي نشأ مع ظهور الإنترنت، فهي تقوم على مبدأ «الحقوق المتروكة» (يسمح بخلاف مبدأ الحقوق المحفوظة بنشر أي مرجع أو تعديله بحرية مطلقة)، وعلى مبدأ البرنامج الإلكتروني الحرّ (يُسمح باستعماله وتعديله ونسخه تقنياً وقانونياً). ثمة نصان أساسيان كتبهما قرصانان قديمان يُعتبران بمثابة مرجع لمناصري ويكيبيديا. أولهما دراسة تحليلية بعنوان «الكاتدرائية والبازار» (The Cathedral and the Bazaar) كتبها إيريك رايموند ونشرتها دار O'Reilly Media في عام 1999، والتي لم تترجم إلى لغات أخرى. في هذه الدراسة، يدافع رايموند عن «منطق البازار»، معتبراً أن مشاركة عدد من المساهمين في مشروع لا يخضع لأي هيكلية أو مخطط توجيهي، ستجعلهم ينتجون عملاً ديناميكياً وليس جامداً. أما النص الثاني فهو «الموسوعة العالمية الحرّة» الذي هو بمثابة نداء أطلقه ريشارد ستالمان على شبكة الإنترنت في عام 1999. دعا مؤسس نظام الاكتشاف الحر GNU في النداء الذي أطلقه إلى إنشاء موسوعة مجانية وتشاركية: «في الماضي، كانت تُكتب الموسوعات بإشراف هيئة موحّدة ومركزية. إلا أن منهجية العمل هذه غير مناسبة لإنشاء موسوعة حرّة».
هذه الفلسفة التشاركية والمتحرّرة من الضوابط والقيود هي القاعدة الأساسية التي ترتكز عليها الموسوعة متخذة لنفسها شعار: «ويكيبيديا مشروع موسوعة يستطيع أي كان النفاذ إليها وتحسين محتواه». في يونيو من عام 2003، تنازل جيمي ويلز عن حقوق الملكية لصالح Wikimedia Foundation. يدير الأخيرة مؤسسو الموقع والممثلون المنتخبون من جمعيات الويكيبيديين الناشطين (وصل عددها إلى الثلاثين جمعية في عام 2010). هكذا، لم يعد لجيمي وايلز، الذي صنفته مجلة «تايم» في عام 2006 بين أكثر مئة شخصية مؤثرة في العالم، دور قيادي في عالم ويكيبيديا.
اليوم، يعمل وايلز على إنشاء مؤسسة Creative Commons التي تهدف إلى إبرام عقود لحفظ حقوق النشر تجيز تشارك المعارف والمؤلفات والبيانات والنفاذ العالمي إلى الثقافة والتعليم والأبحاث. في هذا الإطار، يشرح وايلز: «الويكيبيديا غذاء للروح. إنها مكان يستطيع فيه المرء اكتساب المعارف وتقاسمها، وهي أبعد من أن تكون موسوعة تجارية. لا يجب صبغ جوانب حياتنا كافة بصبغة مادية. موسوعة ويكيبيديا خدمة عامة وسلعة مشتركة في آن».
يمكن القول إن ويكيبيديا لا تبغي الربح المادي وتقوم على التعاون الحر وعلى اللامركزية. لكن كيف يمكن أن تكون موسوعة يكتّب فيها أناس عاديون مرجعاً مهنياً موثوقاً به وبعيداً عن تزييف الحقائق والتلاعب بها؟
منذ تأسيسها، بقيت ويكيبيديا حريصة على العمل وفق مبدأين أساسيين: أوجد المبدأ الأول لاري سانجر وينص على ضرورة أن يعيد قراءة المواد المنشورة خبراء للتدقيق فيها تماماً كما يحصل في الموسوعات العلمية الكبيرة مثلDiderot وAlembert؛ أما المبدأ الثاني فيدعو إلى إثراء المادة التحريرية التي يقدّمها آلاف الهواة والتي قد تكون أحياناً غير دقيقة أو غير موضوعية.
قواعد أخلاقية
لتفادي حصول أي خطأ أو لغط، أرسى مؤسسو ويكيبيديا مع مرور الأعوام جملة من القواعد الأخلاقية. تتمثل الأولى في ضرورة تقيّد مؤلف المقالة ب{الحيادية»، أي أنه يتعين عليه «وصف الجدال بدلاً من المشاركة فيه». كذلك على كل مساهم في الموسوعة «معالجة الموضوع من وجهات نظر مختلفة»، مشدداً على وجهات النظر الأكثر دعماً بالأدلة والحقائق والمراجع الموثوقة. من هنا، يفهم متصفح موقع ويكيبيديا سبب ورود عبارات مثل «مرجع مهم» أو «مقالة غير حيادية» لوصف نصوص يشوبها بعض الشوائب.
تسبب سماح ويكيبيديا لأي كان بالمساهمة في كتابة نصوصها بسجالات حادة بين المحرّرين وأصحاب الاختصاص والأشخاص المعنيين والمؤيدين لبعض المواضيع والضليعين بها، فضلاً عن العاطلين عن العمل الذين يضفون معلومات غير دقيقة إلى مقالات الموسوعة... خلال هذه المجادلات (يمكن مراجعتها على موقع الموسوعة الإلكتروني)، تفرض ويكيبيديا على المشاركين احترام قواعد «حسن تصرّف» الواردة في صفحة «المبادئ التأسيسية»، وتشمل: «البحث عن الإجماع، الحفاظ على هدوء الأعصاب عند احتدام النقاش، وتفادي الحروب الكتابية».
على رغم وجود بند «البحث عن الإجماع» الذي يدفع أطراف النقاش إلى تهدئة روعهم واستكمال نقاشهم بكل ودّ ومحبة للتوصل إلى محتوى رصين و»عقلاني»، إلا أن موسوعة ويكيبيديا تبقى ساحة مواجهات وخلافات لا تحصى ولا تعدّ. تتمخض أحياناً عن هذا الواقع مقالات طويلة وغنية تتوازن فيها الشروحات والتفسيرات. في بعض الأحيان، تنتج عن الرغبة في التوصل إلى إجماع لوائح طويلة للغاية. أما في حال نشوب خلاف عنيف، فيحق للمشرف العام على الموقع، المنتخب من رؤساء المواقع في مختلف الدول، تعليق الصفحة أو منع مساهم من الكتابة إلى أن يُحل الخلاف المتنازع عليه. في هذا الإطار، تشمل الموسوعة صفحة فوضاوية للغاية معنونة «حروب التحرير الأكثر إثارة للشفقة»، ومن جملة المواضيع المثيرة للجدل الواردة فيها عمر الممثلة آرييل دومباسل.
متهمة بارتكاب الأخطاء
بعد استعراض المبادئ الأساسية التي قامت عليها موسوعة ويكيبيديا، نسأل: هل يتم فعلاً تطبيق هذه المبادئ، وهل هي كافية؟ ثمة انتقادات دقيقة وحكيمة كثيرة تعتبر أن طريقة كتابة المقالات تفتقر إلى المهنية وأن الموسوعة تورد أخطاء فادحة. نشر الصحافي في مجلة Livres Hebdo دانيل غارسيا مقالة مثيرة للجدل في الثالث من نوفمبر 2006 كتب فيها: «ابحثوا في موقع ويكيبيديا عن صفحة متعلّقة بقضية دريفوس، وتصفحوا لائحة المراجع. ستلاحظون أنه كتب في المرجع الأول:Henri Dutrait-Crozon, Precis de L'Affaire Dreyfus.. (هنري ديترويت كرزون- نبذة من قضية دريفوس)، وتلاحظون أن هذا المرجع أرفق بتعليق كتب بصريح العبارة: «مرجع مهم يُنصح بقراءته». المثير للاهتمام أن هذا الكتاب المؤلف في عام 1909 والمعدّل في عامي 1924 و1938 إنما هو كتاب مناهض لقضية دريفوس.
في 9 يناير 2007، تطرّق الروائي بيار أسولين مجدداً إلى هذا الموضوع في مدوّنته المعنونة «جمهورية الكتب»، وأشار إلى أن ويكيبيديا اكتفت، إثر تدخل عصبة حقوق الإنسان، بإضافة عبارة «مرجع مثير للجدل» إلى الصفحة الإلكترونية الخاصة بالكتاب، إلا أنها أبقت هذه العبارة على رأس لائحة المراجع مقدّمة إياها على أعمال مؤرخين محترمين. انطلاقاً من أسف يشعر به أسولين إزاء «الغوغائية السائدة» التي تدعو كل شخص إلى أن يصبح مؤلف موسوعة، يقول منتقداً: «المراجع هي أساس كل بحث تاريخي أو علمي أو صحافي. إلا أن ويكيبيديا لا تنقلها بدقة لا بل تخطئ فيها. أعيد وأكرر فكرة لطالما جرى الحديث عنها: في عالم الثقافة والأفكار، وفي عالم التاريخ خصوصاً، ترمي عملية ذكر المراجع إلى تحديد البحث زمنياً وليس إلى جعله زائلاً أو أبدياً. أما في موسوعة ويكيبيديا، فيُلاحظ أن المراجع في تغيّر دائم، وأن الحقيقة تبقى مع آخر مساهم في المقالة بانتظار أن يأتي مساهم آخر يتولى دفة قيادة البحث ويضيف معلومات جديدة».
في عام 2008، بدأ خمسة طلاب في كلية الصحافة والعلوم السياسية بحثاً معمّقاً يرمي إلى دراسة المقالات المنشورة على صفحة ويكيبيديا الصادرة باللغة الفرنسية. قام هؤلاء أيضاً باختبار أوصلهم إلى معلومة خاطئة أضافوها إلى لائحة بيار أسولين مفادها: في عام 2001، فازت ويكيبيديا ببطولة فرنسا في لعبة كرة المضرب». سرعان ما انتشر هذا الخطأ في مختلف صفحات ويكيبيديا، ما طرح تساؤلات حول طريقة عمل الموسوعة وحول آلاف المعلومات الخاطئة والحقائق المبالغ فيها والأفكار العدائية التي تقبل ويكيبيديا بنشرها من دون تنقيحها.
تستعرض مواقع إلكترونية كثيرة هذه الأخطاء المتكررة مثل زاوية WikiGrill الواردة في مجلة Books الفرنسية والتي كتب فيها أحد الكتاب قائلاً: «دعه يفعل أحد المبادئ المنظمة لعمل موسوعة ويكيبيديا». كذلك تساءل: «هل يقوم عمل مثل هذه الموسوعات على الفوضى أم على مبادئ الاقتصاد الحرّ؟». وعلى رغم إشارته إلى أن ويكيبيديا تحرص على منح «الجميع فرصاً متساوية للمشاركة في الموسوعة بغض النظر عن العمر أو الكفاءة أو الأصل»، إلا أنه يستغرب من عبارة «بغض النظر عن كفاءة الشخص». ألا يشكل مثل هذا التساهل خطراً على عمل الموسوعة؟
مثال آخر عن الأخطاء الواردة في ويكيبيديا يتعلّق بميكيل بورش- جاكبسون، المؤلف المشارك في تأليف الكتاب الأسود للتحليل النفسي (Livre noir de la psychanalyse, Les Arenes, 2005). في البداية، عرّفته ويكيبيديا على أنه «ناقد مجاز» لأعمال فرويد. إلا أنه بين ليلة وضحاها، تغيّر لقبه ليصبح «محللاً فاشلاً» و{طبيباً نفسياً خبيراً في العلم السلوكي». هنا، تدخل مناصرو مدرسة فرويد في علم النفس للتنديد بهذا التعريف وتبرئة أنفسهم منه، وعندما تدخل جاكبسون لرفض بما يّكتب عنه، سحبت الموسوعة المعلومات الخاطئة. إلا أنها أعادت لاحقاً نشرها ما جعل صفحة ميكيل بورش- جاكبسون على موقع ويكيبيديا ساحة معركة بين الجمعيات المؤيدة لفكر فرويد وتلك المعارضة له.
في الواقع، ليس ما يحصل في صفحات ويكيبيديا مضحكاً، فهذه الموسوعة الإلكترونية شهدت خلافات حول عدد من المواضيع الحساسة مثل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، حرب الجزائر، الدعارة، وجورج بوش الابن... وتوسّعت هذه الخلافات لتشمل مسائل لها جمهور عريض من المؤيدين: هل شكسبير هو من كتب فعلاً هذه المسرحيات؟ هل نبتة الأياهواسكا عقار طبي نفسي خطير؟ وغيرها من أسئلة. وفي كل مرّة، يجد «إطفائيو حرائق» ويكيبيديا أنفسهم مضطرين إلى تحذير القراء من ضرورة «التحقق من شكل هذه المقالة ومضمونها»، ومن «عدم موضوعيتها»، و{من افتقار هذا النص إلى المراجع».
خلال عملهم على التحقيق، نشر طلاب كلية العلوم السياسية في أواخر عام 2007 كتاب «ثورة ويكيبيديا» (La Revolution Wikipedia) الذي صدر عن دار Mille et Une Nuits وكتب مقدّمته بيار أسولين. في هذا الكتاب، عالج الطلاب مواضيع بارزة عدّة بما فيها أن مشاركة عدد كبير من المساهمين غير الموثوق بمعلوماتهم في كتابة مقالات الموسوعة لا تشجّع أصحاب الاختصاص على التعليق على الموضوع، ما يضرّ بنوعية المقالات وبطريقة تقديم المعلومة. فضلاً عن أن إسراع ويكيبيديا إلى نشر مقالات عن أعمال فنية حديثة الصدور يمنعها من التحلّي بالحرفية المهنية التي تتمتّع بها الموسوعات العريقة.
دمقرطة المعرفة
يعمل ريمي ماتيس (28 عاماً)، مدير موسوعة ويكيميديا في فرنسا، في قسم الحفاظ على المخطوطات والوثائق في المكتبة الوطنية الفرنسية الواقعة في شارع فيفيان. درس ماتيس في المدرسة الوطنية للمواثيق ويعتبر شخصاً ضليعاً في تاريخ ديبوماسية القرن السابع عشر. في منتصف شهر ديسمبر من عام 2011، اطمأن ماتيس عند معرفته بأن صفحة ويكيبيديا الفرنسية أطلقت دعوة للتبرّع والمساهمة في الصفحة: «أعطت هذه الدعوة ثمارها، فنحن نتلقى الآلاف من الهبات ومن كلمات التشجيع».
بحلول نهاية ديسمبر 2006، تبرّع 36000 شخص بمبلغ قدره 98000 يورو لصالح ويكيبيديا الفرنسية. لكن إلى أين ستذهب هذه الأموال؟ في الواقع، تسمح هذه النقود للعاملين في ويكيبيديا بالاستمرار في الشراكة القائمة بين الموسوعة والمكتبة الوطنية الفرنسية. تم تكليف العاملين في ويكيبيديا بمهمة إعادة قراءة وتصحيح مجموعة من 1400 كتاب حوّلتها المكتبة إلى كتب رقمية، بدءاً برواية «نانا» للروائي إميل زولا وصولاً إلى كتاب «تاريخ الثورة الفرنسية» للمؤرخ الفرنسي تيارس، قبل نشرها على صفحة المكتبة الرقمية Gallica.
كذلك ينوي الفريق الفرنسي أن ينشر على صفحة ويكيبيديا الفرنسية عدداً من الأعمال الأدبية والمخطوطات (تضم موسوعةWikisource اليوم أكثر من 50000 مرجع) بالتعاون مع مركز بومبيدو ومتحف كلوني ومركز أرشيف مدينة تولوز، وسيعمل الفريق أيضاً مع جامعات عدة في فرنسا والدول الإفريقية الفرنكوفونية بغية مشاركة الأساتذة والطلاب والباحثين في عملية كتابة المقالات.
في ما يتعلق بالجدال حول «حرية البانوراما»، يشرح ريمي ماتيس: «في فرنسا، لا يسمح بنشر صور لمعلم أثري عام مثل مكتبة فرانسوا ميتران أو لإنارة برج إيفيل إلا بموافقة من صاحب الصور. بتعبير آخر، يستطيع المهندس المعماري واختصاصي الإضاءة أن يطالبا بحقوقهما لقاء السماح بنشر صور لتحفتهما الفنية. بغية إلغاء هذا القانون، أطلقنا في أوروبا مسابقة «ويكي يحب المعالم الأثرية» لتشجيع متصفحي الإنترنت على تصوير المعالم الأثرية ونشرها على موقعWikipedia Commons».
معرفة رصينة
يشعر ريمي ماتيس بانزعاج كبير من انتقادات تشكك في مصداقية ويكيبيديا، فهو يعتبر أنه في المجالات العلمية المتفق عليها مثل العلوم الصلبة والعلوم الطبيعية والعلوم التكنولوجية، تقدّم موسوعة ويكيبيديا معرفة رصينة. كذلك يذكّر بأنه في عام 2007 طلب فريق عمل مستقل من مجلة Stern مقارنة 50 مقالة اختيرت اعتباطياً من ويكيبيديا ومن الموسوعة الألمانية الضخمة Brockhaus.
وجد الفريق أن 43 من أصل 50 مقالة منشورة في ويكيبيديا جاءت أكثر إحاطة بالموضوع ووضوحاً ودقة وحداثة من مثيلاتها المنشورة في الموسوعة الألمانية. يضيف ماتيس مبتسماً ابتسامة تنم عن غضة: «كنت أتمنى لو أن مراقبي مقالات ويكيبيديا ومنتقديها يساعدوننا على تحسين الموقع بدلاً من الاستمرار في انتقادنا».
يتابع ريمي ماتيس حديثه مضيفاً أن الموسوعة تستخدم برامج كمبيوتر سريعة مثل Wikiscanner لكشف عناوين ال{آي بي» الخاصة بالمشاركين للتعرّف إلى صاحب جهاز الكمبيوتر، وقد ساعد هذا البرنامج على فضح ممارسات كثيرة ارتكبتها شركة مايكروسوفت ومختبرات طبية وجماعات دينية ورجال سياسة وهواة. كذلك تم إجبارهم على تصحيح الأخطاء المغلوطة التي كانوا يوردونها على موقع الموسوعة. في ما يتعلّق ب{الأشرار» وبالمخرّبين والمهرّجين الناشطين على الإنترنت، فقد أصبح بالإمكان كشف ممارستهم بصورة أسرع، لا سيما تلك التي يقومون فيها باستبدال الاسم الثاني للرئيس جورج بوش الابن «والتر» ب{وانكر» (المختلّ)، أو بالادعاء أن مشروب «ريد بول» يحتوي على «حيوانات البقرة المنوية» أو بإعلان وفاة نجم ما.
لا يكتفي ريمي ماتيس بمناقشة ظاهرة الويكيبيديا بصورة سطحية، إنما يغوص في أعماقها ليخلص إلى استنتاجات مثيرة للاهتمام. بحسب رأيه، نشهد اليوم ظاهرة دمقرطة المعرفة الشبيهة بتلك التي شهدتها حقبة ما بعد اختراع المطبعة. آنذاك، كانت النخبةُ القادرة على القراءة والكتابة تتهم المطبعةَ بارتكابها كثير من الأخطاء اللغوية وبسعيها إلى طمس المواهب الأدبية في بحر المنشورات. يقول ماتيس: «تضع الموسوعة التشاركية علامات استفهام على الأشخاص الذين يدّعون أن البحث الفردي أكثر فائدة من بحث جماعي تقوم فيه مجموعة باحثين بالتناقش في ما بينها».
جان نويل لافارغ الذي يعمل أستاذاً محاضراً في جامعة باريس ومنسّقاً سابقاً في ويكيبيديا، يقيّم طلابه على أساس مقالاتهم المنشورة في هذه الموسوعة، يقول في هذا الشأن: «سنظل نسمع مدافعي الإنترنت «المتحضّر» يشتكون لأن حرّية العمل والقول تثير الريبة والشكوك، وهم يفضّلون الرقابة على الفوضى، ولن يقروا أبداً بالأهمية التعليمية التي ينطوي عليها الخطأ، ولا بالخطر الذي يشكله على المعرفة القائمة. فهؤلاء لا يؤمنون بالتربية إنما بالترويض والتدريب».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.