ترددت أشعار الحب ولوعته عبر قصائد ألقيت وأخرى انشدت في قصر الفنون الجميلة في بروكسل، حيث عاشت العاصمة البلجيكية أمسية حب عربية طبعتها موسيقى الأندلس وأشعار عاشقيها، ولادة وابن زيدون. الامسية الموسيقية والشعرية أحيتها الشاعرة السورية مرام المصري والشاعر المغربي محمد بنيس، كما عزفت فيها فرقة "العربي"، المكونة من موسيقيين عرب واسبان، موسيقى أندلسية مصاحبة لقصائد مغناة تستحضر واحدة من قصص العشق الأشهر في التراث العربي، عبر شعر بطليها شاعري الاندلس ولادة بنت المستكفي وابن زيدون. وأراد منظمو الامسية، على ما يقول لوكالة فرانس برس منسقها الشاعر طه عدنان، تقديم مساهمة "عشق عربية من الطراز الرفيع" للجمهور الغربي، لتواكب احتفال العالم المكرس لعيد الحب الثلاثاء. الشاعر المغربي المقيم في بروكسل يقول أن مساهمة كهذه "ضرورية"، وليؤكد ذلك يتساءل "إذا قلت +عربي+ في أي مجتمع غربي، فما الاشياء التي تتبادر إلى للذهن؟"، قبل أن يجيب بلهجة حاسمة :"أي شيء إلا الحب وإلا العشق". ولم يكن الحديث عن مساهمة "رفيعة" كلاما في الهواء. فقد وقفت الشاعرة السورية مرام المصري مرتدية فستانا أحمر فاقعا، وألقت قصائد تستعيد فيها حالة ولادة الشاعرة والعاشقة، وهي قصائد من ديوان لها كتبته عنوانه "عودة ولادة"، فيما شاشة عرض تنقل إلى الفرنسية والهولندية ترجمة: "جسد الشمس أنا، حارة كرجل فقد مملكته (...) امرأة كل الرجال أنا، ولا رجل لي". قبل أن تمضي الشاعرة، المقيمة في باريس، على وقع تنغيمات العود والفلوت إلى استحضار قصر الحمراء الشهير في غرناطة، بوصفه مخدعا للحب الغابر، وتقول فيه :"كيف للشعر أن يصفك، هربت من نوافذك آهات ولادة وعشاقها، فاشتعلت قناديل الرغبة". قبل ذلك، كانت فرقة "العربي" تحيي قصة ولادة من فمها، في أجواء تستحضر أجواء الأندلس عبر موسيقاها والامتزاج بين الثقافات أيضا. فبينما كان الموسيقيان الاسبانيان ادواردو بنياغوا ودافيد مايورال يعزفان على الفلوت والايقاع، كان المغربي جلال الدين بن علال يتناوب العزف على العود والكمنجة، فيما مواطنه العربي سرغيني يغني من شعر ولادة "امكن عاشقي من صحن خدي، واعطي قبلتي لمن يشتهيها". ويكرر منسق الامسية بيت الشعر الاخير، مشيرا إلى فرادة المثال الذي يقدم للجمهور عبر أجواء الاندلس والجرأة الاستثنائية لشاعرتها، ويقول طه عدنان :"ليس من السهل على امرأة أن تقول ذلك الشعر وقتها"، ويضيف "هذا شعر تحرري حتى لو قلته الآن". البلجيكية كاترين بارتيس، وهي سيدة خمسينية، قالت عن الامسية "احسها مبادرة جميلة"، وأضافت "عيد الحب بالعربي والموسيقى الاندلسية، هذا يعطي بالفعل صورة مختلفة عن العالم العربي". في جوارها كان الكاتب البلجيكي لوكاس فان براكل، المعروف بدراساته عن العالم الاسلامي، وهو يحمل كتابا اشتراه من بين كتب كانت معروضة للبيع خارج الصالة، وقد اكتفى بالقول :"قصائد الشاعرة كانت جميلة، لقد اشتريت كتباها". ويقف من شارك في الامسية، التي تعرض الاربعاء في مدينة أنفير، أمام واقع أن احياء ذكرى عربية للحب لا يأتي إلا بالرجوع ألف سنة للوراء، على الأقل. وترجع مرام المصري ذلك في حديثها لوكالة فرانس برس إلى "فرادة" الاجواء في الاندلس، وتقول "اذا كان ثمة حب بهذه القوة الان فلا أظن أنه مسموح الحديث الصريح عنه"، وتضيف "حتى في الشعر هناك كتابات جملية عن الحب، لكن لم يعد في امكاننا أن نسمي رجلا أو امرأة". لكن الشاعرة تعود لتذكر "روميو وجولييت"، وتقول أيضا بأن كل الحضارات يتجسد فيها "الحنين لقصص الحب الكبيرة". ولم يغيب حضور الحب ما يجري الآن في العالم العربي. فقرأ الشاعر المغربي محمد بنيس من قصائد ديوانه "كتاب الحب"، الذي اصدره أول التسعينات بمناسبة مرور 500 عام على سقوط غرناطة، وفيه يخاطب العالم والشاعر ابن حزم الاندلسي، فيذكر له مشاهد القتل والدمار التي يعيشها العرب بعدما صار عصر أنوار الاندلس مجرد أطلال. ويقول بنيس لوكالة فرانس برس معلقا على ذلك "اذا قرأت كتاب طوق الحمامة (أشهر كتب ابن حزم) تجد أن شعبا باكمله كان يعيش الحب، بكبيره وصغيره شاعره وفقيهه وفلاحه"، ويضيف بلهجة متحسرة "الحب كان حضارة في الاندلس، أما نحن الآن فمجتمعات متهالكة تخشى من نفسها، وطبعا لا تجرؤ على الحب". ولا يتردد الشاعر المغربي في اضافة مشاهد "الاشكال الدينية التي تتجلى الان" إلى مشهد "التهالك" الذي يصفه، فهو إن كان يتحدث بتبجيل عن "ثورة الشباب وربيعهم"، يقرن ذلك مع قوله أن "هناك من قام بالثورة وهناك من سرقها، وهو يعرف أنه سرقها" في اشارة إلى الاسلاميين.