بعد أكثر من عام يبدو أنها بداية العد التنازلي للثورة السورية في ظل وجود مؤشرات تدل على بداية انحصار الثورة وانكماشها في مناطق بعينها كما أن العديد من الملاحظين لحركة الاحتجاجات السلمية كالمظاهرات و الاعتصامات قد سجلوا بأنها فقدت الكثير من زخمها وكثافتها وبريقها كما أنها في بعض المناطق بدأت بالاضمحلال التام و في ظل تحول مظاهر المعارضة والرفض الشعبي إلى عمل مسلح بالكامل . يقول محللون سياسيون ودارسون للحالات الثورية الناشئة أن أيّ ثورة لها مرحلة تسمى بمرحلة الذروة وتكون خلال هذه المرحلة تجلي أهم مكتسبات الثورة حيث يكون التصعيد الجماهيري قد بلغ مداه و المطالب الثورية قد وصلت إلى القمة ونجاح أي ثورة مرتبط بقدرة الجماهير على إحراز مكاسب خلال هذه الفترة وهو الأمر الذي لم يحدث في الثورة السورية . وبحسب متابعين للشأن السوري فان الثورة السورية لم تنجح في أول هدف استراتيجي مرتبط بنجاح الثورات ألا وهو خلخلة النظام وزعزعة أركان الحكم كمرحلة أولى لإسقاطه ، ولم تتجلى بوادر ذلك في الحالة السورية على مدار أكثر من عام ، ولعل أبرز ما يمكن أن يُسجل كتقدم في صالح القوى الثائرة في أي ثورة هو تقديم تنازلات من طرف نظام الحكم وهو ما يعدّ مؤشرا على ضعف النظام وتضعضعه وهو ما لم يقم به النظام السوري ما عدا إصلاحات سخيفة وصفها الرئيس السوري بالزبالة ، و ثاني بوادر تحلّل النظام وتفككه تسجيل انشقاقات على جميع المستويات مدنية وعسكرية وهي علامة على تآكل النظام من الداخل وهو أمر لم يحدث أيضا في سوريا حيث اقتصرت الانشقاقات العسكرية على صغار الضباط أما الانشقاقات المدنية فكانت شبه منعدمة ما عدا حالة واحدة (انشقاق معاون وزير النفط عبده حسام الدين ) ولعل ابرز المؤشرات الدالة على بداية العد التنازلي للثورة السورية هو تشرذم قوى المعارضة وتصادمها التام وبشكل غير مسبوق و أبرز مشاهدها الانسحابات المتكررة والمتوالية من المجلس الوطني السوري ..كما أن المجتمع الدولي وتحديدا القوى الكبرى بدأت في طريق الاقتناع بعدم إمكانية إسقاط النظام السوري من طرف المعارضة المتناحرة والمليشيات المسلحة المترهلة ولعل هذا ما يفسر الحرص على إنجاح مهمة المبعوث الأمم كوفي عنان وإعطائه الدعم الكامل عربيا ودوليا كما أن خطة كوفي عنان توصي بوقف إطلاق النار من طرفي النزاع مما يشكل اعترافا دوليا بتواجد جماعات مسلحة في مواجهة الجيش السوري كما أن دعوة الجميع إلى الحوار معارضة وسلطة وعدم دعوة الأسد إلى التنحي اعتراف صريح بالأسد ونظامه واستبعاد فكرة حلحلة الأزمة في ظل غياب الأسد كما تصر المعارضة ... وتسير الأمور في اتجاه الاعتراف بصمود الرئيس السوري والتعامل على ضوء ذلك وتلافي الحلول الانتحارية ولعل استبعاد فكرة تسليح المعارضة كما أكد وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبي سابقا وأكد ذلك أكثر من مرة تندرج في نفس سياق تجاوز فرضية إسقاط بشار الأسد عن طريق الحلول العسكرية ... استبعاد فكرة تسليح المعارضة السورية مبررة بمخاوف تنتاب الولاياتالمتحدة إزاء غموض الوضع في سوريا كما قال رئيس الأركان بالجيش الأمريكي مارتن ديمبسي في تصريح له مطلع الشهر الفائت ، وهو نفس موقف سفير الولاياتالمتحدة لدى سوريا روبرت فورد أين شدد على رفضه خيار تسليح المعارضة السورية مفضلا مواصلة الضغط الدبلوماسي على بشار الأسد لكي يتنحى على حد تعبيره ..مخاوف الأمريكان مدعومة في حقيقة الأمر بتقارير صحفية أمريكية سابقة تثبت وجود مقاتلي القاعدة في سوريا . والملاحظ مؤخرا أن هناك توجها عاما إلى تصديق وجهة النظر الرسمية السورية وتزكيتها في ظل التقارير الواردة من طرف المنظمات والهيئات الحقوقية الغربية المستقلة كتقرير منظمة "هيومان رايتس ووتش" بشأن قيام المجموعات المسلحة التابعة للمعارضة السورية بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان بينها عمليات اختطاف وتعذيب وإعدام بحق مدنيين وعسكريين كما اتهمت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة الخاصة لشؤون الأطفال والنزاعات المسلحة "راديكا كوماراسوامي " المعارضة السورية المسلحة بتجنيد الأطفال في القتال ضد الجيش السوري ما يشكل انتهاكا فاضحا للاتفاقيات الدولية التي تحظر تجنيد الأطفال . ويعزو ملاحظون للأحداث الجارية في سوريا أي فشل محتمل للحراك الشعبي في سوريا لمعطيات داخلية وإقليمية في غير صالح الثوار . ويصف خبراء ومحللون التركيبة السياسية والأمنية في النظام السوري بكونها أكبر عائق أمام تسجيل انشقاقات عسكرية وسياسية نوعية ذات قيمة وتأثير لان البناء الهرمي لمؤسسات الدولة السوري مبني على الولاء الشخصي والعائلي والأخطر من ذلك تحكمه معايير طائفية وبالتالي يمكن الاعتراف بأن النظام السوري نظام قوي والتعويل على انشقاقات عسكرية وأمنية كبيرة احتمال اقرب إلى الاستحالة.... القمع المتواصل وبشكل بشع للمعارضة نجح مع مرور الوقت في تحقيق هدفين مزدوجين أولهما التقليل من المظاهر السلمية للاحتجاج المظاهرات الاعتصامات والإضرابات وفي نفس الوقت نجح في تحقيق الهدف الثاني وهو استدراج المعارضة إلى تبني خيارات عدمية كالتسليح العشوائي و حملات الانتقام وارتكاب تجاوزات على مستوى الشعارات والدعوات كالدعوة إلى التدخل الأجنبي وهو ما افقد الثورة سلميتها و وطنيتها وبالتالي افقدها التعاطف الشعبي الكبير ... الوضع الخارجي والمعطيات الإقليمية المعقدة تجعل من التدخل العسكري في سوريا غير ممكن حاليا وبخاصة أن الفشل النسبي للتدخل العسكري في ليبيا وتكاليفه الباهظة ماليا وأخلاقيا جعل من القوى الدولية تتجنب الدخول في مغامرة غير محمودة العواقب وهو أمر يدركه النظام السوري جيدا ويعمل على ضوءه بالمسارعة في الإجهاز على خصومه قبل أن تتغير المعطيات التي يبدو جلها في صالحه .