منذ عامين تقريباً تم عرض فيلم 'أولاد العم' الذي تناول جزء من التاريخ البطولي للمخابرات المصرية في صراعها مع الموساد الإسرائيلي، وقد حقق الفيلم نجاحا معقولاً وأتي بإيرادات مرضية للشركة المنتجة فشجع ذلك على اقتباس العنوان مع بعض التنويع الخفيف، حيث تم استبدال كلمة 'أولاد' بكلمة 'بنات' ليصبح عنوان الفيلم الجديد 'بنات العم' وهي خدعة أراد بها كاتب السيناريو المطرب الشاب أحمد فهمي الإيحاء بوجود أجواء مشابهة لفيلم الجاسوسية المذكور لمغازلة الجمهور المحب لهذه النوعية السينمائية المثيرة، ولكن بالطبع لم يتحقق شيئاً مما أراد فالحدوتة مختلفة والجمهور أذكى من أن ينخدع في مثل هذه الأعمال الرديئة'. 'بنات العم' لم يتجاوز في دلالاته ومعناه الكوميديا الساذجة التي لا تصلح إلا للبلهاء وأقصى ما يمكن توصيفه أن أحمد فهمي يحاول الترويج لنفسه كمطرب بعد توقف الحفلات وكساد سوق الكاسيت من خلال دخوله حلبة التأليف الدرامي والدليل أنه جعل كل بطلات الفيلم من المعجبات به والمفتونات بإحساسه دون أن يخجل من تذكية نفسه وهو كاتب السيناريو، حيث من المفترض أن يتوارى تماماً ويجعل الحديث عن غرام الفتيات بالمطربين موجه إلى مطرب آخر ولكنه أبي إلا أن يستثمر الفرصة ويقوم بالدعاية لشخصه وفنه وصوته وجاذبيته وفق ما جاء حرفياً على لسان الفاتنات الحسناوات المغرمات بسيادته!! هذا هو المعنى الضمني المستهدف من الفيلم المصنوع محلياً في 'فبريكة' المطرب العاطفي الصاعد، أما الجوانب الأخرى المطروحة فتلك تختص بأزمة ثلاث فتيات تحولن بفعل السحر والشعوذة والاعتقاد في القوة الخفية إلى ثلاث رجال فأصبحن يملكن ملامح وأجسام ذكورية بينما هن من الناحية النفسية والفسيولوجية لازلن إناث لهن مشاعر الميل الى الجنس الخشن ويتسم سلوكهن بالرقة الشديدة والنعومة المفرطة التي لا تتسق مع شكلهن الخارجي، وقد مثل هذا التحول في الشكل الظاهر للفتيات الثلاث المفارقة التي بني عليها كاتب السيناريو جميع المواقف الدرامية الهزلية في محاولة يائسة وبائسة لإضفاء مسحة كوميدية على الأحداث البادئة من نقطة بسيطة وسطحية تمثلت في رغبة الأخوات الثلاثة في بيع القصر الذي تركه لهن الجد حسن مصطفى والجدة رجاء الجداوي وحذرا من بيعه وإلا سوف يتعرض من تسبب في البيع لكارثة إنسانية كبرى، حيث التجارب السابقة لمن حاول التفريط في القصر أكدت أن لعنة ما تصيب من يتطوع بمهمة ترتيب صفقة البيع ونقل الملكية إلى شخص آخر، ومن هن جاءت العقدة الدرامية العويصة التي ظل المؤلف يضفر خيوطها لتكون اكثر إثارة وأكثر متعة على مدى ساعة ونصف الساعة وكذا كان للمخرج أحمد سمير فرج نفس النصيب من الجهد لأنه اقتنع بفكرة صديقه أحمد فهمي فبذل أقصى طاقته لكي ينقلها إلينا عبر الشاشة فما كان منه هو وصديقه الموهوب في الغناء والتأليف إلا أن نقلا إلينا ثلاث نماذج لثلاث عاهات بشرية مزدوجي الهرمونات فهم جنس شاذ بين الرجال والنساء بشعر قصير وحواجب كثيفة وأصوات ناعمة وشوارب وذقون تملأ وجوههم، وفي نفس الوقت يتمايلون في الحركة وأثناء المشي، بل ومنهم من حمل في بطنه جنيناً وهو ما كان مدعاة للإشمئزاز والتقزز فلم يتعود الجمهور على تعاطي هذا النوع من الدراما الغثة، خاصة أن الفيلم يناقش مثلاً قضية التحول الجنسي بشكل كوميدي راقي كما حدث في فيلم 'الآنسة حنفي' للراحل إسماعيل يسن باعتباره أول من طرق هذا الباب أو كغيره من الأفلام الأخرى التي تعرضت لنفس الظاهرة بشيء من الوعي والفهم العلمي للأسباب والنتائج، بل أن ما رأيناه في 'بنات العم' هو محض استخفاف وابتذال ولعل اسم الفنان الكوميدي إدوارد وأدائه للشخصية التي قام بها كان خير دليل على ذلك فالسيناريست الهمام لم يرق له إسماً يشير به إلى صاحب الدور غير 'هانش' هكذا وصل حال الكتابة والإبداع والسينما في ظرف استثنائي دقيق تسن فيه الحراب والسيوف للنيل من الفن والفنانين فإذا بهذا الفيلم يقدم مبررا قويا للحرب على السينما والسينمائيين بدلا من تقديم النموذج الأمثل لوعي السينما ونضجها، أتصور أن أحدا ممن شاركوا في صناعة هذه العاهة الفنية لم يفكر في المرور الاجتماعي لها وما يترتب عليها من ردود أفعال سلبية تصب كلها في خانة العداء للفن، الغريب أن الشرط الوحيد لقبول مثل هذا اللون السينمائي غير متوافر وهو الكوميديا فالفشل واضح كل الوضوح في العجز عن التوصل للروح الفكاهية بما يعطي للكاتب والمخرج حق التعبير، فليس ثمة فكاهة أو كوميديا يمكن أن نستشعرها ونحن نرى رجلاً اسمه شيماء أو رجل آخر اسمه هيفاء أو لمياء أو زكية ولا يمكن أن نقبل الفطرة أو الذوق الفني لأي إنسان تصور ممثل قدير مثل صلاح عبدالله بشعره الأبيض وتجاعيد وجهه وسماته الطيبة مجسدا لامرأة فوق الخمسين من العمر اسمها 'جمالات'! الشذوذ إذاً في التفكير والخيال الإبداعي المريض الذي حول التخاريف الى صور مرئية فرضها علينا ويطالبنا بتصديقها والتعاطف معها بوصفها تشوهات خلقية لفتيات في سن النضوج ومرحلة الانطلاق! الإشكالية الكبرى ليست فيما يحاول أصحاب الفيلم طرحه من أفكار غريبة ولكن الأخطر اعتبار الفيلم قفزة على مستوى التكنيك، إذ أن الخلفية الصوتية للضحك والقهقهة المصاحبة للمشاهد تنبيء بأننا دخلنا عصر الست كوم السينمائي وأن هذا أول الغيث. القدس العربي