بي بي سي - لندن على الرغم من أن اتفاق السلام الشامل الذي وقعته الحكومة السودانية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان عام 2005، وهو الاتفاق الذي مهد الطريق لإنهاء أطول حرب أهلية في قارة افريقيا، قد مر بالعديد من الانتكاسات والخلافات بين الجانبين، إلا أن السنوات السبع الماضية لم تشهد العودة إلى حرب شاملة بين الجانبين واقتصر الأمر على اشتباكات حدودية بينهما. لكن الأشهر القليلة الماضية شهدت ازديادا ملحوظا في التوتر أفضى إلى احتلال قوات جنوب السودان لمنطقة هجليج الحدودية الغنية بالنفط أواخر مارس/ آذار الماضي، قبل أن تنسحب منها في 29 مارس، حين اتفق الجانبان على اللقاء في اثيوبيا والتمهيد إلى طاولة المفاوضات التي تجري برعاية افريقية في العاصمة أديس أبابا. لكن لم تمض سوى أيام معدودة حتى أعادت قوات جنوب السودان احتلال المنطقة في العاشر من أبريل/ نيسان الجاري، فما هي أهمية هذه المنطقة حتى تقدم دولة جنوب السودان على احتلالها مرتين؟ ولماذا كانت القشة التي قصمت ظهر البعير وأعادت الطرفين إلى ما يمكن وصفه بحرب شاملة؟ هجليج وأبيي يرتبط الصراع على منطقة هجليج بصورة مباشرة باقليم أبيي المجاور لها، ويمكن القول إن الخلاف حول هجليج يتلخص في ما إذا كانت هي جزء من أبيي أم لا. عرف بوتوكول أبيي، الموقع في مايو/ أيار 2004 بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، المنطقة بأنها منطقة مشيخات "دينكا نقوك" التسع التي حولتها الإدارة البريطانية إلى إقليم كردفان عام 1905. ودينكا نقوك هم فرع من قبائل الدينكا الجنوبية، بينما إقليم كردفان هو منطقة تابعة إلى شمال السودان، لكن الإدارة البريطانية قامت بهذه الخطوة لأسباب إدارية. وحسب بروتوكول أبيي قامت لجنة من الخبراء بدراسة حدود المنطقة ورفعت تقريرها إلى طرفي اتفاق السلام الشامل، وهو التقرير الذي جعل منطقة هجليج جزءا من أبيي، ورفضه حزب المؤتمر الوطني باعتبار أن لجنة الخبراء تجاوزت التفويض الممنوح لها ورأت أن تلك الحدود التي نص عليها تجاوزت مشيخات دينكا نقوك التسع. محكمة التحكيم على إثر ذلك تم تحويل القضية برمتها إلى محكمة التحكيم الدولية في لاهاي التي قضت في 22 يوليو/ تموز 2009 بإعادة ترسيم الحدود الشرقيةوالغربية لمنطقة أبيي. ووفقا لتفسير الأممالمتحدة للقرار، فإن محكمة التحكيم اضغط هنا "تركت السيطرة على حقول النفط وخصوصا هجليج لحكومة الخرطوم ورفضت قرارا سابقا للجنة خبراء بشأن ترسيم الحدود الغربيةوالشرقية، بينما تركت الحدود الشماليةوالجنوبية كما هي". ورفضت محكمة التحكيم قرارا سابقا صادرا عن لجنة من الخبراء الدوليين مكلفة بترسيم الحدود بموجب اتفاق السلام بشأن الحدود الشرقيةوالغربية للمنطقة. وقال الممثل الخاص السابق للأمين العام للأمم المتحدة أشرف قاضي حينها "لقد وافق الطرفان على أن هذه المسألة قد حسمت الآن"، وذلك عقب صدور القرار. لكن يبقى هناك أمران يمكن أن يتسببا في عودة التوتر إلى هذه المنطقة، الأول هو أن قضية أبيي نفسها لم تحل والثاني هو أن تطالب حكومة جنوب السودان بالعودة إلى تقرير لجنة الخبراء. غير أن الخرطوم يمكن أن تدفع هذه الحجة بالقول إن قرار الإحالة إلى محكمة التحكيم قد تم في اجتماع مشترك بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم في شمال السودان والحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب حينها في 8 يونيو/ حزيران 2008. النفط في ظل هذه المعطيات، هل يكون النفط هو الدافع للسيطرة على هذه المنطقة التي تنتج حوالي 60 ألف برميل يوميا، أي ما يعادل نصف انتاج السودان البالغ 115 ألف برميل يوميا؟ ربما لا يكون الدافع هو محاولة السيطرة على نفط دولة السودان، خاصة مع توالي الدعوات من الاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة والولايات المتحدة لدولة جنوب السودان للانسحاب من هجليج، بل ربما يكون الهدف هو محاولة ممارسة ضغوط اقتصادية على الخرطوم لتقديم المزيد من التازلات في القضايا العالقة بين الجانبين وخاصة رسوم عبور النفط المنتج في الجنوب للتصدير عبر دولة السودان. وكان جنوب السودان اقدم في يناير/ كانون الثاني الماضي على إغلاق أنابيب النفط التي تحمل الخام إلى الشمال بعد تصاعد الخلافات بشان رسوم العبور، مما يعني وضع المزيد من الأعباء الاقتصادية على الدولة الوليدة التي نالت الانفصال في يوليو/ تموز عام 2011. bbc