'خبرة عادل امام في المحاماة اللي شفناها في فيلم 'الافوكاتو' طلعت تمثيل يا جماعة'! هذا واحد من مئات التعليقات الطريفة التي اطلقت على شبكات التواصل الاجتماعي وسمعنا بعضها على الفضائيات العربية بخصوص موضوع الحكم بحبس الممثل المصري الشهير ثلاثة اشهر. ليس الموضوع كوميديا بالتأكيد فهو كما أكد معلّق آخر أتفق معه بأن الحكم هو 'قرصة اذن للمجتمع' وان الأمر برمّته جسّ نبض لامكانيات استخدام القضاء المصري ضد اتجاهات فنية (وسياسية بالتالي). يبدو موضوع عادل امام اشكاليا، وكما رفع الكثير من الكتاب والفنانين اصواتهم (بينهم علاء الأسواني واسعاد يونس وهند صبري وعمرو واكد وغيرهم) اصواتهم مدافعين عن الفنان وعن مبادئ الحرية التي لا تتجزأ، فان كثيرين آخرين ربما كانوا أقل شهرة ولكن أصواتهم عالية ومؤثرة ضمن جمهور عريض وبينهم العديدون من جمهور شبكات التواصل الاجتماعي. ولنأخذ رأي علاء الأسواني مثالا: 'اختلفت سياسيا مع الكبير عادل امام لكني لا اختلف حول قيمته الفنية العظيمة'،، ولنأخذ ايضا رأي الشاب احمد عبد الله مخرج فيلم ميكروفون الذي وضع اصبعه على نقطة شديدة الاهمية حين قال: 'الحكم على عادل امام هو ترهيب لكل فنان سيطلب منه عمل اي دور مختلف او مغاير'، اما حسين مهران احد مؤيدي عادل امام فتطرق لنقطة غير سياسية لكنها لا تقل أهمية حين قال مخاطبا من يؤيدون حبس الممثل: 'عزيزي العبيط... عادل امام مش هو اللي كتب سيناريوهات افلامه ولا هو اللي اخرجها... بس لأنك سطحي وضحل متعرفش غير اللي انت شايفه قدام الكاميرا'! ما يعطي الموضوع طابعا اكثر اثارة ان المعادين لعادل امام ليسوا كلهم بالضرورة من الاسلاميين فبعض الثوار يأخذون عليه مواقفه المؤيدة لسياسات نظام حسني مبارك، والتي أثّرت كثيرا على شعبيته وخصوصا منها المعادية للفلسطينيين ولحماس خصوصا والمؤيدة للتطبيع مع اسرائيل مما جعل بعضهم يصفه بانه كان 'خط التابلاين لاسرائيل هو معبر رفح هو قناة السويس التي فتحها حسني مبارك لضرب العراق'، فيما اعتبره آخر 'بوقا للنظام'، وانه 'فلولي كبير'، ويلخص هذه الآراء تعليق احداهن التي قالت: 'انا مبسوطة ان عادل امام حيتحبس مش علشان ازدراء الأديان، لكن علشان هو ضد الثورة'. وليزيد طنّ سياساته ضد الفلسطينيين واللبنانيين بلّة اشتهر عادل امام بمواقفه المعروفة ضد الاسلاميين باتجاهاتهم المتنوعة وهؤلاء لا يأخذون عليه علاقته بالسلطة السابقة بقدر ما يحاكمونه على ما ظهر من آراء في افلامه، فعلى حد قول احد هؤلاء ان 'عادل امام وامثاله عملوا خلال سنين اكثر مما عمله الملاحدة خلال قرون' وزميله الذي قال: 'طلبنا من الله اماما عادلا فأتانا عادل امام'! الاستخدام السياسي المفرط للفن بعض الاسلاميين (وهم قلة قليلة) انتبه الى انه بغض النظر عن مشاعرهم ضد الفنان الشهير فان شنّ حرب ضدّه في المحاكم يمكن ان تسيء للاسلاميين والاسلام نفسه اكثر مما تؤذي عادل امام وقد علّق احدهم على ذلك: 'الحكم على الزعيم عادل امام تشويه لصورة الاسلام'، وقال اخر ان اولويات الاسلاميين خاطئة فالمطلوب هو التخلص من زمن عادل امام وليس من الشخص نفسه! اغلب المتعاطين مع قضية عادل امام يميلون الى الدخول في قطبين متعارضين حادّين كتعارض السواد والبياض دون التعمّق في اشكاليات هذه القضية العامة التي تعني الكثير ليس فقط اعلاميا ولكن سياسيا. ففي اجواء الاستقطاب الصاعدة حاليا يحن الكثيرون ممن اعتادوا على قوالبهم الاعلامية ومصطلحاتهم الى ايام الماضي السعيد حين كان الدفاع عن 'التنوير' ومهاجمة 'قوى الظلام' يجلب للفنان او الكاتب رضا اولياء الامور ويرفعه عن غيره درجات. كان ذلك 'نضالا' يكلف صاحبه كره الجمهور العام له لكنه يقرّبه من الأعلين وقد تدبج فيه وفي بطولته صفحات الجرائد والمجلات. كان ذلك نوعا من الاستخدام السياسي المفرط للفن في خدمة اهداف الاستبداد بحماية بذلك القناع الليبرالي الذي تطفو على سطحه كلمات مفرغة من معناها، وكان ايضا ترويجا لاسطورة الطغاة العرب العظمى: درهم دكتاتورية خير من قنطار سلفيين. المشكلة كانت ان الدكتاتورية المعادية للاسلام السياسي كانت حاضنة السلفيين أنفسهم. كان الاسلام المنزوع الدسم والذي لا علاقة له بالسياسة هو المطلوب بكل أشكاله والوانه. من ميزات الاعمال الفنية الجيدة، والكثير من افلام عادل امام منها، انها لا يمكن ان تخفي الواقع، وقد قامت احيانا بالربط بين الاستبداد السياسي ونشوء التطرف الديني كما في فيلم 'عمارة يعقوبيان' لكن عادل امام لم يكن أبدا شخصا بعظمة الاعمال الفنية التي قام بتمثيلها، والخلط بين هذين مثل الخلط الذي قام به الذين يقاضونه بين الأفلام وبين الممثل الذي يمثلها. مع سقوط رموز النظام المصري كان لا بد ان تطال الاتهامات عادل امام فهو جزء من النظام القديم وسقوط ذاك النظام سيؤدي نتيجة عوامل الحتّ والتعرية والشيخوخة في سقوط 'الزعيم' الذي، مثله مثل شخص بحجم شعبان عبد الرحيم، لم يوفّر شيئا من كرامته الفنية لتقيه ايام شيخوخته او وهو أمر لم يفكر به على ما يبدو ابدا ايام سقوط النظام. تعتقد القوى المضادة للاسلاميين في مصر انها قادرة على لعب اللعبة القديمة نفسها التي تضعها في موقع المدافع عن الحريات ويجعل الاسلاميين في موقع الذين سيعيدون العالم العربي للقرون الوسطى. في المقابل يعتقد الاسلاميون ان استلامهم للسلطة التنفيذية يعني سيطرتهم ايضا على وسائل الاعلام. أطيلوا لحاكم كما تشاؤوا! كثير من الاسلاميين عاشوا عقودا في بلدان الغرب، وهم يعلمون ان الاعلام يتأثر دائما بالسلطات الحاكمة في اي بلد لكنه في البلدان الديمقراطية لا يمكن ولا يجب ان يكون تابعا للسلطة بل يجب ان يكون مستقلا عنها ليستطيع حماية حق المواطنين في الحصول على اعلام مستقل وغير منحاز وقادر، وهو الاهم، على مقارعة ليس فقط السلطة التي يقودها الاسلاميون، بل أي سلطة حاكمة، والا فاننا سنكون نربّي وحش استبداد جديد يسعى باسم الحفاظ على الاخلاق العامة والدين لاسكات اي صوت من اصوات معارضيه. واذا ادخلنا ما يحصل في مصر في منظور عام يدخل فيه ما يجري في تونس التي شهدت مؤخرا اعتصاما لأنصار حزب النهضة امام التلفزيون كما رفعت دعوى على صاحب قناة 'نسمة' بسبب عرض الفيلم الايراني 'برسيبوليس'، وما يجري في المغرب الذي يهدد الاسلاميون فيه بالنزول الى الشارع للضغط على ما يسمونه 'البوليس الاعلامي'، نكون شهوداً على عملية صراع على السلطة الاعلامية وهو أمر أكبر بكثير من مجرد الحصول على السلطة الحكومية (التي لم تتكرس في مصر بعد) او الغالبية في البرلمان. يرى الكثيرون في ذلك، وقد يكونون على حق، هجمة تتقنّع بالدفاع عن الدين وهدفها الحقيقي هو خفض سقف الحريات المدنية التي كافح الكثيرون في العالم العربي للحصول عليها. من جهة أخرى يرى آخرون، وقد يكونون على حق ايضا، ان الاعلام والفن كانا اداتين من ادوات التأثير السياسي اللذين استخدمتهما السلطات الاستبدادية اسوأ استخدام ضد كل معارضيها وخصوصا منهم التيارات السياسية الاسلامية. هناك جانب في السيناريوهات المصرية لم أجد احدا انتبه اليه وهو دور المجلس العسكري المصري الذي يشدّ الخيوط من وراء الكواليس ويدير جزءا كبيرا من اللعبة. لا يجب ان ننسى ان السلفيين، كانوا خلال حكم مبارك وبعده، مسموح لهم بالتديّن والتعصب واطالة اللحى والشوارب قدر ما شاؤوا، لكنهم 'عندما يدقّ الكوز بالجرة' كانوا دائما قابلين للتكيّف مع ما هو مطلوب منهم، والمطلوب حاليا كثير. الصراع هو اولا واخيرا صراع سياسي والحسم فيه سيؤدي الى نتائج كبيرة على المنطقة العربية. كاتب من أسرة 'القدس العربي' القدس العربي