رغم إنشغالنا هذه الأيام بالعديد من القضايا والملفات المهمة إلاَّ ان الحوار الذى أجراه ضابط جهاز الأمن فتح الرحمن شبارقة مع تابيتا بطرس شوكاى بتاريخ الأحد 15 أبريل 2012م ونُشِر بصحيفة الرأى العام المملوكة للجهاز, كما نُشِر أيضاً فى بعض الصحف الإلكترونية, لم يكن حدثاً عادياً ليمر مرور الكرام ,لذا قررنا العودة إلى ذلك الحوار رغم مرور عدة أيام عليه. فالمدعو فتح الرحمن شبارقة هو أحد كوادر المؤتمر الوطنى الأمنية التى دفع بها إلى الصحافة لتنفيذ أجندة ومخططات جهاز الأمن والمخابرات, ولأهمية هذا الرجل والدور الذى يقوم به , فقد شرَّف عمر البشير شخصياً حفل ومراسم زواجه, وقد تخصص شبارقة فى كوادر القوى السياسية المثيرة للجدل أو المنشقة عن تنظيماتها وتم إستقطابها, مع التركيز على كوادر الحركة الشعبية لتحرير السودان , فقد أجرى الرجل حواراً مماثلاً من قبل مع دانيال كودى عقب إندلاع الحرب فى جبال النوبة مباشرة حيث تبرأ كودى من الحرب وحمَّل المسؤولية للقائد / عبد العزيز آدم الحلو وحكومة جنوب السودان وقال أن التعليمات كلها تصدر من سلفاكير, وأضاف ان مالك عقار (رجل عاقل) وليس متهوراً مثل عبد العزيز ولن يدخل الحرب , وعليكم تحليل هذا الحديث وربطه بتطور الأحداث لاحقاً بهجوم القوات المسلحة ومليشيات المؤتمر الوطنى على الدمازين والكرمك , وإتهامات المؤتمر الوطنى المتكررة لحكومة جنوب السودان بدعمها للحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان فى الشمال برغم علم المؤتمر الوطنى جيداً عدم صحة وبطلان هذه الإتهامات وان الذين يحملون السلاح فى جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور هم شماليون ولا علاقة لهم بدولة جنوب السودان. فالمؤتمر الوطنى منذ توقيعه على إتفاق السلام الشامل فى يناير 2005م, ظل يفكر فى الطريقة التى سيتخلص بها من الجيش الشعبى لتحرير السودان فى جبال النوبة والنيل الأزرق, وبالتالى القضاء على الحركة الشعبية لتحرير السودان فى الشمال نهائياً بعد إنتهاء الفترة الإنتقالية فى 9 يوليو 2011م وإعلان دولة جنوب السودان المستقلة , ولذلك حاول نزع سلاح الجيش الشعبى فى جبال النوبة والنيل الأزرق بالرغم من علمه سلفاً بإن هذه الخطوة ستكون نتيجتها المؤكدة الحرب مع الجيش الشعبى والحركة الشعبية لتحرير السودان , ولكنهم قرروا المضى قُدماً فى الخطوة, وهى خطة مدروسة, وطيلة الفترة الإنتقالية كانت الحكومة تحشد الجيوش فى جبال النوبة والنيل الأزرق وتوزع السلاح على المليشيات الحليفة لها من بعض المجموعات الإثنية فى المنطقتين, فبدلاً عن دفع إستحقاقات المشورة الشعبية المنصوص عليها فى إتفاق السلام الشامل, قام المؤتمر الوطنى بعرقلة إجراءات المشورة الشعبية فى النيل الأزرق وهدَّد عمر البشير بمحاربة مواطنى ولاية جنوب كردفان أثناء الحملة الإنتخابية فى حالة تطاولهم وعدم قبولهم بالأمر الواقع , وبعدها قاموا بتزوير الإنتخابات , وحاولوا بعد ذلك تجريد الجيش الشعبى فى جبال النوبة من سلاحه عندما أدخلوا الدبابات إلى كادقلى يوم 5 يونيو 2011م نهاراً جهاراً فى تمام العاشرة صباحاً, وقاموا بالإستعراض وسط السوق وأمام الملأ, الأمر الذى وجد مقاومة شرسة من الجيش الشعبى لتحرير السودان الذى كبَّد القوات المسلحة خسائر لم تشهدها من قبل على مر تاريخ السودان الحديث وصلت حد هروبهم من أرض المعارك تاركين وراءهم العديد من الأسلحة الثقيلة والدبابات, وفيما بعد قاموا بمهاجمة الجيش الشعبى فى الدمازين بتاريخ 1 سبتمبر 2011م وإندلعت الحرب فى النيل الأزرق, كل هذا كان بهدف القضاء على الجيش الشعبى لتحرير السودان وتسجيل حزب سياسى متوالى جديد بلا (لون ولا طعم ولا رائحة), أى حزب مجهول الهوية بلا أصل أو جذور, يعمل حسب ضوابط وتوجيهات المؤتمر الوطنى. فالمؤتمر الوطنى عندما فشل فى نزع وتجريد سلاح الجيش الشعبى لتحرير السودان , قرر اللجوء إلى الترويج بفشل مشروع السودان الجديد وضرورة تغيير إسم الحركة الشعبية لتحرير السودان بحذف (تحرير السودان) من الإسم, ففرضوا فى بادىء الأمر على دانيال كودى وتابيتا وكمندان جودة تسجيل حركات شعبية جديدة بحذف عبارة (تحرير السودان) وظلوا بعد ذلك يعملون على خلق رأى عام فى هذا الشأن حتى داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان نفسها إذا أمكن , أو على الأقل بدفع بعض قياداتها المنشقة لتبنى هذا الطرح , فهم يرون ان تابيتا بطرس شخصية قيادية مؤثرة بإعتبار أنها كانت فى المكتب السياسى للحركة الشعبية لتحرير السودان بالإضافة إلى كونها تنتمى إلى جبال النوبة أكثر المناطق نفوذاً سياسياً وعسكرياً , ونحن فى هذا الإطار ليس بصدد الرد على تابيتا بطرس أو مطارحتها, فهى لا تملك أصلاً ما يمكن مناقشتها به لكونها قد دخلت الحركة الشعبية (خُلسة) وفى غفلة من الزمان ولم تتشبع بأطروحات وأفكار الحركة الشعبية لتحرير السودان وفلسفتها ورؤيتها للسودان الجديد, ووجودها فى المكتب السياسى كان نتيجة صدفة وعفوية وخطأ كبير, ولكننا نوجه رسائلنا إلى الذين يرغبون فى تغيير (شكل ومضمون) الحركة الشعبية لتحرير السودان, وإلى الذين يودون التجاوب مع هذه الرغبات . أولاً : مشروع السودان الجديد الذى تطرحه الحركة الشعبية لتحرير السودان واضح لا لبس فيه , فهو مشروع يدعو لبناء سودان (ديمقراطى علمانى مُوحد), ترتكز هويته على التنوع التاريخى والمعاصر, والوحدة فيه تقوم على أساس طوعى وواحدة من آلياتها حق تقرير المصير , فعندما تمسك المؤتمر الوطنى ومن قبله كافة الأنظمة والحكومات المتعاقبة على الحكم منذ خروج الإنجليز, بفرض الهوية الأحادية الإقصائية, ولم يكن المؤتمر الوطنى جاداً طيلة الفترة الإنتقالية بإجراء تعديلات جوهرية فى الدستور وهيكل السلطة وتنفيذ الإتفاقية , إختار مواطنى جنوب السودان فى إستفتاء يناير 2011م التصويت لصالح قيام دولة منفصلة كاملة السيادة تضمن لهم الحياة الكريمة والإزدهار والتقدم, ولا زال مشروع السودان الجديد مطروحاً لمعالجة مشكلة ما تبقى من السودان بعد ذهاب الجنوب, بنفس طرحه ومرتكزاته, وهو المشروع الوحيد الذى يضمن لبقية أجزاء السودان الإستمرار موحدة و بلا إحتراب, فالمشروع لا يقود إلى الموت كما قالت تابيتا بطرس أو طُلب منها أن تقول ذلك , بل يعمل على معالجة مشكلة السودان بصورة جذرية ويفتح الأبواب لإعادة توحيد قطبى السودان مرة أخرى وفق أسس وعقد إجتماعى جديد . ثانياً : عندما أطلق مؤسسو الحركة الشعبية لتحرير السودان عليها هذا الإسم عام 1983م , لم يكن ذلك إعتباطاً أو دون دراية وتفكير, فالإسم جاء نتيجة لتحليل جدى وعميق للأزمة السودانية ومشلكلة "السودان القديم", والأمراض المزمنة التى يعانى منها وعلى رأسها الفقر والتهميش والقمع وعدم المساواة والتمييز الإجتماعى والنوعى وغياب الإستقرار السياسى, والإقصاء الثقافى وفرض الهوية الأحادية, وغيرها, فتأسست الحركة الشعبية لتحرير السودان من هذه الأمراض, وبالتالى فالتحرير هو من (ماذا) وليس من (من) كما يُدَّعى الطيب مصطفى أن الحركة الشعبية تنادى بتحرير السودان من (العرب) وطردهم من السودان على غرار ما حدث لهم فى الأندلس, فهذا المفهوم لا وجود له سوى فى مخيلة وذاكرة هذا الرجل وحده لشىء فى نفسه , وربما تأثر به الكثيرين , والسؤال الذى نطرحه هل تخلَّص السودان من هذه الأمراض التى تدعو الحركة الشعبية للتحرير منها ؟ فإذا كانت الإجابة بلا, فإنه لا يوجد أى سبب لتغيير الإسم حتى لم حكمت الحركة الشعبية السودان بإعتبار ان هذه الأمراض تحتاج إلى التحرير والتخلص منها بإستمرار, ولا إعتقد ان تابيتا عندما قالت : (كلمة تحرير السودان دى بعدما إنفصل الجنوب مافى داعى ليها تانى) تعرف مفهوم ( التحرير) وهى التى كانت عضواً بالمكتب السياسى, أما الآخرون فيعرفون ذلك جيداً ولكنهم يزايدون فقط من أجل تغيير هوية الحركة الشعبية لتحرير السودان وأخذها بعيداً عن رؤيتها وأهدافها, وبالتالى بعيداً عن القضايا الحية التى تطرحها وتقاتل من أجلها. أخيراً : يظل مشروع السودان الجديد الذى تطرحه الحركة الشعبية لتحرير السودان عصياً على الإغتيال والتجاوز , بإعتباره الوقود الفكرى والفلسفى الذى تستمد الحركة الشعبية منه قوتها ونضالها المستمر من أجل بناء وطن يسع الجميع, دونه التشظى والإنشطار , وسيظل الإسم التاريخى للحركة الشعبية لتحرير السودان باقياً ما بقت الحركة الشعبية نفسها بجناحيها السياسى والعسكرى (الجيش الشعبى لتحرير السودان), وعلى الذين يرغبون ويفكرون فى القضاء على الحركة الشعبية لتحرير السودان أو تغيير إسمها وهويتها, التفكير أولاً فى كيفية القضاء على الجيش الشعبى لتحرير السودان , وعلى الذين يودون التقرب إلى المؤتمر الوطنى أو إرضائه بتنفيذ رغباته, الكف عن ذلك لأنه غير مفيد, ولن تجنو من ذلك شيئاً, ولن تنالون رضائه وإحترامه. ولنا عودة [email protected]