في الوقت الذي تجابه فيه ولايتا جنوب دارفور والنيل الأزرق بجملة من التحديات الامنية والاقتصادية التي تستوجب من الحزب الحاكم بالولايتين تكثيف الجهود لتقليل وطأة تداعياتها واثارها السالبة علي حياة المواطن،الا ان قيادات المؤتمر الوطني ادارت ظهرها لقضايا الولايتين الحقيقية وركزت جل جهودها علي ادارة معارك داخل الحزب الذي يشهد أزمات متشابهة يعتبرها مراقبون مهددا يفوق في خطورته التحديات الاقتصادية والامنية. ففي ولاية جنوب دارفور التي لم تشهد استقرارا سعي اليها المركز بعيد تقسيم ولايات دارفور الي خمس ، لم تبارح محطة احداث بداية هذا العام التي تزامنت مع ذهاب الوالي الاسبق عبد الحميد موسى كاشا وتولي سلفه حماد اسماعيل ،ومازالت تداعيات تلك الاحداث ماثلة ،مشكلة تهديدا كبيرا ليس علي مستوي الحزب الحاكم بل علي صعيد الولاية ووصلت الخلافات بين أعضاء المؤتمر الوطنى حدود الانقسام الي تيارين وذلك علي خلفية تشديد الوالي حماد اسماعيل على ضرورة محاسبة وفصل نائب الرئيس في عهد كاشا محمد عبدالرحمن مدلل بسبب المظاهرات التي جرت في أيام 24- 26 من شهر يناير الماضي و كانت تدعو لعودة كاشا والتي حمل مدلل اسباب اندلاعها وتم تكوين لجنة لتقصي الحقائق لهذا الغرض، وبحسب التسريبات يرجح ان تذهب قرارات اللجنة ناحية فصل القيادي مدلل من الحزب وهو الامر الذي يتوقع له مراقبون ان يتسبب في مفاقمة أزمات الولاية لجهة التداخل السياسي والقبلي، وطفا الخلاف اخيرا الي السطح عقب حديث الوالي حماد داخل اجتماع المكتب القيادي الاسبوع الماضي والذي شدد من خلاله علي ضرورة محاسبة وعزل مدلل وآخرين ولم يستبعد فصلهم نهائيا، مطالبا اللجنة التي كونت لهذا الغرض الدفع بالتوصيات والوصول الي القرار النهائي ،وتوجيه الوالي للجنة فسره مفسرون انه ضوء اخضر وضغط غير مباشر علي اللجنة لتصدر قرارا يقصي مدلل وعددا من القيادات عن الحزب، وابدي مراقبون تعجبهم من وجود لجنة تقصي حقائق لم تصدر قرارات وحديث الوالي حماد الذي اكد من خلاله ان المركز مع المحاسبة والفصل ويعتقدون ان في ذلك ازدواجية وتضارب ربما يؤثر علي قرارات اللجنة وفي الوقت الذي تشدد فيه قيادات موالية للوالي حماد اسماعيل علي ضرورة محاسبة وفصل من تسبب في الاحداث التي اعقبت ذهاب كاشا ،يخشي مراقبون من أن تأتي نتائج اللجنة كارثية علي الولاية ،متهمين الوالي بتصفية حساباته الشخصية علي حساب استقرار الولاية علي الاصعدة كافة. ويرجع الكاتب والمحلل السياسي النذيز محمد سعيد في حديث ل«الصحافة» خلافات المؤتمر الوطني بجنوب دارفور الي عدم ممارسة الشوري داخل اروقته،وقال ان هذا الامر لم يظهر في عهد الوالي الحالي ويعود الي فترة طويلة ،مشيرا الي ان الصراع حول المناصب الدستورية وامانات الحزب من الاسباب المباشرة لعدم الاستقرار داخل الوطني ،معتبرا ان قضية محمد عبد الرحمن مدلل لاتخرج من هذا السياق ،الا ان سعيد بدأ متشائما حيال محاسبة وفصل القيادي مدلل ،معتبرا أن الوقت غير ملائم نسبه للظروف التي تمر بها الولاية التي قال انها تستوجب البحث عن فرض الاستقرار علي الاصعدة كافة ،ويؤكد ان فصل مدلل من شأنه ان يعمق من الخلافات داخل المؤتمر الوطني وذلك لوجود تيار داعم له من الشباب وافراد قبيلته، وقال ان هذا الامر سينسحب علي الاوضاع بصفة عامة علي الولاية. وأدت الخلافات المستعرة منذ رحيل كاشا بداية العام الى شبه انقسام داخل الحزب ما قاد الى فشل انعقاد مؤتمر الشورى السنوي الذي تم ارجاؤه عدة مرات خوفا من ان تأتي نتائجه ضد رغبة الوالي وأنصاره ،وكانت احتجاجات عديدة برزت على السطح ضد منهج ادارة الحزب من الوالي ومساعديه ،تمثلت ابرز افرازاتها في دفع مسئول الاتصال التنظيمي عماد هارون باستقالته ،وتقديم قيادات شبابية مذكرة احتجاج الى رئيس الحزب ضد سياسة رئيس القطاع، وتجلت الأزمة داخل الحزب من استخدام نهج تداول البيانات السرية لكشف الممارسات السياسية الخاطئة، وقضية مدلل لاتنفصل عن الدستوريين الذين تم ابعادهم عن التشكيل الوزاري الاخير لحماد فهولاء ايضا باتوا تيارا مناهضا ومعارضا للوالي. في ولاية النيل الأزرق لايختلف المشهد كثيرا عن ماهو حادث بجنوب دارفور ،فالخلافات داخل الحزب الحاكم ظلت تراوح مكانها دون حل ، فبعد المطالبات السابقة التي قادها رئيس الحزب بالانابة عبد الرحمن ابومدين التي دعا من خلالها لانهاء تكليف اللواء الهادي البشرى وبعد ان عاد الاستقرار الجزئي الي الحزب عقب التشكيل الوزاري الاخير لحكومة الجنرال التي ضمت عددا من الذين اطلق عليهم لقب«المعتذرين» وهؤلاء من شكلوا حزبا مرادفا ومناوئا احتجاجا علي سياسة ابومدين اطلقوا عليه لقب المؤتمر الوطني «ب» وهو ذات التشكيل الذي نال بعض الرضا من ابومدين وخفف من وطأة خلافاته مع الوالي المكلف ،ولكن مرة اخري تجددت الخلافات داخل اروقة الحزب الذي كلما عمل المركز علي لملمة خلافاته تفجرت مجددا، حيث ظل الحزب يشهد خلال الفترة التي اعقبت تشكيل حكومة الولاية خلافا بين ابومدين والوالي من جهة وثلاثة من قيادات الحزب في الجهة الاخري ، فالثلاثي وزير الشئون الانسانية والمنظمات الاسبق نورالدين عوض سيلمان ووزير الشباب السابق العاقب عباس زروق ومعتمد محلية التضامن الاسبق العمدة بادي خليفة كباس كانوا من الداعمين للحاكم العسكري اللواء يحيى محمد خير وساروا علي ذات الدرب مع اللواء الهادي بشرى بل شارك العاقب عباس في العمليات العسكرية ضد جيش الحركة الشعبية ، شكل ثلاثتهم حلفا ضد ابومدين ، ويشير متابعون للاحداث ان القادة الثلاثة ومعهم عدد مقدر من عضوية الحزب ظلوا يجهرون بمعارضتهم لسياسة رئيس الحزب بالانابة ويتهمونه بعدم المؤسسية واتباع نهج الفردية والعمل علي ابعاد القيادات القوية والمؤثرة ، ويتهمونه ايضا بالوقوف خلف ابعادهم عن مناصبهم الدستورية ، فيما حمل قيادي بالحزب الاعلام مسؤولية توسيع شقة الخلاف داخل الحزب ، معتبرا ان مايحدث داخل المؤتمر الوطني بالنيل الأزرق طبيعي ويحدث في كل الولايات، الا ان القيادي علي الزين علي اعترف في اتصال هاتفي مع «الصحافة» بوجود خلافات داخل المؤتمر الوطني ، وارجعها الي وجود مجموعة من الدستوريين السابقين الذين يظهرون معارضة واضحة حينما يتم تجاوزهم في التشكيل الوزاري للولاية ، مؤكدا بان السلطة والكراسي هي سبب الخلافات داخل الحزب الحاكم والولاية، مبينا ان حل الخلاف يكمن في ايجاد وظائف من قبل المركز للدستوريين السابقين بالولاية. ويعتبر مراقبون ان مايحدث داخل اروقة المؤتمر الوطني بالنيل الأزرق وجنوب دارفور افراز طبيعي للخلافات التي باتت سمة مميزة للحزب الحاكم حتي علي مستوي المركز وكل الولايات مشيرين الى ان قادة الحزب الحاكم بالولايتين ومعظم الولايات ينتهجون سياسة تصفية الحسابات الشخصية ،ويركزون جل همهم علي الخلاف حول المناصب الدستورية كما ان السعي للمناصب الدستورية والبحث عن الهيمنة الكاملة علي مفاصل الحزب من الاسباب التي اضعفت دور الوطني وجعلته في نظر المواطنين حزبا يهتم قادته بتصفية حساباتهم الشخصية والصراع علي الكراسي،ومردود ذلك تدني وتدهور كبير وعدم استقرار ،وذلك لأن قادة الحزب الحاكم يبدون غير مكترثين لمشاكل المواطنين،او بمعني اخر يجيدون الصراعات ويفشلون في تحقيق انجازات. الصحافة