لم يكن متوقعاً أن تخرج جولة المفاوضات الجديدة بين السودان وجنوب السودان التي عقدت في أديس أبابا بنتائج تحسم الخلافات الحدودية والأمنية بين البلدين، لكن حسناً أن الجانبين اتفقا على عقد جولة جديدة من المفاوضات في الخامس من الشهر الجاري، أي أنهما وافقا على مبدأ الحوار والتفاوض لحل خلافاتهما وتخليا عن المواجهة العسكرية التي تكلفهما غالياً وتعيدهما مجدداً إلى مربع النار والدم والدمار . التركة كبيرة وثقيلة بين الخرطوموجوبا، لأن اتفاق السلام العام 2005 الذي أُبرم بينهما لم يحسم الخلافات ويحلها، وإنما كان بمنزلة اتفاق حُسْن نوايا، وعندما حان موعد استقلال الجنوب بعد استفتاء تقرير المصير انفجرت الخلافات بين البلدين اللذين كادا يدخلان أتون الحرب بسبب هجليج . الملف بين الخرطوموجوبا صعب ومعقد، فهناك خلافات تكاد تكون مستعصية حول آبيي، وحول أعالي النيل إضافة إلى مناطق حدودية أخرى، ودعم جوبا للجماعات المعارضة المسلحة في دارفور، وكل طرف يتمترس حول مواقفه المعروفة ويعد نفسه محقاً ولن يتراجع عنها . والوفدان اللذان اجتمعا في أديس أبابا لا يمكنهما اتخاذ قرار بحسم القضايا الخلافية التي تم بحثها، لذلك عادا إلى عاصمتيهما للمشاورة والتوضيح وتلقي التعليمات، لهذا لن يتم حسم ملف الخلافات الضخمة في جلسات قليلة، بل سيأخذ وقتاً، خصوصاً أن ما تم بحثه حتى الآن هو الملف الأمني، وهو واحد من ملفات أخرى أكبر وأصعب . المهم في الأمر أن خيار المفاوضات قد اتخِذ بعدما تم التخلي عن خيار المواجهة والحرب، ولا بد لها أن تؤتي ثمارها في نهاية المطاف مهما طال الزمن، والمهم أيضاً أن يكون الجانبان قد دخلا المفاوضات عن قناعة للوصول إلى حل، وليس لكسب الوقت والخروج منها إذا ما تبدلت الظروف وأصبحت مؤاتية لطرف من الأطراف . الجانبان يدركان أن المفاوضات صعبة، وتحتاج إلى صبر وعمل سياسي ودبلوماسي متواصل، وإلى ابتداع حلول وسط ترضيهما، وذلك أفضل بكثير من الخيار الأصعب والأسوأ وهو المواجهة، الخرطوموجوبا على المحك وأمام مواجهة خيار يبعد عنهما شبح الحرب المقيت خصوصاً أن أزماتهما الداخلية الاقتصادية والإنمائية والصحية وغيرها الكثير ثقيلة ومكلفة، وهما غير قادرتين على تحمل أعبائها . المفاوضات صعبة، لكنها أقل كلفة من أي بديل آخر .