في مطلع تسعينات القرن الماضي وفي وقت كان اعلام النظام التعبوي يعلن على رؤوس الأشهاد إن العلاقات مع امريكا (التي دنا عذابها) قد تحسنت وان الادارة الامريكية تتفهم كل مواقف النظام. والحملة في اشدها وجدت رسالة تم توزيعها على كل صناديق البريد في بوستة الخرطوم، الرسالة كانت من السفارة الامريكية في الخرطوم وفيها توضيح من السفارة إن تحسين العلاقات مع السودان هو هدف للإدارة لكن ذلك لم يحدث ولن يحدث ما دامت الحكومة السودانية لم توف بعدد من الشروط كان في مقدمتها إن لم تخني الذاكرة استعادة الحريات. لم يكن اعلام الحكومة حول تحسن علاقاتها مع الامريكان سوى حلقة من الحرب التي ظلت الانقاذ منذ اندلاعها المشئوم تشنها على مواطنيها. حرب معنوية تستهدف احباط المواطن وتئييسه من احتمالات التغيير، وحرب اخرى اشرعت فيها البنادق التي أصابها الصدأ في انتظار حرب استعادة الاراضي التي سلبها الجيران وهم على ثقة من إن حكومة مشغولة بقمع مواطنيها لن تطلق طلقة واحدة خارج الحدود، نفس الشئ ينطبق على بشار الأسد وغيرهم من الطغاة. تذكرت تلك الواقعة وانا استمع إلى حوار اجرته هيئة الاذاعة البريطانية مع الصحفية شيماء عادل التي احتجزت لبعض الوقت اثناء تغطيتها للانتفاضة الشعبية الثالثة. قالت شيماء إن هناك مشكلة في السودان وحكت عن المرأة التي تحدثت معها حول خروجها في المظاهرات بسبب الضنك وضيق العيش. سألها المذيع إن كانت تعتقد إن حوارها مع الصادق المهدي هو سبب القبض عليها لكنها قالت ما معناه انها تعتقد إن موضوعها الذي كتبته عن الشهيدة عوضية عجبنا ربما كان وراء القبض عليها وترحيلها. لفت نظري التهمة التي وجهت لها وبسببها تم التحقيق معها وهي التجسس لصالح منظمة أمريكية. واضح انها تهمة يقصد منها ارهاب المعتقل برفع سقف التهمة إلى اقصى حد ممكن، المدهش إن جهاز المخابرات السوداني ورئيسه السابق هما من زود الاستخبارات الامريكية بالمعلومات حول الاسلاميين وفي كرم حاتمي ادهش الامريكان انفسهم .المشكلة إن النظام يعتقد إن الحكم في الدول الكبرى يتم بنفس طريقة ادارته للبلاد. بينما في الدول الكبرى لا مجال للعواطف أو الرشوة (بالمعلومات وغيرها) في وضع سياسات تلك الدول. طريقة تعامل الرئيس المصري محمد مرسي مع قضية الصحفية ورغم ما قيل عن محاولة استثمار القضية من قبل الاخوان لرفع شعبية الرئيس، لكنني لا ارى ذلك سيئا على كل حال ما دامت المحصلة هي اهتمام رأس الدولة بمواطنيه في أي مكان. وحين نحاول المقارنة بين مرسي والبشير رغم انعدام اية اسس لها نجد إن البشير لا وقت له ليضيعه في تفقد مشاكل مواطنيه داخل الوطن أو خارجه منذ تجاهله لنداءات ام مجدي الذي اعدم بدم بارد والى اليوم. وتلك في تقديري هي مزية الديمقراطية الحقيقية التي تجعل من الحاكم خادما لشعبه لأنه على الاقل ستكون هناك ساعة حساب بالصندوق. صندوق لم يخشاه عمر البشير ابدا ما دام مجاهدي الخج يسدون عين الشمس والحقيقة. الكتاحة في طريقها لتصبح اعصارا، وسيعلم الظالمون أى منقلب ينقلبون. أطلقو سراح المناضل فتحي البحيري ورفاقه. [email protected]