عاشت منطقة «الدرادر» بمحلية القطينة أمس يوماً عبوساً، واكتسى محيطها بالسواد وخيّم الحزن على أرجائها إذ لا صوت سوى نحيب الثكلى واليتامى والأرامل الذين فقدوا ذويهم في حادث لو كانت للبشاعة أقدام لهربت من فظاعته، حيث راح ضحيته (37) شخصاً أغلبهم قضوا نحبهم حرقاً باستثناء امرأتين. وتعود تفاصيل الحادث إلى اصطدام بص سياحي تابع لشركة ود الجيلاني يحمل الرقم (3100) قادم من الأبيض بحافلة (روزا) متجهة إلى «الدرادر» بعد زيارة مريضة بمستشفى الدايات بأم درمان ووقع الحادث في منطقة «المحريب» نحو (27) كيلو جنوب القطينة، ويحكي شهود عيان أن البص كان يسير بسرعة زائدة وحاول تجاوز جرار وعربة دفار ليتفاجأ بالحافلة قادمة من الاتجاه المعاكس لينحرف الإثنان غرب الشارع ويرتطمان ببعضهما واشتعلت النيران بصورة كثيفة في العربتين مما أعاق عملية إنقاذ ركاب الحافلة البالغ عددهم (34) شخصاً، لقوا حتفهم حرقاً، وقال شهود العيان إن كل الجثث متفحمة سوى جثتين لإمرأتين، بينما عُثر على إمرأة محترقة وهي تحتضن طفلها الذي تفحم أيضاً، واضطر المارة الى جمع أشلاء بعض الضحايا ودفنوها في موقع الحادث لاستحالة حملها مع الجثث، ويقول احدهم إنهم عندما هرعوا إلى مكان الحادث وجدوا سائق الحافلة يستنجد لإنقاذه، إلاّ أنّه صمت تماماً بعد ثوانٍ من صراخه وعرفنا أنه مات لأن النار كانت تتشبث بجسده، بينما قام آخرون بكسر زجاج البص السياحي واستطاعوا إنقاذ بعض الركاب. (37) لحداً في قبر واحد واكتست قرية «الدرادر» التي زارتها «الرأي العام» أمس، بالحُزن وتوشّحت بالسواد جراء فقدها لنفر عزيز عليها، المشهد ينم عن الفقد الجلل وعظم البلاء والكل يدفن رأسه ويروح في بكاء مرير وتمتلئ سرادق العزاء بالمعزين الذين توافدوا من كل فج عميق، وعلى رأسهم معتمد محلية القطينة ووزير الزراعة بولاية النيل الأبيض ومديرا الأمن والشرطة بالمحلية، ويقول أحد المواطنين إنّهم فُجعوا برحيل (34) من منطقة واحدة بينهم أطفال، وقال ان أسرة واحدة فقدت (9) أفراد، ويضيف وهو يكفكف دموعه بطرف جلبابه بأن سائق الحافلة صلاح محمد نعيم كان يعد لإتمام مراسم زواجه بعد (4) أيام، كما أنه وحيد والديه. وعند قدوم السيارات التي تحمل الجثامين من الخرطوم ارتفعت أصوات العويل والبكاء، حيث ووري جثامين ضحايا العربتين في مكان واحد وأعد لهم (37) لحداً في (3) مقابر كبيرة، وكان الملاحظ أن الجثامين لم تكن في أحجام أشخاص كبار فسألت أحد مرافقيها، فقال إنهم احترقوا تماماً وإن بعضهم لم يستبن فيها ملامح وجوههم سوى إمرأتين لم تتعرّضا للحرق. وقال معتمد محلية القطينة الوسيلة أبو زرة، إن ضحايا الحافلة (34) شخصاً بينهم (6) رجال، بينما البقية نساء وأطفال وتوفي من ركاب البص (9) أشخاص ونجا (15) شخصاً حالتهم مستقرة، وأضاف بأنهم يطالبون إدارة المرور بعدم السماح للبصات السياحية بالعبور بعد الساعة (8) مساءً تفادياً للحوادث، وأنهم الآن بصدد تغطية الشارع بالرادارات من جبل أولياء حتى كوستي. وعاب الطاهر البدوي الطاهر رئيس اللجنة القانونية بالمجلس التشريعي، عدم وجود مستشفيات بالمنطقة، وعدم وجود فرقة للدفاع المدني، وقال: يجب ان يكون هناك طريق من اتجاهين، وأضاف أنهم أثاروا هذا الأمر بالمجلس التشريعي إلاّ أنّه لم يجد اهتماماً. القطينة: نبيل صالح - هادية صباح الخير-تصوير: شالكا