أثار طلب الإدارة الأميركية من الخرطوم وجوبا الإسراع في حسم الخلافات القائمة بينهما كثيرا من الجدل بشأن قدرة واشنطن على حمل الطرفين لإنجاز ما فشلا فيه خلال الفترة الماضية. ويبدو أن الإدارة الأميركية ملّت طول جولات تفاوض الدولتين وكثرة ترحال وفديهما بما يشكل علامة استفهام عن مدى جديتهما في التوصل إلى تسوية سلمية لخلافاتهما. ورغم اعتقاد كثير من المراقبين بعدم جدية الخرطوم وجوبا في إيجاد حلول حقيقية "كونهما لا يريان سبيلا للاستمرار في الحكم دون أزمات لإلهاء شعبيهما عن كثير من السلبيات"، فإن لهجة واشنطن هذه المرة ربما تدفع بإعادة كثير من الحسابات لدى الدولتين. وكانت مندوبة الولاياتالمتحدة الأميركية في الأممالمتحدة سوزان رايس قالت إن محادثات طرفي السودان "لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية". وطالبت في حديث للصحفيين الخميس الماضي الخرطوم وجوبا بالتوصل لاتفاق شامل على كافة القضايا المعلقة "لأنها تعهدات ملزمة بموجب قرار مجلس الأمن 2046 الذي أصدره في مايو/أيار لأجل التوصل إلى تسوية النزاع بين الدولتين". وفي وقت ربط فيه محللون الموقف الأميركي بالسباق الرئاسي نحو البيت الأبيض، رأى آخرون أن ابتعاد واشنطن عن ممارسة ضغوطها المعتادة سيعجل بانهيار الدولة الوليدة ويفتح مزيدا من أبواب الحرب في المنطقة بكاملها. تحذير مباشر الكاتب والمحلل السياسي محمد علي سعيد يرى أن تحذيرا مباشرا قد صدر للجانبين "عكس ما كان سابقا بحصر العقوبات والضغط على الخرطوم وحدها". واعتبر أن إصرار الولاياتالمتحدة على التوصل لاتفاق سيكون لأجل بناء دولة جنوبية قادرة على مواجهة الأخطار السودانية، معتبرا أن التحذير "رسالة للجنوبيين بعدم المزايدة في طلب تنازلات السودان الذي قدم ما فيه الكفاية من التنازلات". ولم يستبعد سعيد في حديثه للجزيرة نت حمل واشنطن الطرفين على توقيع اتفاقات على كافة ما يختلفان عليه "ولو جاء على شاكلة نيفاشا التي أبقت على جذوة الصراع متقدة حتى الآن". من جانبه يرى الكاتب والمحلل السياسي محجوب محمد صالح أن لعب واشنطن دورا في نشأة الدولة الجديدة "على أن تكون قابلة للبقاء" يدفعها دوما لوضع الأسس لبناء هذه الدولة. وقال إن واشنطن -بعد اتفاق النفط بين دولتي السودان- بدأت تتجه لحسم الملف الأمني الذي يؤدي تجاهله إلى منع أي اتفاقات أخرى بما فيها اتفاق النفط، وأشار إلى أن أميركا "أرادت أن تبعث برسالة للطرفين كي لا يفهما ترحيبها باتفاق النفط على أنها تنازلت عن تنفيذ ما حدده القرار 2046". وتوقع صالح في حديثه للجزيرة نت أن تعمل واشنطن مع أطراف أخرى مثل الصين للضغط على طرفي المعادلة السودانية، متوقعا حدوث تقدم حقيقي خلال المهلة الجديدة المحددة بالثاني والعشرين من سبتمبر/أيلول. انتخابات أميركا وربط أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم محمد نوري الأمين بين موقف واشنطن الجديد والانتخابات الأميركية، مشيرا إلى أن صغر حجم النفوذ السوداني لم يمنعه من أن يكون مصدر اهتمام الولاياتالمتحدة. ولم يستبعد وجود اتجاه أميركي لوضع صيغة مصغرة لاتفاقية نيفاشا 2005، وأكد وجود أفكار غربية لجعل السودان منبعا لتمويل الدولة الوليدة. وأشار إلى عدم جدية طرفي السودان في التوصل إلى تسوية حقيقية تمنع حدوث مشكلات جديدة بينهما، معتبرا أن معالجة الأوضاع بين الدولتين -وتلاشي العدو المشترك- يعني مواجهتهما بمواقف شعبية داخلية ضاغطة لأجل التغيير. المصدر:الجزيرة