'إننا نسعى إلى أن نقدم إعلاما للشعب يتسم بالمصداقية والشفافية الكاملة، إعلاما يرسخ القيم الإسلامية والمصرية الأصيلة، ويحقق آمال وطموحات الشعب المصري الأصيل، عبر بيئة قانونية وتنظيمية داعمة لمنظومة الإعلام المصري'... كلام لا يبعث الحقيقة كثيرا على الارتياح لوزير الإعلام المصري صلاح عبد المقصود لأنه للأسف يكاد لا يعني شيئا عمليا إن لم يكن بالعكس يبعث ببعض إشارات تدعو إلى القلق. عندما يتحدث وزير قادم من حزب الحرية والعدالة الواجهة الحزبية للإخوان المسلمين، عن إعلام 'يرسخ القيم الإسلامية' وليس إعلاما يرسخ الحرية والتعددية والمهنية، لا بد من الحذر لأن مثل هذا الكلام حمّال أوجه وقد يفتح الباب أمام تأويلات واسعة لا يمكن، بالتجربة التي خبرناها في كثير من دولنا، إلا أن تضيق على حرية الصحافة والصحافيين، رغم أن الوزير معروف بنشاطه السابق في نقابة الصحافيين. صحيح أن الوزير المصري تعهد في نفس التصريحات التي أدلى بها قبل يومين بالعمل على إعداد مشروع قانون للبث الإذاعي والتلفزيوني، وأنه شخصيا سيعمل على أن يتضمن هذا المشروع حرية الإطلاع على المعلومات وتداولها وهذا إيجابي، لكنه ربط ذلك بميثاق شرف يلتزم به العاملون في هذا المجال وبه 'اشتراطات جزائية تقوم على تنفيذها لجنة حكماء' دون أن يحدد بالضبط آلية إنجاز ذلك ومن سيقوم به. هنا لا يمكن استبعاد طرح اجتهادات متعددة يمكن أن تأخذ منحى قمعيا خاصة إذا ترك الأمر للسلطة التنفيذية. الوزير لم يخض في تفاصيل من سيتولى صياغة ميثاق الشرف لا سيما أن الصحافيين والمذيعين في الإذاعات والتلفزيونات الرسمية والخاصة في مصر ليسوا منضوين في نقابة كزملائهم في الصحافة المكتوبة وو كالة الأنباء وهي نقابة تعهد الوزير بالدفع في اتجاه بعثها وهذا جيد. ربما ما يحمل على إبداء هذه المخاوف هو ما يشعر به قطاع من الصحافيين المصريين من أن مجال الحريات الصحافية قد يشهد بعض التراجع تحت حكم الرئيس محمد مرسي وجماعته 'الإخوان المسلمون' خاصة عندما يحذر وزير الاستثمار المصري أسامة صالح من سحب تراخيص القنوات الفضائية التي تبث 'أخبارا من شأنها تهديد أمن المجتمع واستقراره'. المشكل أنه شرع بعد في اتخاذ خطوات تمهد إلى مثل ذلك حين تم إغلاق قناة 'الفراعين' الخاصة لمدة شهر ومصادرة جريدة 'الدستور' وملاحقة القائمين عليهما. لا بد من الاتفاق أولا بأن الإعلام والإعلاميين ليسوا، لا في مصر ولا في غيرها، أناسا فوق القانون ولا هم على 'رأسهم ريشة' حتى يمكنهم أن يفعلوا ما يشاؤون دون محاسبة. لا مفر أيضا من القول إن ما فعلته القناة والصحيفة المذكورتان تجاوز، وعلى امتداد أشهر، كل حدود التهريج والافتراء البعيدين كل البعد عن أصول المهنة ولكن ذلك لا يعني منعهما من العمل دون حكم قضائي تراعى فيه كل المعايير الدولية للمحاكمة العادلة في قضايا البث التلفزيوني والنشر. وهنا لا ننسى أن ما يمكن أن يسجل لعهد الرئيس المصري السابق مبارك أنه سمح بحريات صحفية، ربما عز نظيرها في البلاد العربية، رغم كل أشكال التضييق والتدخل الأمني في عمل المؤسسات الإعلامية لا سيما التلفزيونية منها وبرامجها الحوارية على وجه الخصوص ومن غير المقبول أن تسجل مصر بعد الثورة أي تراجع على هذا الصعيد. ومع أن ما يتداوله الإعلام المصري حاليا فيه الكثير من التهجم المجاني على الرئيس مرسي إلى حد القذف والتشهير، فقد كان من الأنسب كظم الغيظ وإبداء رحابة صدر تستوعب الجميع حتى أولئك المغالين وذلك في انتظار تنظيم القطاع الإعلامي ككل وإرساء قوانين جديدة بالتشاور مع أهل المهنة وممثليهم تتضمن بلا شك قواعد ومحددات الحرية الصحافية بما في ذلك العقوبات الخاصة بأي تجاوز على أن تدير العملية كلها هيئة مستقلة للإعلام بعيدة عن التأثير الحكومي والتجاذبات السياسية والحزبية. الخوف الآن أن الإجراءات المتخذة أخيرا في مصر يمكن أن تغري الحكومة، وفي ظل غياب دستور وبرلمان، بخطوات أخرى قد تجعلها تنزلق إلى تكميم تدريجي للأفواه وهذا أمر لا بد من التحذير منه من الآن قبل استفحاله. القدس العربي