من أكثر المسلسلات التي أثير حولها جدل مسلسل 'كاريوكا' الذي يجسد السيرة الذاتية للراقصة الشهيرة تحية كاريوكا، فالغالبية من الجمهور والنقاد تحفظوا على بعض التفاصيل والبعض منهم لم يعجبه أداء وفاء عامر التي تقوم بالبطولة المطلقة، والحقيقة ان تصريحات الفنانة رجاء الجداوي ابنة شقيقة تحية لعبت دوراً رئيسياً في زيادة جرعة النقد فقد اتهمت كاتب القصة والمخرج بعدم الدقة في صياغة حياة خالتها وإدخال وقائع غير حقيقية ونسبها لها بشكل يسيء للشخصية الجماهيرية الكبيرة. وربما كانت الجداوي تقصد بالإساءة والتشويه ما نسب لشقيق تحية قيامه بتعذيبها وربطها بالجنزير وحبسها في البيت على طريقة المسجونين الحربيين، فضلا عن تعدد علاقات كاريوكا وزواجها المتكرر، والحقيقة أن هذه وقائع سبق ذكرها من قبل ولم يحمل سيناريو المسلسل جديداً فيها. المشكلة أن ما تم تداوله على صفحات الجرائد والمجلات وفي كواليس الوسط الفني قد أثر بالفعل على سمعة المسلسل وليس على سمعة الشخصية المحورية به، أي أن الراقصة، نجمة الأربعينيات والخمسينيات لم تفقد شيئاً من وهجها ولا تزال كما هي تعيش في قلوب عشاق فنها ومحبيها، أما الصراعات الفنية والأخذ والرد فلم يزدها إلا حضورا، وأياً ما كانت المغالطات أو الأخطاء الموجودة في المسلسل فكلها مردودة على صناع الدراما الكاتب والمخرج والمنتج، وبعض من الوزر تتحمله البطلة وفاء عامر التي من المفترض أن يكون لها رأي فيما تقوم بتمثيله ولا تعتمد كل الاعتماد على المخرج عمر الشيخ. وعلى كل الأحوال فإن هناك حلقات لم يتم عرضها بعد لعلها تتدارك ما تم إغفاله، خاصة أن التصوير على حد علمي يتم بيوم، هذا فيما يتعلق بالتفاصيل والوقائع والعلاقة الأسرية لكاريوكا والصراع المكتوم بينها وبين أستاذتها بديعة مصابني حيث مثلت الغيرة ركناً أساسياً في إفساد العلاقة بينهما، خاصة بعد اقتراب التلميذة الموهوبة من القصر وتوطيد علاقتها بالملكة فوزية واقترابها من الدوائر السياسية وعلو شأنها وارتقائها الى مستوى الصفو، بل واعتبارها سُلطة يخشى بطشها. لقد شعرت الأسطى بديعة بانهيار عرشها وتهديد تحية كاريوكا لوجودها على الساحة الفنية التي تسيدتها لزمن طويل فانقلب حبها وتأييدها لتلميذتها الى كراهية وعداء شديدين فباتت تغير معاملتها لها وتضيق عليها الخناق او تحاول أن تفعل ذلك ولكن بعد فوات الأوان فالموهبة الصغيرة صارت نجمة كبيرة يشار إليها بالبنان ولم يعد أمام المربية والاستاذة إلا التسليم بالأمر الواقع. وهكذا انتصرت كاريوكا وتغلبت على العقبة الكؤود في حياتها، وعلى أثر هذا الانتصار مضت تسير في درب النجاح وتنتقل من مرحلة الى مرحلة بثبات وثقة إلى أن وصلت لأكثر مما كانت ترنو إليه فقد تحولت بدوية الفتاة الهاربة من الأرياف الى أضواء المدينة والتي اضطرتها الأيام للعمل كخادمة نظير الإيواء ولقمة العيش الى نجمة سوبر ستار تخالط الأوساط الراقية وتعرف أسرارا كثيرة عن الملك وحاشيته، وتؤدي دوراً فدائياً في حرب فلسطين عام 48 فهي من قام بتهريب الأسلحة للفدائيين على خط القناة مكنهم من تنفيذ بعض العمليات البطولية ضد إسرائيل في وقت مبكر من النضال. كان هذا جزءا من الدور الايجابي لحياة تحية كاريوكا والذي ورد في سيرتها سواء المكتوبة أو المصورة فقبل المسلسل كان الفيلم البديع للمخرجة اللبنانية الكبيرة نبيهة لطفي الذي يحمل اسمها ومشوارها وثيقة تاريخية مهمة تشهد بانجازات الراقصة الاستثنائية الفنية والسياسية، لا سيما أن المخرجة الكبيرة ذكرت في فيلمها مآثر النضال للفنانة في مواجهة القانون 103 الخاص بحرية الإبداع والتعبير وقيامها بالإضراب عن الطعام والاعتصام داخل مقر نقابة الممثلين مع المخرج يوسف شاهين وعدد من الفنانين. الفيلم التسجيلي عن حياة كاريوكا للمخرجة نبيهة لطفي لا شك كان الأكثر تكثيفاً ودقة وواقعية من المسلسل الممطوط مطاً مخلاً فنياً وأدبياً لكون الغرض منه هو ملء الثلاثين حلقة وحشوها بأي شيء سواء كان هذا الشيء حقيقياً أو مجرد تلفيق وافتراءات على الفنانة الراحلة، وأغلب الظن ان كثير مما ورد من بنات أفكار السيناريست الذي اتسع خياله فقفز على الحقيقة ووضع نفسه في مواجهة سهام النقد وفتح الباب للتأويل والمجادلة فيما هو ثابت من السيرة الذاتية فجعل كل من هب ودب يفتي ويشكك في الشخصية بالحق وبالباطل. المرحلة الأخيرة من حياة تحية كاريوكا والتي اتسمت بالزهد والتصوف لم ترد بعد في السياق الدرامي وهي الجزء الأهم المتصل بعزوفها وتقاعدها عن الرقص وتواريها عن الأضواء البقية تحملها الحلقات القادمة من المسلسل المختلف عليه، ومن المتوقع ان تثير مشاهد مرضها ووداعها ورحيلها تعاطف لجمهور الذي لا يعرف عن حياة الراقصة الكثير ويرى في تحويل مسيرتها إلى عمل درامي شيء زائد عن الحاجة! القدس العربي