قالت هيفاء عبدالرحمن المنصور، رائدة السينما السعودية، إنها اضطرت في بعض الأحيان إلى الاختباء في شاحنة مغلقة في الرياض لتصوير فيلم "وجدة" الذي تمّ اختياره من قبل "مهرجان فينيسيا الدولي للسينما" العريق، مُسجّلة بذلك نقلة نوعية للسينما السعودية التي بدأت تُبشّر بالخير. وأضافت المنصور الحاصلة على أول ذهبية في تاريخ السينما السعودية، في تصريح لصحيفة "الغارديان" البريطانية بأنها شعرت في بعض مناطق من الرياض أنها قادرة على التصوير دون عوائق، وفي مناطق أخرى اضطرت إلى الاختباء في سيارة الإنتاج وتوجيه أعضاء طاقمها الذكور من خلال راديو صغير لاسلكي للإرسال والاستقبال خشية إثارة احتجاجات". وتنقل عنها الصحيفة قولها "لا يمكن في الرياض مُشاهدة المرأة تصور الرجال. سيأتي إليك أشخاص ويبلغونك بأن تتوقف عن التصوير. لقد كانت تجربة صعبة على أقل تقدير". وتُتابع الصحيفة بالقول "يرفع فيلم 'وجدة' المُموّلألمانياً وبإشراف منتجي فيلمي 'الجنة الآن' Paradise Now، و'فالس مع بشير' Waltz With Bashir الغطاء عن دور النساء في المجتمع السعودي. وشخصية الفيلم طفلة مُتمرّدة في الحادية عشرة من عمرها تنضم إلى مسابقة محلية لقراءة القرآن، وتُخطّط لاستخدام مال الجائزة لشراء درّاجة هوائية". "حمار إبليس" "فكلّ ما تُريده وجدة درّاجة حتى يتسنى لها السباق في مواجهة صبي صغير يعيش في البيت المجاور"، كما تقول صحيفة "الديلي تلغراف" في تقرير عن أول فيلم يتم تصويره بالكامل داخل الأراضي السعودية وبطاقم سعودي كامل، وهو من بُطولة المُمثّلة السعودية ريم عبدالله والطفلة وعد محمد. وتُضيف الديلي تلغراف "لكن والدتها (ريم عبدالله) ترفض أن تشتري لها واحدة. ففي السعودية الفتيات الصغيرات لا يركبن دراجات. وبعد دراسة متأنية للمسألة لا تتمكن وجدة من رؤية منطق في هذا، ولذلك تأخذ الأمر على عاتقها وتقرر جمع المال من أجل شراء دراجة لنفسها". وقبل أكثر من نصف قرن، كان السعوديون يحتاجون إلى رخصة تُسلّمها "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" لاستعمال الدّرّاجة التي كانت تعتبر آنذاك اختراعا شيطانيا. واضطرت الهيئة إلى السماح باستعمال الدراجة، لكن كان يجب على السعودي قبل أن يستعمل الدّرّاجة أو "حمار إبليس" أن يوفّر شروطا صارمة من بينها الالتزام أمام رئيس البلدية والموثقين والشهود ورئيس القبيلة، بعدم استعمال دراجته إلا في حالة الضرورة وللتنقل فقط بين بيته ومكان عمله. السعودية على شفا التغيير وتعترف هيفاء تقول ل"الغارديان" بأنه ينظر إليها في موطنها على أنها "شخصية استقطابية"، لكنها تُصرّ على أن "البلد على شفا التغيير"، وتقول "نعم، السعودية مكان صعب بالنسبة للنساء، لكن من السهل قول ذلك والقبول بأنه ينبغي للنساء ببساطة البقاء في المنزل. نحن بحاجة لتجاوز تلك الطريقة في التفكير". وتُتابع هيفاء بقولها "النساء بحاجة إلى التماسك معا والإيمان بأنفسهن، والضغط من أجل ما يجعلهن سعيدات. نحن بحاجة للدفع بقوة قليلا ضد التقاليد. نحن بحاجة لعمل الأشياء وإنجاز الأمور ورواية القصص التي نريد أن نبلغ بها، وأعتقد أن العالم مستعد للإنصات". وتختتم الصحيفة بالقول "هناك أدلة مبكرة تدعم وجهة نظر هيفاء: اختير فيلم 'وجدة' بالفعل لتوزيعه في ألمانيا وسويسرا وفرنسا، مع طلبات إضافية متوقعة في فينيسيا هذا الأسبوع". وتُضيف الصحيفة "مكان واحد من غير المُرجّح أن يُعرض فيه فيلم هو السعودية نفسها. فالمملكة لا تحتوي على دار عرض سينمائي واحدة. ونقلت عن هيفاء قولها "السينما محظورة في السعودية. ونأمل في أن يتغير هذا". وكان فيلم "وجدة" قد حاز عدة جوائز خلال مرحلة التطوير، مثل "جائزة الشاشة" من لجنة أبوظبي للأفلام، كما حظي بدعم من مؤسسات سينمائية عالمية مثل معهد صندانس للأفلام الروائية في الولاياتالمتحدة الأميركية ومهرجان دبي الدولي للسينما. وهيفاء، ابنة الشاعر عبدالرحمن المنصور وخرّيجة الجامعة الأميركية بالقاهرة في الأدب الإنكليزي المُقارن، قامت بإخراج عدة أفلام منها "من؟" و"الرحيل المر" و"أنا والآخر" و"نساء بلا ظلّ"، وفازت بعدّة جوائز، منها الخنجر الذهبي لأفضل فيلم وثائقي في مهرجان مسقط السينمائي، التي تُعتبر أول ذهبية في تاريخ السينما السعودية. نُقطة تحوّل في السعودية وقد شاهدت المملكة العربية السعودية في مايو/ ايار الماضي أول مهرجان للسينما على مدى عشرة أيام، تحت رعاية شركة "روتانا" التابعة للأمير الوليد بن طلال والرائدة في دعم السينما في السعودية، وسط سجال بين الليبراليين والإسلاميين حول الاختلاط وقيادة المرأة للسيارة وكذلك السينما. ووقع اختيار إدارة المهرجان في تشكيل لجنة التحكيم على المُخرج المسرحي والمُمثّل عبدالإله السناني، والروائي عبده خال، والمُخرجة السينمائية هيفاء المنصور. وشارك في المهرجان أفلام طويلة وأخرى قصيرة وأفلام وثائقية وأخرى كرتونية، عالجت في مُعظمها قضايا وهموما اجتماعية. ويتعطّش السعوديون إلى مُشاهدة الأفلام للتّرفيه على النفس من ضغوطات الحياة اليومية. وخير شاهد على ذلك "هُروب" عدد كبير من الأفراد والعائلات خلال العُطل إلى بلدان مُجاورة، مثل البحرين والإمارات العربية المتحدة، بعد قطع مسافات طويلة ذهاباً وإياباً، فقط لمُشاهدة الأفلام. وذكرت تقارير صحفية في ما مضى أن في مُقدّمة "المُهاجرين" إلى البحرين عدداً لا يُستهان به من المُتشدّدين الذين يرفضون فتح قاعات عروض سينمائية في المملكة، باعتبار الفن السابع "وسيلة للفساد والإفساد". ميدل ايست أونلاين