حاول التهرب من الاستحقاقات التي ينادي الشعب بها بإطلاق نكتة سمجة عن مؤامرة تقف من ورائها الإمارات. بقلم: د. سالم حميد مع تصاعد وتيرة الأحداث في مصر ووصولها مرحلة مفصلية قد تعصف بالدستور الذي استمات التنظيم الإخواني منذ وصوله سدّة الحكم في سبيل تغييره، فوجد مقاومة كبيرة من بقية القوى المناهضة لنهج وفكر تنظيم الإخوان المتأسلمين الذي ينتمي إليه الرئيس المصري الجديد. وبينما الميادين وعلى رأسها ميدان التحرير تحتشد بمئات الآلاف أو المليون كما تفيد بعض الإحصائيات، في محاولة إحتجاجية جادة لنصرة الدستور والوقوف ضد أخونة مصر، ومحاولات أباطرة التنظيم الإخواني المتكررة لفك هذا الاعتصام بإحراق دور الصحف، وارتكاب الخروقات القانونية المختلفة من حراسات شخصية تحمل أسلحة غير مرخصة، وآخرون يهددون القضاة لإجبارهم على مراقبة الاستفتاء على الدستور، وعدم الافصاح عن جملة التزويرات والخروقات القانونية المباشرة وغير المباشرة التي ارتكبها الإخوان في الجولة الأولى، واحتقان الأوضاع في مصر لدرجة قاربت الصدام بين حكومة الإخوان والبقية الباقية من القوى السياسية. وسط هذا الزخم الذي ينذر بكوارث كبيرة على التنظيم المتأسلم، كان لا بد له من استخدام مهاراته العرجاء في شقّ صفوف المناوئين، وإحراج قادتهم، وتشتيت انتباه الشعب عن تلك الأحداث وعن الفشل المريع الذي منيت به تنظيمات الإخوان التي وصلت إلى كراسي الحكم وفوجئت بعجزها عن فعل شيء، واكتشفت خلل ألا يكون لها برنامج ما بعد السلطة. كبش الفداء هذه المرة قررت الجماعة أن تجعله دولة الإمارات العربية المتحدة، وكان يهدف من ذلك ضرب عصفورين بحجر واحد. فدولة الإمارات من أكثر الدول التي تمكنت من وقف الأطماع الإخوانية في الخليج، وهي الدولة الأكثر تنظيماً وأكثر تطوراً، وهي دولة بها العديد من المقومات أهمها الاستقرار والمال. والمال هو الهدف المحوري للتنظيم بعد السلطة، إضافة إلى ذلك ما عاناه التنظيم من إفتضاح أسرار ما كان لها أن تفتضح لولا اعترافات موقوفيه الذين تعاملت معهم الإمارات بإجراءات دستورية بحتة، وخوفها من أن تقوم السلطات الإماراتية بفضح تلك الأسرار التي قد تدخلها في دوامات قلق كبيرة مع كل من حولها من الدول والشعوب، فهي بذلك تريد أن توحي بأن هناك خلافا بين الجماعة والإمارات ما يجعل أي سرّ تفضحه الإمارات يؤخذ من الآخرين مأخذ إنطلاق من العداوة، وبالتالي تفقد أخطر المعلومات قيمتها، لأن الجماعة الإخوانية حينها ستقول أنها معلومات تولدت عن كيد بسبب الخلاف بين الدولة والجماعة، وهو إجراء استباقي حاول التنظيم المتأسلم أن يلعبه بذكاء. أما العصفور الثاني فهو قادة ورؤوس المعارضة المصرية الذين وقفوا شوكة في حلق التنظيم المتأسلم منذ وصوله الحكم، وهؤلاء بدأوا يكشفون التنظيم للشعب. ولهذا كان لا بد من ربطهم بمؤامرة يكون أطرافها من خارج البلاد، وبذلك سيتحولون من أبطال لعملاء، وهي مرحلة هامة من مراحل اغتيال الشخصية التي أدمن التنظيم الإخواني استخدامها حتى مع بعض أفراده وقادته في صراعاتهم الداخلية التي لا تعرف الهدوء والسكينة. وسط كل هذا الحراك الذي يحدث في مصر، وتذمر الشعب من فشل حكومة الإخوان بما انعكس سلبا على الحياة العامة، خرج محمد سعد ياقوت العضو البارز في الحركة الإخوانية المتأسلمة مصرحا لوسائل الإعلام الإخوانية بأن قيادات جبهة الإنقاذ الوطني بالتعاون مع أحمد شفيق والمخابرات الإماراتية هم من يقف وراء حشد المتظاهرين أمام قصر الاتحادية، وأنهم جندوا عناصر مسلحة لتنفيذ خطة اختطاف الرئيس مرسي وتهريبه إلى قطر بالتآمر مع إحدى الخلايا الإماراتية النشطة ومعهم أيضا كل من حمدين صباحي وعمرو موسى والبرادعي والفريق أحمد شفيق من مصر، ومعهم محمد دحلان من فلسطين ومن الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي والفريق ضاحي خلفان قائد عام شرطة دبي! وما جعل المراقبين أكثر حيرة هو تأكيد ياقوت على أن معلوماته عن المؤامرة استقاها من خلال تسريبات من داخل أروقة المخابرات الإماراتية وصلت إلى مكتب الإرشاد، ومنه إلى الرئاسة. ما فاجأ التنظيم الإخواني هو السخرية والاستنكار اللذان قوبلت بهما هذه الفبركة التي تعجل في إخراجها، وقد شغلته سخونة الأحداث عن التفكير في جوانبها وسدّ مختلف ثغراتها، فالفبركة علم يعشقه التنظيم الإخواني لدرجة الإدمان، ولكنه لا يجيد التعامل مع مفاتيحه ومعطياته، لذلك دائما تأتي فبركاته ضعيفة مكشوفة ومليئة بالثغرات، ودائما تخصم منه بدلا عن أن تضيف إليه. لقد نسي التنظيم تماما وهو في عجلة أمره التي أراد بها التخلّص من رؤوس المعارضة بركلة واحدة، أن من تحدث عن إتفاقهم مع الإمارات حول خطف مرسي هم في الأصل مختلفين في الكثير من الأمور، ولا يمكن أن يلتقوا مطلقا في أي هدف من الأهداف، وأن الإمارات لو أرادت أن تفعل ذلك فهي لن تنقل مرسي إلى قطر، لأن نقل مرسي إلى قطر يشبه نقل العروسة من بيت أهلها إلى بيت زوجها، كما نسي واضعوا الفبركة أن الإمارات عرفت في العالم بأنها لا تتدخل في شئون الدول الأخرى مطلقا، وأن سمو ولي عهد أبوظبي لا يملك وقتا ولا استعدادا للتفكير في مرسي والأخوان، فمسؤولياته المرتبطة بتطلعات وإرادة شعبه هو وإخوته قادة الإمارات هي الشغل الشاغل. أما عن استقائهم المعلومات من داخل مكاتب الأمن الإماراتي فهي فرية أكثر انكشافا من غيرها، فجهاز الأمن الإماراتي لم يسجل سابقة للتدخل في شئون الآخرين، وهو جهاز يمثّل جزءا من دولة اتسمت بالشفافية، فليس لديه شيء تحت الطاولة، فأموره مكشوفة، وسياساته واضحة، ودستور الدولة يحدد صلاحياته وهو المدافع عن الدستور والملتزم به وبأمن دولة ومجتمع الإمارات، وهو جهاز محترف لا يمكن اختراقه في هكذا أمر. وما أن تلقّت الجماعة ردّ فعل غير ما تتمنى وتشتهي وتتوقع، حتى أمرت منسوبها الدكتور ياسر علي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية بنفي القصة تماماً، وتأكيد أن الرئيس في أمان ولا يمكن اختطافه بأي حال من الأحوال، وهو سحب استعلائي للفبركة، فتأكيده على أن الرئيس بأمان ولا يمكن اختطافه، عبارة تعني أنه لم ينفِ تماما قصة الاختطاف المفبركة، وقد استدعى الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية سفير مصر بالدولة واستنكر أمامه تلك الإتهامات المغرضة التي لا تعني سوى استهداف الوطن، والاستهداف خط أحمر لا يمكن السماح بتجاوزه. يحب المصريون النكتة، ولكن عندما تصدر عن صاحب ظل خفيف. أما أصحاب "الدم الثقيل" من الأخوان فنكاتهم مدعاة للسخرية أكثر من الضحك. د. سالم حميد كاتب من الإمارات