عالج مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في القاهرة جملة قضايا وأزمات يعانيها عالم العرب والإسلام، من فلسطين وسوريا شرقاً الى مالي غرباً، لكنه لم يتطرق الى مسألة الإسلاموفوبيا التي تتصدر هموم حكومات وجماعات وحركات عدّة في الشرق والغرب. الإسلاموفوبيا مصطلح مطاط يحمل الكثير من المدلولات. لكن المعنى الاكثر قبولاً وإنتشاراً هو العقدة النفسية والسياسية الناجمة عن سطوة الإسلام والمسلمين. بكلام اوضح : الخوف من الإسلام والمسلمين . الخوف من الإسلام والمسلمين لا يقتصر على الدول والجماعات والحركات غير المسلمة في الغرب بل بات يشمل ايضا امثالها واندادها في الشرق . لماذا؟ ثمة اسباب ودوافع عدّة، سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وراء تنامي هذه الظاهرة. لكن السبب الاول والدافع الابرز نفسيّان بإمتياز: الخوف من تداعيات فتاوى العنف والقتل، بل الخوف من تطور هذه الظاهرة وتحوّلها الى ثقافة شائعة يمكن تسميتها ثقافة القتل. الشواهد كثيرة على حضور هذه الظاهرة وتفاقمها في شتى المجتمعات التي يقيم او ينشط فيها مسلمون، نختار منها ثلاثة : المثال الاول اغتيالُ القيادي اليساري التونسي المعارض شكري بلعيد. الإسلام السياسي في تونس، الممثل بحركة 'النهضة' وحلفائها، كان المتهم الاول في عملية الإغتيال المفجعة. ذلك تفجّر على لسان ذوي بلعيد ورفاقه ومناصريه. جزموا ان المعارض اليساري الشرس، المدافع عن العلمانية والديمقراطية في وجه التطرف الديني 'النهضوي والسلفي'، أخاف جماعة 'النهضة' فقتلته. بعضهم ذهب الى أبعد من ذلك بقوله إن الإستهداف الحاصل اكبر من الصراعات الدامية في تونس لكونه مخططاً خارجياً يهدف الى تمكين بعض القوى الإسلامية المرتبطة بالخارج من السيطرة على البلاد . زعيم حركة 'النهضة' الشيخ راشد الغنوشي ردَّ على الإتهام بالقول إن 'هناك تجييشاً ضدنا (...) والنتيجة حرق ومهاجمة مقرات حزبنا وجرّ تونس الى حمام دم'. لكن الغنوشي لم ينفِ امكانية ضلوع اسلاميين متطرفين في الجريمة، بل ان احد المتحدثين بإسم حركة 'النهضة' اتهم اسلاميين متشددين بالعملية في اشارةٍ الى السلفيين الذين يناصبون 'النهضويين' العداء. اياً من كان وراء الجريمة، فالثابت ان ثقافة القتل حاضرة في تونس، وان فتاوى القتل باتت احدى ادوات الصراع، وان الفاعل إسلامي والمفعول به يمكن ان يكون إسلامياً او غير إسلامي . المثال الثاني فتوى صادرة عن أحد شيوخ الازهر تبيح قتل اعضاء 'جبهة الإنقاذ الوطني' المعارضين لنظام 'الاخوان المسلمين' في مصر، وابرزهم الناطق بإسم الجبهة رئيس 'حزب الدستور' محمد البرادعي، وزعيم 'التيار الشعبي' حمدين صباحي، ورئيس 'حزب المؤتمر' عمرو موسى. 'بطل' الفتوى هو الشيخ محمود شعبان، الحاصل على الدكتوراه والأستاذية من كلية الدراسات العربية والإسلامية، في الأزهر وأحد اشهر الدعاة في أقنية التلفزيون واكثرهم إثارة للجدل، والمعروف بإطلاق ألفاظ نابية عندما يتحدث عن معارضي الرئيس محمد مرسي. فتوى الشيخ شعبان صريحة: 'ما لا يعلمه كثيرون ان جبهة الإنقاذ بقيادتها التي تبحث عن الكرسي بوضوح الآن، حُكمُها في شريعة الله القتل'. ما مستند الفتوى الفاضحة التي اطلقها شعبان؟ قال فضيلته إن مستندها الحديث النبوي الذي جاء فيه 'من بايع اماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر'. لم يكتفِ شعبان بقولته تلك بل طلب، فوقها، رأي هيئة كبار العلماء في الازهر في مَن يَخرجون على الرئيس مرسي وكأنه اضحى إماما! طمعاً في كرسي الحكم وإحراق البلاد. الفتوى كما طَلَبُ رأي علماء الازهر اعتبرهما اهل السياسة والرأي تحريضاً مباشراً على قتل المعارضين. مرسي نفسه رفض، ولو متأخراً، الفتوى الفاضحة بقوله: 'من الغريبِ على ارض الكنانة ان يروّج البعض للعنف السياسي ويحرض عليه وأن يبيح البعض الآخر ممن يدعون التحدث بإسم الدين القتل على قاعدة الإختلاف السياسي، وهذا هو الإرهاب بعينه'. البرادعي ردَّ على الفتوى الشعبانية بتغريدةٍ على حسابه في 'تويتر' جاء فيها: 'عندما يفتي شيوخ بوجوب القتل بإسم الدين من دون ان يتمّ القبض عليهم، فقل على النظام ودولته السلام'. صباحي اختار ان يرد عملياً على الفتوى بالمشاركة في التظاهرات التي انطلقت في 'جمعة الكرامة او الرحيل'. المفارقة اللافتة ان عبود الزمر، الضابط السابق وأحد ابرز قياديي الجماعة الإسلامية والمشارك في قتل انور السادات، رفض فتوى شعبان قائلاً: 'لا مجال ابداً لأن يتعامل الإنسان بالسلاح مع خصومه السياسيين'. مجمع البحوث الإسلامية اصدر بياناً، بعد اجتماع اعضائه الى شيخ الازهر الدكتور احمد الطيب، رفض فيه الفتوى، منبهّاً الى ان مثل هذه الآراء تفتح ابواب الفتنة وفوضى القتل والدماء، وان القاتل والمتسبب بالقتل سواء بالتحريض او بالرأي شريكان في الإثم والعقاب في الدنيا والآخرة. المثال الثالث يأتي من سوريا. اهل النظام والمعارضة المسلحة متهمان بقتل الابرياء. الفارق بين الطرفين ان النظام يُنكر ما يُنسب اليه من جنايات وانتهاكات بينما يعترف قادة بعض المجموعات الإسلامية المتطرفة بل يتباهون بعمليات القتل الجماعي التي يرتكبونها. ذلك انهم يحرصون على تصوير بعضها وبث تفاصيل التمثيل بالجثث في 'فيديو' يعممونه على القنوات التلفزيونية، مستندين في ما ارتكبوه من جنايات وانتهاكات الى الشريعة والحديث النبوي الشريف. صحيح ان حكومات وهيئات وبعض وسائل الاعلام تضخم الكثير من اعمال القتل التي ترتكبها جماعات اسلامية او جهات يجري نسبتها حقاً او باطلاً الى الإسلام، إلاّ ان ذلك لا ينفي تصاعد ظاهرة ثقافة القتل الامر الذي يعزز ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب والشرق، ويتيح لرعاتها كما للمتضررين منها فرصاً وسوانح لإستعمالها ادواتٍ سياسية واعلامية في محاربة الخصوم والاعداء. ولعل أغرب تجليات هذه الظاهرة ان حكومات وهيئات في اميركا واوروبا وعالم العرب والإسلام ترفد بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة بالمال والسلاح والعتاد من جهة ولا تتوانى، من جهة اخرى، عن شجب جرائمها وانتهاكاتها عندما تبرز للعيان. اكثر من ذلك، بات واضحاً ان الثقافة والإعلام اصبحا السلاح المفضّل لدى بعض المتدينين كما العلمانيين في محاربة الخصوم. كم كان مصيباً وثاقباً عالِم الإجتماع السياسي الدكتور احمد بعلبكي عندما اكد في دراسته الشيّقة 'معلوماتية تُوسّع الاسواق وتُضيّق الهويات' ان 'هيمنة النخب الحاكمة، والمتدينة منها خاصةً، تبرز في ترويج المضامين الملائمة لكل مكّون من مكوّنات الثقافة لضمان استدامة تسلّطها وتوريثه وفي اختزال الديانة في اقامة مواسم التدّين المفرط ومَسَرَحة شعائره، وفي ترويج ملاحم العزاء وتفصيح اللغة المقيت ببلاغة الولاء لمواقف الزعماء'. ' كاتب لبناني ميدل ايست انلاين