سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في وحل التسلط والديكتاتورية..ما الذي يتبقى من السودان في ظل عقلية تتوهم أنها تحظى بالصواب والمباركة الإلهية. أصبحنا في سيرك كبير..وسنجلس جميعاً نبكي مثل الثكالى حكايات الآباء وتاريخ الأجداد في بلد كان إسمه السودان.
أحاول جاهداً تصور حال السودان بعد تاريخ التاسع من يناير عام ٢٠١١، أي بعد أقل من ثمانين يوماً من الآن، وبعد أن يتكرس الانفصال كحقيقة نحاول الآن الهروب أمامها بوضع متاريس وكوابح نأمل أن تؤجل هذا الاستحقاق، الذي بات استحقاقاً أمريكياً ودولياً أكثر من كونه استحقاقاً سودانياً، أو عروبياً.. النتيجة معروفة ولكن حتى الآن لم يسعفنا الخيال السياسي لوضع سيناريو لما قبل الأزمة ولما بعد الأزمة.. أصبحنا مجرد حواة في سيرك كبير بدأت أعمدته في التخلخل بعد أن ضربها سوس العجز السياسي والادعاء الأجوف على القدرة على إدارة المحنة والهروب من الكوارث المتلاحقة التي جعلت الوطن يغرق في وحل التسلط والديكتاتورية والاستفراد بأمر البلاد والعباد. انفصال جنوب السودان عن شماله لن يكون نهاية المطاف، ولكن هذا المطاف سيكون له ما بعده، ولن يتوقف الزلزال السياسي الذي سيضرب السودان عند حدود دولتي الجنوب والشمال، بكل اللهب المنبعث من أتون المعارك المتوقعة والمنتظرة والمحتملة، بل سيطرح سؤالاً بعيد العمق وشديد المرارة، وهو هل سيبقى هناك سودان بالمعنى الذي تعارفنا عليه وتراضينا بالعيش تحت ظلاله تحت راية المواطنة أم أن كل جماعة ستحمل متاعها وترحل إن شرقاً أو غرباً؟.. وما الذي يتبقى من السودان في ظل عقلية متسلطة تتوهم أنها تملك الصواب وتحظى بالمباركة الإلهية وتفعل ما تشاء دون أن يملك أحد الحق في مساءلتها حتى أغرقت السودان في مستنقع آسن لم نجنِ منه سوى الكوارث والفواجع والمحن. ما يحدث الآن ليس وليد اللحظة بل هو جنين منذ سنوات الإنقاذ الأولى ظل ينمو ويتضخم إلى أن أسفر عن هذه النتيجة المنطقية وهي عجز السياسات وقصور الرؤى وترجمة أمنيات كامنة غير مفصوح عنها بأن انفصال الجنوب ليس نهاية المطاف، والسؤال الذي يطرح نفسه وبإلحاح هو هل ستتوقف كرة الثلج عند الحدود المتنازع عليها بين الشمال والجنوب أم أن هذه الكرة ستتدحرج غرباً وشرقاً، وتتحقق استراتيجية إسرائيل التي طرحت في الثمانينيات من أن مصير السودان أن يتشظى إلى دويلات في الجنوب والغرب والشرق والشمال، وأن السودان الموحد سيبقى مجرد ذكرى في أذهان الجيل الذي نشأ في أربعينيات القرن الماضي. ما ذكر عن أن العقد الأول من القرن الحادي والعشرين كان عراقياً خالصاً فإن العقد الثاني سيكون سودانيا خالصاً وستكون الولاياتالمتحدة كما هو الحال مع العراق اللاعب الأساسي والأول في السودان ولن يكون لأي قوى أخرى- بما في ذلك الصين- القول الفصل في مصير مستقبل السودان. إن كانت قضية أهل الجنوب قد حسمت بالانفصال المقرر له مطلع العام القادم، تبقى قضية أهل الشمال وهي قضية بالغة التعقيد وسترتفع أعمدة الدخان في الغرب حيث تبقى قضية دارفور تغلي تحت الجمر المخبوء، وسيعتلي الوهن قامة أهل الحكم في الوسط لتشتعل النيران من جديد في الشرق، وسيؤرخ العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين وما سيتلوه بداية النهاية لأكبر وطن في القارة الإفريقية ولأوسع بلد في العالم العربي مساحةً وسيتحمل أهله مسؤولية ضياعه حيث لم يحسنوا إدارته وسنجلس جميعاً نبكي مثل الثكالى حكايات الآباء وتاريخ الأجداد في بلد كان اسمه السودان. بقلم - بابكر عيسى :