عندما يتفوق ويتميز واحد من أبناء السودان داخل حدود الوطن يكون لذلك التفوق مذاقاً بطعم البهجة وعندما يتفوق ذات السوداني خارج الحدود يكون (الفخر) سيد الموقف( بحسبان أن السودانيين سفراء لبلدانهم وأي إنجاز يحققونه هو إنجاز للوطن بالمقام الأول ! السوداني البروفيسور معتصم إبراهيم خليل كان سبباً في انتصار علمي كبير تحقق لجامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية ، حيث نال د. معتصم براءة اختراع ( المجانتيت ) من مكتب براءات اللاختراع الأوروبي ! الخرطوم حاورت البروفيسور خليل وكانت هذه الإفادات المهمة: حوار / نادية عثمان مختار - بداية حدثنا عن شعورك لحصولك على براءة الاختراع لتصنيع الماجتنتايت وهو إنجاز كبير يحسب لك كعضو هيئة تدريس بقسم الكيمياء بكلية العلوم بجامعة الملك سعود ؟ أبعث لك ولأسرة جريدة الخرطوم كل الشكر على اهتمامكم وتشريفي بهذا الحوار، وأود أن أبدي إعجابي بمجهوداتكم المستمرة والمتجددة في إثراء الساحة الإعلامية والثقافية. أنا سعيد بنيل براءة الاختراع، أما شعوري فهو شعور من أكمل عمل يومه راضياً ويتطلع لفجر يوم جديد. إلا أن أكثر ما أسعدني هو سماع صوت من لم ألتقهم من سنين بعيدة من الدفعة التاسعة بخور طقت الثانوية الذين اتصلوا مهنئين.. فلهم ولكل الإخوان والأخوات الوفاء والحب والتقدير. عرّفنا عن ماهية (الماجتنتايت) والفوائد التي ستعود على البشرية من تصنيعه؟ إن كل ما يقوم به الباحثون ماهو إلا الكشف عن ما بثه وأوجده ويسره الخالق سبحانه في هذا الكون.. والماجتنتايت واحد منها, تنافست مراكز الأبحاث في تحضيره وتحسين خواصه. وهو أكسيد حديدي يتكون الجزيء فيه من ثلاث ذرات حديد وأربع ذرات أكسجين ترتبط مشكلة بنيات فراغية ثمانية ورباعية الأوجه وهو مغنطيسي الصفة. أما الفائدة العائدة فتتمثل في تميز براءة الاختراع ببساطتها العملية وجدواها الاقتصادية العالية وتقليل تكلفة التصنيع بنسبة عالية معطية ناتجاً نانوي الحجم عالي المغنطيسية، ولقد حققت براءة الاختراع كل شروط الكيمياء الخضراء ومكنت من تصنيع مشتقات للمجنتايت وسهلت من تصنيع الهلاميات المغنطيسية. - وماهي استخداماته؟ يستخدم الماجنتايت في عدة مجالات هي: الصناعية، والطبية، والصيدلانية، والبيئية. فهو يستخدم صبغة ثابتة في الدهانات ذات الأساس العضوي، وفي صناعة مواد التلميع، ونسبة لأنه ممتص قوي للأشعة فوق البنفسجية فإنه يستخدم في صناعة الزجاج ولحماية الدهانات من التحلل الحراري ولانعدام سميته يستخدم ملوناً للأطعمة والمنتجات الصيدلانية والتجميلية. ولكفاءته الاختزالية العالية يستخدم للتخلص من الملوثات المعدنية في مياه الشرب وفي إعادة تدوير مياه المجاري والتخلص من النفايات المشعة مثل اليورانيوم والتكنيشيوم بالمفاعلات الذرية. ولخاصيته المغنطيسية الفائقة يستخدم في صناعة الأحبار المغنطيسية، وفي صناعة الشرائح والأفلام الممغنطة، وفي حفظ المعلومات وتخزينها، وفي صناعة الفيرايت المستخدم في الصناعات الإلكترونية، وفي صناعة الهلاميات اللدائنية المغنطيسية القادرة على تحويل الطاقة (الكهربية والحرارية والكيميائية) مباشرة إلى شغل ميكانيكي. وهي قادرة على حمل ونقل الاندفاع المغنطيسي، وتستخدم في صناعة العوازل. كما يستخدم في التعدين. ويستخدم الماجنتايت في عملية التوجيه المغنطيسي للأدوية نحو الأعضاء المصابة خاصة الخلايا السرطانية مباشرة ويتم ذلك بتشبيع الكبسولات بهذا المركب. كما شرعت مراكز الأبحاث الطبية في استخدامه في التصوير بالطنين النووي المغنطيسي. تستخدم الأسبينالات المشتقة منه في مجال الجفز، والتصميمات الإلكترونية. وفي تلوين البلاستيك، ومواد التجميل، كما يستخدم بعض منها مواد مضادة للتآكل. أما الناتج الجاني وهو اليود فتتمثل جدواه الاقتصادية في استخدامه في صناعة صبغة الأنلين والفثلين، وفي الحفز، وتحضير الأملاح اليودية، وفي صناعة الأدوية. وفي النقش وفي الطباعة الحجرية. وفي صناعة نوع خاص من الصابون، وفي الطب، وفي الكيمياء التحليلية، وفي صناعة زيوت التشحيم. كما يستخدم كمضاف لملح الطعام. للاختراع قيمة تسويقية عالية مما جعلكم تمددون الحماية في أكثر من دولة لتوسيع القاعدة التسويقية فهل السودان من بين الدول المعنية؟ نعم لهذا الاختراع قيمة تسويقية عالية، فبجانب التكلفة المنخفضة للإنتاج فإن للنواتج الجانبية قيمة اقتصادية وهو أحد شروط الكيمياء الخضراء كما ذكرت.. لذا سارعت جامعة الملك سعود بتسجيل حمايته في مائة وستة وأربعين بلداً.. وستضاف لها المملكة العربية السعودية لاحقاً.. وللأسف السودان ليس من بين هذه الدول. ولابد أن أذكر هنا أن براءة الاختراع سجلت باسم جامعة الملك سعود وهي المتصرف الوحيد في تسويقه. - بحسب ما جاء في الصحف حول الاختراع فإنه يتميز بكفاءته الاختزالية العالية مما جعله مناسباً للتخلص من الملوثات المعدنية في مياه الشرب حدثنا عن ذلك؟ ملوثات المياه عضوية وغير عضوية وما يقع في مجال اختصاصي تلك الملوثات غير العضوية السامة مثل مركبات الزرنيخ الخماسي والزئبق الثنائي واليورانيوم السداسي والتكنيشيوم السباعي الذائبة في الماء. ويقوم الماجنتايت باختزالها وذلك بمنحها الإلكترونات فيحيلها إلى هبئات غير ذوابة أو شحيحة الذوبان في الماء ويمكن التخلص منها بواسطة الترسيب و الترشيح. - هل يمكن أن يكون هذا الحديث (بشرى سارة) لبعض السودانيين ممن يشكل تلوث المياه هاجساً لديهم؟ نعم، فنسبة لعدم سميته فيمكن إضافته مسحوقاً أو كتلاً صغيرة. نحن الآن نعد لتحضير نماذج من الأغشية والمصافي والأقطاب المغنطيسية لتقوم بالمهمة وهي نماذج ضرورية في عملية التسويق. ونسبة لأن المحصول المنوي يقارب 100% فإن توفير المادة بكميات كافية وأسعار مناسبة سهل التحقيق. - مخترع المغناتيت يستخدم كذلك في إعادة تدوير مياه الصرف الصحي والتخلص من النفايات المشعة كاليورانيوم وغيره فهل كل ماسبق لايجعل استخدامه في السودان ضرورة ملحة ولو مستقبلياً؟ يعتمد ذلك على دراسة البيئة المائية في السودان النهرية منها والجوفية والتعرف على نوع الملوثات أهي عضوية أم غير عضوية أم كلاهما. وتحديد كمياتها، ويصبح استخدام الماجنتايت ضرورة ملحة إن وجدت تلك الملوثات غير العضوية متعدية حدود السلامة. - بفضل اختراعك لتصنيع الماجنتايت حصلت جامعة (الملك سعود) على براءة الاختراع من قبل مكتب براءات الاختراع الأوروبي كيف استقبلت الجامعة السعودية خبر هذا النصر الذي حققه سوداني؟ تعمل جامعة الملك سعود جاهدة لتحتل مكانة عالمية متقدمة من بين الجامعات العالمية. وبراءة الاختراع هذه التي سجلت باسمها دفعتها لأعلى سلم التقييم وزادت من مكانتها. لقد سارعت الجامعة والجهات الرسمية بإعلان خبر منح براءة الاختراع على البوابة الإلكترونية باللغة العربية والإنجليزية وعلى صفحات جريدة الشرق الأوسط والجزيرة والرياض وجريدة عكاظ والتلفزيون والإذاعة السعودية. وتلقيت شاكراً تهاني جميع المسئولين بالجامعة والزملاء والأصدقاء وطلابي. - البعض من السودانيين داخل الوطن عندما يسمعون بتحقيق إنجاز كبير كهذا لواحد من أبناء السودان وقد ناله باسم دولة أو مؤسسة غير سودانية يصيبه الحزن والحسرة لأن أي إنجاز علمي كان سيكون مفرحاً لو تحقق من داخل الوطن، ماهو رأيك؟ لهم كل الحق في ذلك. فقد جبلوا على حب السودان والغيرة عليه.. وهو نوع من الانتباهة لما غفل عنه. إلا أنني أطمئن كل غيور على السودان أن الغد أفضل و أن فى صدور أبنائهم أسرارا لن تكشف الا لسودانهم. هجرة الكفاءات السودانية من مختلف المجالات لدول أخرى تستفيد من عقولها وإنجازاتها العلمية كيف تقرأ ذلك؟ وهل من حلول للفراغ الذي يخلفه هجرتهم؟ لابد أن ندرك أن عالمنا اليوم يعيش عصر "الاقتصاد المعرفي" ومعناه البسيط هو تحويل المنتج البحثي لقيمة اقتصادية وفي أسرع وقت وإلا سبقك عليها عكاشة. ولذلك تتنافس وربما تتقاتل الدول على استقطاب العقول.. وبعضها يسطو على المعلومات لتحويلها لفائدته الاقتصادية، وأمثلة ذلك كثيرة، انظر إلى دور العلماء الألمان بعد الحرب العالمية الثانية في تقدم الولاياتالمتحدة.. وماتفعله اليابان وماقامت به الصين مؤخراً بإرجاع علمائها من أمريكا. إن هجرة العقول السودانية وما أكثرها وما أكفأها قد تركت بلاشك فجوة بين الأجيال.. كانت نتائجها سالبة على جميع الميادين إلا أن البذرة الصالحة موجودة وأجيال الشباب الحديثة قوية الشكيمة وإلا لما عبرت بنجاح زمنها القاسي.. فعلينا رعايتها وتوجيه إمكانياتنا الشحيحة وجهة صحيحة لتنمو تلك البذور نمواً معافى في زمن وجيز.. وقديماً قالوا: سم الهلال إن عاينته قمرا.. فكل الأهلة بعد وشك لأقمار ! وللإسراع بذلك النمو لابد من عودة تلك العقول السودانية.. وهي فئة لاتطمع إلا في بيئة علمية مواتية ولأن الوقت باتر وخير البر عاجله، فإن أفضل وقت للإنجاز هو الآن!! بروف معتصم ماهي خططك المستقبلية أكاديمياً؟ أعمل الآن على مستخلص الكركومين من نبتة الكركم الهندية وهي مادة ذات فوائد علاجية عديدة نشرت عنها مئات الأبحاث وادعى الباحثون كفاءتها العالية في علاج السرطانات المختلفة والالتهابات وهي مادة مضادة للتأكسد.. أنصح بتناولها في وجبات الطعام.. وقد دلت أبحاثنا على ارتفاع كفاءة الكركومين العلاجية عندما ترتبط بالمعادن. وقد تقدمت لتسجيل براءة اختراع أخرى عن استخدام الكركومين بديلاً للكيمياويات الضارة في صناعة منتج صناعي... أحجم عن ذكره الآن للسرية. كما أنني توصلت لإنتاج مشتق من الكركومين يفوق في كفاءته في قتل الخلايا السرطانية كل ماهو معروف الآن عدة مرات. هذا ما بشرنا به البروفسير إقبال شودري الذي اختبر المادة بمعامل أبحاثه بالباكستان وسنعلن النتائج حال التأكد التام منها. وما يشغل بالي الآن هو تحلية مياه البحر. وكما تعرفين هناك تناقص متزايد للمياه العذبة بإزدياد سكان الأرض وارتفاع مستوى المعيشة وتزايد النشاط الصناعي والزراعي، ولابد من إيجاد طريقة للتحلية بديلة لطرق التبخير والنضح الأسموزي العكوس المستخدمة الآن. فما رأيك أن أخص جريدة الخرطوم دون المجلات الكميائية العالمية بالخبر التالي؟ وهو نتيجة في رأيي مبهرة: "تخريم وتشكيل بلورات ملح الطعام " ولكي لايظن البعض أن الخبر ادعاء... (الصورة المرفقة وهي مكبرة ألف مرة). هذا المشروع البحثي مثل و مازال تحديا نحاول التغلب عليه وسأقنع أهل الكيمياء بمصطلح "الإبر الكيميائية" مصطلحا جديدا في قاموس الكيمياء. تخيلي أن نحشو هذه الفجوات بمادة تمنع الملح من الذوبان فى الماء و لا شيء يمنع من ركوب حصان الخيال والأحلام. سأبني تصاميم تجاربي المستقبلية على هذه النتيجة. ونسبة لاهتمامي بالصدأ الأخضر، فقد تقدمت للخطة الوطنية الإستراتيجية السعودية يوم 3/3/2013م بمشروع لتصنيع "الزبالة" معملياً.. وهي نفس الزبالة التي يصنعها أهلنا البسطاء في السودان ويستخدمونها لحماية المباني الطينية من الأمطار، هناك كيمياء بديعة وثرة تحدث داخل هذه الزبالة سأحاكيها معملياً بدون استخدام روث الحيوانات. الهدف من هذا المشروع هو إنتاج زبالة عالية الخاصية "البلاستيكية" واستخدامها في قفل مسام التربة الرملية لحصد وتخزين أكبر كمية من مياه الأمطار على قلتها في المملكة العربية السعودية. ولأن هذه المحاكاة ستعتمد على المخلفات الزراعية فستكون أقل تكلفة من المواد الأسمنتية وقد تكون قابلة للتصدير. - متى ستودّع غربتك وتحط رحالك على أرض الوطن؟ تتعدد وتتباين أسباب ومقاصد الهجرة والاغتراب إلا أن المغتربين يشتركون في حقيقة واحدة وهي بقاء الأسباب وتزايدها واستحالة تحقيق المقاصد. فنغوص جميعاً أكثر الى أعماق رمال الغربة الناعمة. إننا نبرر بقاءنا في الغربة بترديد مقولة: "الولف كتال" ولكن لابد من عودة نادية عثمان مختار [email protected]