حين كانت الجبهة الشرقية مشتعلة .. فى النصف الثانى من عقد التسعين ..كان الداخل هو الآخر يشهد حراكا كثيفا للمعارضة الداخلية .. صحيح كانت هناك ثمة تحركات وإحتشادات طلابية من حين لآخر .. وكانت هناك إعتقالات .. وتعذيب .. إلا أن الصحيح ايضا .. أنه خلا ذلك .. فإن جل الحراك المناوىء كان يأخذ شكل الحكى .. وأحلام اليقظة .. كانت تجمعات المعارضين تلتئم وتنفض .. وتتحدث عن خيارات ( إسقاط النظام ) .. وإحتمالات سقوطه .. وكانت واحدة من أبرز تلك التجمعات تنتقل من دار الأستاذ غازى سليمان المحامى صباحا الى مكتبه عند منتصف النهار ثم تعود لتلتئم مرة أخرى فى داره عشية ... ( الفترة التى سبقت تشكيل جبهة القوى الديمقرطية – جاد ) وكان واحدا من اصحاب الحضور المميز .. الراحل المقيم الفريق توفيق ابوكدوك .. لا من موقع المعارض الصاخب .. ولكن من موقع المراقب المتأمل .. و كان مايميز ابوكدوك صمته .. لا حديثه .. فقد كانت له قدرة هائلة على الإستماع .. وفى المقابل .. قدرة هائلة على تقديم إيجاز للمعانى الضخمة.. ذات نهار ومكتب الأستاذ غازى سليمان يعج بالرواد والحكاوى .. تحدث الفريق ابوكدوك .. قال بإيجاز .. خير لكم هؤلاء .. من أن يأتيكم ( سيد الحمار ) .. جزع الحضور ولسان حالهم يقول .. أما زال للحمار سيد لم يأتى بعد ؟؟ إعتدل ابوكدوك وقال .. اليكم القصة .. إستدرج الثعلب ضبعا وأقنعه بأن ثمة حمار ( هامل ) فى الأنحاء .. ويمكنه إلتهامه فى سهولة ويسر .. فرح الضبع وهرع الى حيث الحمار .. مسترشدا بخارطة طريق رسمها له الثعلب .. دون أن ينتبه .. وحين إنتبه كانت أقدامه قد غاصت فى الوحل ..! بدأ الضبع المسكين فى الصراخ والإستنجاد .. ومن بعيد جاء الثعلب وهو يضحك .. وسأل الضبع مستنكرا ..لما تصرخ وتملأ الدنيا ضجيجا وأنت فى أحسن حالاتك الآن ..؟ الضبع يتعجب لحديث الثعلب .. كيف يكون فى احسن حالاته وهو عاجز عن الحراك ..؟ الثعلب يتجاهل حيرة الضبع و يمضى شارحا .. أنت الآن تقف على أرض رطبة وباردة .. والنسيم عليل .. الطقس هو الآخر لطيف وبارد حيث الشمس لم تشرق بعد .. ولكن .. يستدرك الثعلب مخاطبا الضبع .. مصيبتك الحقيقية ستبدأ حين ترتفع الشمس الى كبد السماء .. وتجف الأرض من تحتك .. وتعلق أقدامك فى الوحل الجاف .. ثم .. وهنا مربط الفرس .. يأتى صاحب الحمار حاملا عصاه .. فسيجدك صيدا سهلا .. ولن يشك لحظة أنك كنت تنوى شرا بحماره .. كما أنه لن يشك .. أيضا .. أن الله وحده قد عاقبك وأنقذ حماره .. وأن الله قد بعثه خصيصا لينقذ الدنيا من شرورك .. وعملا بأمر الله ونزولا عند توجيهه سينزل عليك أشد عقوبة عرفتها الحيوانات فى تاريخها ... ويختتم الثعلب خطبته أمام الضبع المحتار بنصيحة عظيمة .. وفر صراخك لوقته ..! إنتهت قصة الفريق ابوكدوك .. وتباينت إجتهادات الحاضرين يومها .. حول من يكون (سيد الحمار) الذى حذر منه الفريق الراحل ... لم يكن المشهد السياسى يومها من الوضوح بما يعين على التخمين الصحيح .. أو التنبؤ الدقيق .. ولكن بعد مرور نحو عقد من الزمان على رواية الفريق ابوكدوك .. تأسس ما يسمى ب (منبر السلام العادل ) وأفصح عن عزمه حكم السودان ..وأسس صحيفة .. يكتب فيها إسحق احمد فضل الله مبشرا ب .. زمن سيد الحمار ..( راجع عدد الأربعاء من صحيفة الإنتباهة ) .. و (سيد المنبر ) لا يخفى أنه ومن بين اهل السودان قاطبة .. وحده المؤهل لخلافة البشير .. !!! الخرطوم 30 مارس