تقرير: إبراهيم حمودة – إذاعة هولندا العالمية فوجئ السودانيون بتصريح للامين العام للحركة الاسلامية في السودان المسئول القيادي والروحي لحزب المؤتمر الوطني أقر فيه بأنه اوصى بأن يحصل افراد الجيش على جزء من الغنائم التي يحصلون عليها في الحرب وهو أمر له ما يدعمه فقهيا كما قال في حوار اجرته معه صحيفة السوداني: "تحدثت عن زيادة مرتبات القوات المسلحة وتحسين أوضاعهم، وقلت لوزير الدفاع اعطوهم من الغنائم. في الفقه الشخص عندما يأتي بغنيمة من العدو يجب أن يعطوه منها، وهناك فتاوي عن تقييم قيمة الغنائم وإعطائه حافزا (مثل الزول لو جاب ليهو عربية أو سلاح ، يعني تحفزو أو تديهو جزء من الحكاية عشان يقدر يحسن وضعوا ويخدم المعالجات المقترحة لزيادة مخصصات القوات المسلحة" جيش وعصابات ورأى الكثيرون ان مثل هذا التصريح الذي يخول للجيش الاستيلاء على ممتلكات المواطنين في المناطق التي تدور فيها الحرب الاهلية واعتبارها غنائم يتناقض تماما مع دور الجيش الوطني المسئول اصلا عن حماية المواطنين وممتلكاتهم يفتح الباب واسعا امام القوات المسلحة وافرادها لممارسة النهب بدعوى الحق في الغنائم وهو أمر لا يتورط فيه أي جيش نظامي وبمباركة من القيادة الروحية للحزب الحاكم لأنه يضع الجيش في مرتبة واحدة مع الميليشيات والعصابات المسلحة. وواضح من السياق أن موضوع الغنائم قد تم التفكير فيه لتشجيع افراد القوات المسلحة للقتال بروح أعلى وعزيمة اكبر، وكتعويض لهم عن ضعف المرتبات الشهرية. حروب وضعف بالرغم من أن الاحداث الاخيرة في السودان توحي بقدرة الحكومة على إعادة ترتيب اوضاعها من الداخل خاصة بعد اتفاق اعادة ضخ نفط الجنوب عبر الشمال الذي سيضمن حدا من الانتعاش الاقتصادي، إلا أن العمليات العسكرية التي تشنها الحركات المسلحة في اقليم دارفور وفي جنوب كردفان، إضافة للانشقاق الاخير في صفوف شرطة الاحتياطي المركزي في دارفور تكشف ليس عن ضعف الدولة بل عن تآكل مؤسساتها بشكل يهدد وجود الدولة نفسه. واحدة من هذه المؤسسات المؤسسة العسكرية الاكثر اهمية لضمان الاستقرار في البلاد والتي تواجه عدد من الحروب في اقليم درافور ثم مؤخرا اقليميجنوب كردفان والنيل الازرق عقب استقلال جنوب السودان الذي اصبح دولة مستقلة ذات سيادة. محاولة انقلابية كانت المحاولة الانقلابية الاخيرة التي اتهم الجنرال صلاح قوش رئيس جهاز الامن السابق والذي مازال قيد الحبس الآن في الوقت الذي افرج فيه عن بقية المتهمين فيها ومن بينهم العميد ود ابراهيم الذي تنسب اليه تهمة قيادة المجموعة، كانت هذه المحاولة هي الدليل الكبر على ضعف نظام الرئيس عمر البشير وضعف حزبه المؤتمر الوطني الذي تعصف به الانشقاقات والخلافات. تقول معظم المصادر ان السبب الرئيسي لإطلاق سراح المتورطين في المحاولة الانقلابية هو تهديدهم بنشر الغسيل القذر أمام الملأ وفضح الفساد داخل المؤسسة العسكرية المتهم به وزير الدفاع نفسه وتحويل المحاكمة بهذا الشكل الى محاكمة للنظام. افراج عن اصحاب هذه المحاولة الانقلابية وقال البيان الرسمي للسلطات السودانية أن المتهمين قد تقدموا باسترحام وطلبوا العفو عنهم فاستجاب عمر البشير لهذا الطلب، إلا أن الكثير من المتابعين يقولون أن المتهمين لم يطلبوا أي عفو بل الحكومة هي التي وجدت نفسها في ورطة وخرجت على الناس بهذه المسرحية. تجاهل الهرمية الحديث عن تفكك المؤسسة العسكرية في السودان بدأ بدخول كوادر الحزب لجهاز الجيش وتمتعهم بنفوذ كبير لا يخضع للتراتبية والهرمية داخل جهاز الجيش وهو امر مقدس بالنسبة لأفراده. خلق هذا وضعية يتطاول فيها اصحاب الرتب الادنى على من يعلونهم في الرتب استنادا على قربهم من اشخاص متنفذين في مواقع القرار داخل المؤسسة العسكرية او خارجها. خلق هذا الخلط بين الحزب وجهاز الجيش عدم ثقة بين العسكريين واضر بمسألة الانضباط العسكري واحترام الهرمية . ذهب المؤسسة العسكرية ايضا خطوة اخرى استوعبت فيها معظم الميليشات التي قاتلت معها في دارفور وضمتها للجيش بصفة رسمية مثلما حدث في قوات حرس الحدود. ضربات اسرائيلية ثم جاءت الضربات المتكررة التي نفذتها اسرائيل في شرق السودان وفي ميناء بورتسودان ثم في قلب العاصمة الخرطوم حين ضربت مصنعا للأسلحة دون ان تحرك الحكومة ساكنا ودون ان يعترض الطائرات الاسرائيلية أي فعل مضاد سواء من المضادات الارضية ام من سلاح الجو السوداني. اكتملت اللطمات الموجهة للروح المعنوية للجيش السوداني بالانتصارات المتتالية التي حققتها الحركات المسلحة في كل من النيل الازرق وجنوب كردفان وأخيرا في دارفور مما دفع بوزير الدفاع السوداني للتصريح والاعتراف بأن مرتبات الجيش السوداني لا تشجع الجنود على بذل الارواح. وهو تصريح اعتبرته فصائل المعارضة غريبا من نوعه ويكشف الذهنية التي عمر البشير وحزبه الحرب في السودان. تمرد الشرطة لم يمض وقت طويل على هذا التصريح حتى تمردت وحدة من شرطة الاحتياطي المركزي يقارب عددهم المائة عسكريا بحسب بعض المصادر واستولوا على 14 عربة محملة بعتادها العسكري حسب البيان الصادر من المجموعة المتمردة التي اعلنت انضمامها لإحدى الحركات المتمردة. ورد في الكثير من المواقع ومنابر الحوار السودانية بأن خلفيات التمرد تعود لمبالغ مالية اخذها ضباط القوة كمقابل لتأمينهم لقافلة تجارية الى مدينة الجنينة بغرب دارفور، وذلك دون أن يشركوا الجنود في هذا العائد المادي مما دفع بالجنود الى اطلاق النار بشكل عشوائي ومن ثم اعلان تمردهم. وجاء في بيان تمرد المجوعة الاخيرة من الشرطة ما يلي: "أيها المواطنون الشرفاء نؤكد لكم بان نوايا النظام اتضحت لكل انسان واعى في دارفور وان قوات ما يسمى ابوطيرة تم تجنييدها ضمن قوات الاحتياطي المركزي بعد ان فشل النظام في استجلاب ابناء النوبة وابناء الجنوب الذين انفصلوا وذهبوا مع دولتهم ومهمتنا لحماية الوطن وهيبة الدولة وحماية ارواح المواطنين ولكن الحكومة غير صادقة في شعاراتها وبعد تخرجنا لجأت الى استخدمتنا لقتال اهلنا في دارفور والمستفيد الا ول هو النظام". الخدمة المدنية ايضا أتهمت الحكومة السودانية مرارا بتسليحها للميليشيات في اقليم دارفور السوداني قبل أن تفقد السيطرة على هذه الحركات التي اصبحت تشكل هاجسا أمنيا في الاقليم وتسببها في العديد من حوادث القتل والنهب هناك. لتجيء احداث تمرد الشرطة الاخيرة في اقليم دارفور لتبرهن على فقدان الدولة للسيطرة على جهاز الشرطة وهو مؤشر لإمكانية انتشار الظاهرة وانتقال عدواها خاصة في الاقاليم التي تشهد حروب مثل النيل الازرق وكردفان ودرافور وربما اقاليم اخرى مثل شرق السودان الذي يشوبه التوتر. إن كان هذا هو ما يحدث في داخل مؤسسة الجيش والشرطة أكثر الاجهزة انضباطا فإن ما يحدث في مؤسسات الخدمة المدنية التي تضخمت بفعل خلق الكثير من الوظائف للترضيات السياسية ولاسباب لها علاقة بفساد القائمين على هذه الاجهزة كما تورد وسائل الاعلام هناك من وقت لآخر رغم ضيق سقف الحرية المتاح لها.