عندما يلقن الصغار درساً للكبار كيف يكون اذاً ردة فعل الكبار خاصة لو انه كان درساً قاسياً كالذي قدمه أطفال مدني بل كيف مردود الفعل والكبار على كل المستويات تلقوه وهم في قمة الاحباط من الفشل المزمن الذي أوشك ان يكمل نصف قرن فيصقعهم الصغار بصاروخ قاتل. أطفال مدرسة محمد عبدالله موسى لم يقف درسهم الذي قدموه لمدينة مدني وحدها وانما قدموه للسودان كله وهم يرفعون اسمه وعلمه ويعيدون له فرحة غابت خمسين عاماً ويسكبون دمعهم ليس حزنا عليه وانما فرحا بتتويجه بطلاً للنسخة الثانية من كأس قناة جيم في الدوحةقطر في البطولة العربية للبراعم والناشئين بمشاركة 16 منتخباً بعد ما يقرب نصف قرن من الاحباط وغياب كرة القدم السودانية من أي بطولة منذ احرز السودان كأس الامم الافريقية في عام70 وكانت على أرضه و ليست خارجه وليغيب من يومها عن ساحة التتويج بأي بطولة في كرة القدم. فما حققه اطفال مدرسة محمد عبدالله موسى لا يقف درسه للسودان على فترة غيابه الطويلة من تتويجه في بطولة خارجية قارية او دولية وانما لأن الصغار قدموا هذا الدرس في قمة الفشل والازمات التي أطاحت بكرة القدم من الملعب والتي ظلت تهيمن والشغل الشاغل لكل المعنيين من أجهزة رسمية والاهلية والإعلامية طوال هذه السنوات وان بلغت في عامها الأخير قمة الاحباط لهذا جاء انجاز هؤلاء الاطفال في التوقيت المناسب ليفرض نفسه على الإعلام. اما على مستوى مدينة مدني فلعل الدرس أكثر قساوة رغم الفرحة التي أشاعها وهو يعيد اسم مدينة ظلت رقما في كرة القدم تاريخيا للأضواء قبل ان (تمسح من السبورة) لهذا جاء الانجاز درساً لمدينة مدني وهو يؤكد مستوى المواهب والخامات التي تتمتع بها مدينة انطوى تاريخها في كرة القدم وهي التي قدمت و ظلت تقدم حتى السبعينيات نجوما عمالقة في كرة القدم بل ومن أفضل نجوم السودان ينافسون الخرطوم بكل قوة وعلى رأسهم أولاد كرار وسعد الطيب وعمر النور وسنطة وحموري اخوان وسانتو اخوان وقلة اخوان وحمد والديبة حاجة عجيبة وغيرهم ممن لا يسع المجال لذكرهم وكلهم من ابناء مدني التي كانت لها اندية في قامة الهلال والمريخ واندية الخرطوم (الأهلي والنيل والاتحاد) قبل ان تفرغ من الاندية والنجوم مما يؤكد ان الجزيرة أقدم ولايات السودان حضاريا بمستوى الخرطوم فكيف لمدينة بهذا التاريخ تغيب عن الملاعب ولا تقدم فريقاً أو نجما كروياً منذ ذلك الوقت فالنادي الوحيد الذي بقى لهذه المدينة ذات التاريخ الأهلي ظل على الهامش يصارع من أجل البقاء (مش كفاية مشروع الجزيرة). لهذا جاء درس ابناء مدني اطفال مدرسة محمد عبدالله موسى أكثر قساوة عليها وهم يعيدونها لساحة الأضواء. اذن لابد للكبار على مستوى السودان عامة وعلى مستوى ولاية الجزيرة ومدينة مدني بصفة خاصة ان ينحنوا اجلالاً وتقديراً لهذه المدرسة وان يستوعبوا هذا الدرس ليعودوا لكلمة سواء تعيدهم للتاريخ. فهل خلى السودان وخلت مدني من المواهب والخامات أم انه فشل عام على مستوى الدولة والادارات الاهلية للرياضة والاعلام والنتيجة الطبيعية لافشل نظام وهيكل رياضي ورداً على السؤال الاجابة طبعاً انه الفشل الاداري على كل المستويات والدليل الدرس الذي قدمه صغار هذه المدرسة من انجاز فني واداري وروح وطنية وافرحوا شعبا شاركهم ذرف الدموع لما حققوه من انجاز. هؤلاء الابطال يستحقوا ان يكرموا ويقلدوا أفضل وأعلى وسام من الدرجة الاولى على كل مستوياتهم ويستحقون تكريماً شعبياً بمستوى الانجاز حتى يكونوا حافزاً للاطفال. كما انه لابد للدولة ان تصحح مسار الرياضة العشوائي الذي أفسد كرة القدم و انحرف بها من ان تكون الرياضة لتنمية هذه المواهب من مراحل الطفولة التي يذخر بها السودان حتى لا يكونوا ضحايا المصالح الخاصة بدلاً من هذا الفرح والمليارات التي تصرف على هذه الفوضى لمصلحة رموز الفشل الرياضي عامة وكرة القدم خاصة وتوجيه المال لانشاء مدارس في كل ولايات السودان للبراعم والناشئين استعداداً للبطولة التي ستصبح عالمية لاكتشاف المواهب وتطويرها. ولكن هل يرى الحقيقة (الاعمى) او يسمع النصيحة (الاطرش) طبعاً (لا لا والف لا لا).