* صدق رسولنا الكريم عندما قال لحظة فراق فلذة كبده ونور عينه سيدنا إبراهيم( إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي الرب) أو كما قال عليه الصلاة وأفضل سلام. * الدكتور محمد أحمد عبد الرحمن الفيل، هذه النسمة العطرة التي يستنشقها الناس صباح مساء أين ما حل ونزل. * رجل يحكي عن قصة تواضع جم وعلم غزير وحب طافح للناس أجمعين، لم يغره علمه ولم يرفعه تكبرا على قومه، فكان هو الخادم الذليل بلا ترفع أو تنطع قبيح أبدا أبدا. * تخرج في جامعة الخرطوم أعرق وأنبل الجامعات في زمنها الجميل، ونال درجة الماجستير في أقاصي الدنيا بالولايات المتحدة، والدكتوراة من أيرلندا الشمالية. * إذن الرجل يهضم اللغة الإنجليزية بالغة الأمريكية والبريطانية، ولكن مع كل هذا لم يسمعه أحد أنه يتحدث بها في المجتمعات العامة كما يفعل متوسطي العلم والمعرفة، لأنه رجل خلق للتواضع فتزين به. * كان هو شعلة ومنارة كلية الزراعة بجامعة الخرطوم مع الطلاب صغيرهم وكبيرهم مازحا هاشا باشا، فيلتقي الجميع ببسمته الحلوة وألفاظه العذبة فأحبه زملاؤه في الكلية والجامعة وقدره طلابه في القاعات، وصادقه عمال كلية الزراعة بصورة قل أن تجدها في مثل زماننا هذا. * لقد رحل الدكتور محمد احمد عبد الرحمن الفيل، وعشيرته وأهله وأولاده في أشد الحاجة له، فهو النار والنور والعلم والفكر والسند والمدد وراحة الجيران والأهل. * رحل دكتور الفيل مخلفا ورائه سيرة عطرها يجترها كل عرفة ورافقه ولو لحين. * نشهد أنه كان كالطفل في البراءة واللطافة والظرافة، وكان سمح القول والفعل شفيف الجسم كريم الخصل كامل الوصف. * ونشهد أنه كان يحب الرسول صله وسلملي، فمتى ما سمع ذكره ارتجف جسمه المنتحل وعلى صوته بالصلاة والذكر، وكم سالت دموعه وهو يستمع لمدح المصطفى عليه الصلاة والسلام، ويردد وهو يحفظ كثيرا منه نظما ومعنى وحبا في الممدوح بلا جهل. * انتقل دكتور بصورة يتمناه كل مسلم صادق ومؤمن ورع، صلى فريضة الصبح في الحرم النبوي ثم ركعات الضحى، ثم ذهب لدار شقيقته كالعادة وأخذا نومة الصالحين العابدين، حتى يستريح برهة ثم يستعد لصلاة الظهر، ولكن عندما أتاه من يوقظه للإفطار ثم الصلاة وجد روحه الزكية فارقة جسمه الطاهر العابد في هدوء وسكينة. * مات دكتور الفيل وخلف ألما أليم وجرحا عظيم، وفراغا لن تملأ الأيام والسنين، ولكن العزاء هو أن كان في السليم وأكرمه رب العالمين بمجاورة أعظم رسول والحمد لله رب العالمين. * دفن جسمه الطاهر المطهر ببقيع عثمان أطهر أرض وأرفع مكان، فيا بشرى من كان في زمرة هولاء الأموات في ذلك المكان، مع الأكارم الأخيار. * أسأل الله أن يتقبل ابن خالتي دكتور الفيل بقدر ما قدم لهذه البلاد وأهلها، وبقدر ذلك العلوم الغزيرة التي أورثها لطلاب وطالبات البلاد في مشارق البلاد ومغاربها. الذهبية الأخيرة * وعبر الذهبية الأخيرة لهذا اليوم نردد : * عليك اعتمادي دائماً كل لحظة في دنيا وفي آخره. * وفي كل شدة وعند حتوفي ارتجيك لموتتي. * لتحضرني وتختم لي بالحسنة ختمتي. * تقر بها عيني إذ الروح تؤخذو. * تكون أنيسي حين تذهب أخوتي. * وأبقا برمس وأحد بيت وحدتي. * وقد خفت حياتي وعقارب زلتي. * آجرني من الأهوال في وسط حفرتي. * ووسع لي قبري وكون لي منقذو. * وضع لي سريراً فيه يفرش سندسا. * وعبقه بالمسك الفخيم وأسسا. * لأرض له بالند فرشا أطلسا. * إي المصطفى جود لي من الرمس نفسه. * علي ذنوبا كالجبال تحوذو. * وفي الحشر في ظل اللواء طه احشروا. * وفي عالي الجنات الق المجاوره. * مع بنيه وسائر الوراء. * وأشمل لأولادي وصحبي وزائره. * عليك صلاةً ليس تحصى وتنفذه.